ضمن سياقات العمل الوطني السوري المتواصل يشارك الأستاذ منصور الأتاسي الأمين العام لحزب اليسار السوري الديمقراطي، في الحراك السوري، الذي يتصاعد مؤخرًا، بعدما آلت إليه أوضاع السوريين، جراء ما جرى في الداخل والخارج، والبؤس في الأداء الذي تقوم به المعارضة بكل ألوان الطيف السياسي والعسكري الموجود.
موقع (مصير) حاور الأستاذ الأتاسي حول العديد من القضايا المتعلقة بالتطورات الأخيرة، وكان الضيف صريحًا في إجاباته فكان هذا الحوار المهم:
س: كيف ترى حال المعارضة السورية بعد ما وصلت اليه مآلات الثورة السورية؟ وهل من أمل في تجميع المعارضة يومًا.؟
ج- المعارضة الوطنية الديمقراطية والتي هي مؤهلة تاريخيًا لتنفيذ ما هتفت به الثورة للوصول إلى مجتمع حر ديمقراطي، هذه المعارضة منقسمة مبعثرة منذ بداية الثورة لأسباب في غالبيتها ذاتية وسأورد لكم بعض الأمثلة، في الأشهر الأولى للثورة اجتمعت المعارضة في دمشق تجمعات وتنظيمات وأفراد معروفين، وفي الجلسة الثالثة من الاجتماع انسحبت ما كانت تسمى مجموعة إعلان دمشق، دون أن تعلن عن الخلافات الموجودة بينها وبين المجتمعين، وبعدها انقسمت المعارضة إلى قسمين مجلس وطني، وهيئة تنسيق ، وبعدها فشلت الجامعة العربية في توحيدها في أكثر من محاولة، وكان آخرها المؤتمر الوطني الأول الذي عقد في ٢٠١٢، فقد وافق المؤتمر على الوثائق ورفض تشكيل قيادة توحد عمل الجميع ففشل المؤتمر، وهذا يؤكد أن الفشل قد رافق تبعثر المعارضة الوطنية الديمقراطية، مما سهل نمو تيار متطرف سيطر على مناطق الثورة وساهم في تخريبها ، ثم الى تدخل قوى أجنبية استباحت الشخصية السورية بكل معاني الاستباحة ، والآن ونحن ندخل المرحلة الثالثة من الثورة، مرحلة الانتقال إلى العمل السياسي، هل يمكن ان نقول ان المعارضة الوطنية الديمقراطية قد نضجت وفهمت دورها التاريخي، وهي مستعدة للذهاب إلى أنشطة توحد قواها وتربط نشاطها بالنشاط الشعبي الجماهيري؟ لا أعتقد، فهناك حتى الآن صعوبات كبيرة جدًا للوصول لهذا العمل الهام والضروري والمتأخر كثيرًا. والطريق للوصل إلى هذا العمل يتطلب اتفاق قوى المعارضة على لقاءات تشاورية في المراحل الأولى من العمل، تحدد نقاط الخلاف والاتفاق ثم تنتقل إلى الأعمال الملموسة لنصل إلى وحدة العمل، وأعتقد أن الشرط الوحيد للوصول إلى هذا العمل هو التخلي عن الذاتية والأنانية التي دمرت أحزاب لعبت دورًا هامًا في العمل المعارض، أيام حكم الأسد الأب ودفعت أثمان غالية جدًا.
س: ماذا عن أوضاع المعتقلين من لها اليوم.؟ وهل يمكن ترك مئات الآلاف من السوريين في أقبية الموت.؟
ج- المعتقلين في سجون النظام وفي سجون التطرف هو جرح نازف لم يستطع أحد حتى الآن إيقاف نزيفه وإطلاق سراح المعتقلين ، ويبدو أن النظام يسير نحو مزيد من التطرف، فقد حكم مؤخرًا بالإعدام على مجموعة من الشبان المعتقلين في سجن حماه منذ عام ٢٠١١ والذين لم يستخدموا السلاح طيلة فترة نشاطهم في الثورة ، ولكن من خلال أحكام الاعدام ثم من خلال تنفيذها يريد أن يؤكد سيطرته على مفاتيح القوى واستعداده لتنفيذ أقصى أشكال الاجرام والقتل من أجل فرض سيطرته على بلادنا واخضاع الشعب السوري، وأعتقد أن كافة الأشكال التي نفذت حتى الآن وإن ساهمت في طرح قضية المعتقلين والمطالبة في إطلاق سراحهم . لكنها حتى الآن غير مجدية ، وأرى أنه رغم ضعف المعارضة وخصوصًا الهيئة العليا للتفاوض ثم اللجنة الدستورية فإنهم لم يربطوا البدء بتنفيذ الحوار بإطلاق سراح المعتقلين حسب قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ لذلك فالمطلوب الآن إيجاد أشكال تصعيدية تساعد في تحريك قضية المعتقلين وأن يعلن أن إطلاق المعتقلين هو الهدف الأول من كل النشاطات التي تقوم بها قوى الثورة المختلفة بما فيها الهيئة العليا للتفاوض، وأن نستخدم كافة علاقاتنا مع الدول الأخرى من أجل الضغط لإطلاق سراح المعتقلين، ولا يمكن لنا أن نتصور أنه يمكننا الانتقال إلى أي خطوة عملية بدون إطلاق سراح المعتقلين. وهذه المهمة لا تزال ضاغطة على الجميع وتحتاج لقرارات صعبة من أجل تحريكها بشكل فعلي.
س: ماذا عن إطلاق سراح مخطوفي السويداء؟ ولماذا الآن؟ ومن أطلقهم بالفعل؟
ج- تؤكد عملية إطلاق سراح مختطفي السويداء نساء وأطفال أن الذي يستطيع التحكم بالاعتقال والقتل ثم إطلاق السراح هو النظام نفسه، فمثلًا هذه الحادثة -اطلاق سراح الرهائن – لم تتم في مناطق أخرى، ولكن خصوصية السويداء والموقف الموحد لأهلها الذي حمًل النظام مسؤولية إطلاق سراحهم أدى إلى إطلاق سراحهم، ونحن إذ نرحب بإطلاق سراحهم ونهنئ ذويهم بعودتهم للحياة وللحرية، نستنج أن إطلاق سراحهم من قبل النظام يؤكد مسؤولية النظام عن كافة الأعمال الإجرامية التي ارتكبتها داعش في سورية، ويؤكد أن داعش والنصرة وكل المنظمات الارهابية هي صناعة النظام الذي طورها ليقول للمجتمع الدولي أن الثورة السورية هي ثورة متطرفين وأن ضربة لهؤلاء المتطرفين يسمح له بالاستمرار بالسلطة، وعلينا أن نعترف أنه نجح بهذا العمل لحد كبير، والمطلوب أن نستفيد من التجارب بما فيها إطلاق سراح المعتقلات والأطفال.
س: متى ستتغير مواقف الدول الكبرى من الوضع السوري؟ وهل من أمل في فعلٍ أميركي جدي يحرك الأوضاع السورية؟
ج- أعتقد أن مواقف الدول الكبرى من الثورة السورية ستتغير نتيجة عدة عوامل منها آ-وحدة قوى الثورة الوطنية الديمقراطية والتي تنطلق من برنامج سياسي وطني واضح يعتمد قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ويبتدأ بتشكيل لجنة كاملة الصلاحية لنقل السلطة ب- والنقطة الثانية هي إيجاد خطاب وطني جديد قادر على جمع السوريين وتوحدهم ضد الارهاب وضد أي شكل من أشكال الصراع المذهبي والطائفي والقومي ، أما سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه سورية فهي واضحة، وعندها عناوين محددة لا تخفيها، وعلينا أن نقرأها جيدًا وهي: ١- محاربة داعش الذي سيبقي لتبرير استمرار وجودها واستمرار وجود النظام ٢- إبعاد الإيرانيين من سورية وهي تقوم بذلك عبر عملية تفاوضية قد لا تنتهي خلال فترات قريبة ٣- والمقايضة على الوجود الايراني باستمرار النظام ورئيسه لفترة غير واضحة وستبقى المتغيرات التي قد تساعد الولايات المتحدة في تنفيذها غير مؤثرة، إذا لم ترتبط بنضال شعبي واضح باتجاه التغيير وبوحدة القوى القادرة على تحقيق أهداف الثورة، وبكلمة فإنه ومنذ انطلاق الثورة وحتى الآن يمكننا التأكيد ان العامل الوطني الديمقراطي هو نقطة الضعف الأساسية .