أحمد مظهر سعدو
لعل من أهم ما جاء به مطلع العام 2020 هو مقتل المجرم الإيراني قاسم سليماني، ومن معه من رؤوس المليشيا العراقية الطائفية، الذين عاثوا فسادًا في الإقليم عمومًا، وخاصة في سورية والعراق ولبنان، صحيح أن مصرع قاسم سليماني الشخصية الثانية في نظام الملالي كان قد أثلج صدور السوريين، إلا أن الجميع كان يتمنى أن يكون مقتله على أيدي ثوار سورية، أو العراق، وهو الذي ساهم في قتل ما يزيد عن مليون إنسان سوري على الأقل، حيث كان يقود معظم عمليات الإبادة الجماعية الممارسة بحق شعب سورية منذ عام 2011 وحتى ساعة مصرعه حيث كان عائدًا من دمشق ، ويبدو أن المشهد الإقليمي سينبثق عن الكثير من التحولات والتغيرات بعد نفوق هذا المجرم، لكن دون أن يطال ذلك الوصول إلى مواجهة مباشرة بين الإيرانيين والأميركان على الأرض الإيرانية، بل من المتوقع أن تستمر اللعبة بينهما بالنيابة، وعلى أراضي الغير، مثل الجغرافيا السورية، أو الجغرافيا العراقية، أو حتى اللبنانية.
المشهد القادم من الممكن أن يكون دراماتيكيًا، ومن المحتمل والأكثر توقعًا أن لا يكون، ومن ثم أن يدفع نظام الملالي إلى مزيد من المزاودة من أجل عملية (تحرير القدس) المفترضة، والمزيد المزيد من الانبطاح والزحف باتجاه الإدارة الأميركية، ومن أجل إعادة إحياء (خمسة زائد واحد)، وهو ما يتوقع حدوثه، عبر سياسة إيرانية براغماتية غير مبدئية، ومن خلال إدارة أميركية تصرح أن الإيرانيين خاسرين في حروبهم دائمًا، لكنهم يربحون في المفاوضات.
وقد شهدنا خلال الأيام الخوالي الرد الإيراني المتردد، والبعبعة (الشكلانية) لأدوات نظام الملالي الإيراني في لبنان والعراق، وشهدنا كذلك ما هو أكثر قماءة، عندما راح النظام السوري والميليشيات الإيرانية توسيع دائرة الاستهداف للمدنيين السوريين في إدلب لتشمل مناطق أخرى، لم تكن مستهدفة خلال الأسابيع المنصرمة مثل مدينة أريحا التي ارتكبت فيها هذه العصابات الأسدية الإيرانية مجزرة مروعة راح ضحيتها ما يزيد عن عشرة أشخاص مدنيين بينهم أطفال ونساء، وهو ما يؤشر إلى ماهية الرد الممكنة أمام هذه العصابات الإيرانية، التي تنتقم لقاسم سليماني من أطفال إدلب العزل، وتدعي من هنا محاربة المشروع الأميركي، وتتاجر بتحرير القدس عبر أريحا هذا المرة، وهو طريق كاذب مخادع ، طالما تعود الشارع الإقليمي والعربي عليه من أدعياء تحرير فلسطين من الفرس الذين لم يتحركوا خطوة واحدة حقيقية وفعلية من أجل فلسطين، منذ أن اعتلى حكم الملالي سدة الحكم في ايران وحتى اليوم، ولا يغيب عن مخيال الشعب السوري، ولا شعوب العالم العربي، فضيحة إيران غيت، التي كشفت المستور مبكرًا، وفضحت ادعاءات تحرير القدس، عبر انفضاح العلاقة الإسرائيلية الإيرانية، في مواجهة العراق أيام حرب الثماني سنوات بين إيران والعراق.
العنف والقصف الهمجي على المدنيين في ادلب وما حولها يتواصل، وأرقام الشهداء تزداد اضطرادًا، وأعداد المهجرين كذلك، ولا من معين سوى الله.
وقد أكدت الشبكة السورية لحقوق الانسان في تقريرها الأخير الذي اعتمدَت فيه على عمليات المراقبة المستمرة للحوادث والأخبار وعلى شبكة علاقات واسعة مع عشرات المصادر المتنوِّعة، إضافة إلى عمليات تحليل لعدد كبير من الصور والمقاطع المصورة. حيث يقول التقرير: «سجل في عام 2019 مقتل 3364 مدنياً بينهم 842 طفلاً و486 سيدة (أنثى بالغة)، قتل منهم 1497 مدنياً على يد قوات النظام السوري، بينهم 371 طفلاً، و224 سيدة». فيما قتلت القوات الروسية 452 مدنياً بينهم 112 طفلاً، و71 سيدة. وقتل تنظيم «داعش» 94 مدنياً، بينهم 11 طفلاً، و7 سيدات. فيما وثَّق مقتل 164 مدنياً، بينهم 50 طفلاً، و15 سيدة على يد قوات (سوريا الديمقراطية) ذات القيادة الكردية في الشمال الشرقي لسورية.
ووثَّق التقرير في عام 2019 مقتل 68 مدنياً، بينهم 20 طفلاً، و17 سيدة على يد قوات التحالف الدولي. فيما سجل مقتل 1019 مدنياً، بينهم 264 طفلاً، و149 سيدة على يد جهات أخرى لم يبينها.
وتتوضح الأمور أكثر وأكثر من أن ترامب والروس لا تعنيهم إلا مصالحهم، ومن ثم فإن المقتلة والمحرقة في إدلب مستمرة، في محاولة روسية إيرانية جادة للوصول إلى طريق حلب حماة، وبعد ذلك وفي مرحلة قضم جديدة من الممكن أن تكون الوجهة نحو طريق حلب اللاذقية، ضمن أجواء إقليمية سمتها الوحيدة التخلي عن الشعب السوري، وعدم الاهتمام بحاله الذي لم يعد خافيًا على أحد، ومصائر السوريين في مهب الريح.
المصدر: المدار نت