إبراهيم حميدي
تتقاطع إلى حد التطابق مخرجات قمة برلين حول ليبيا، البيان الختامي و«السلال» التنفيذية، مع نتائج مؤتمر فيينا حول سوريا قبل أربع سنوات وخصوصاً في مسألتين: عودة الدور الروسي وتراجع الدور الأميركي بتغيير مرجعيات العملية السياسية. يضاف إليهما، أمر ثالث مفاده، شكوك في أن تؤدي هذه «العملية السياسية – العسكرية» إلى وقف النار، ما يعني تحولها إلى منصة لمزيد من المكاسب العسكرية لحليف موسكو في ليبيا، المشير خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني»، كما كانت الحال في سوريا مع بشار الأسد، حليف الرئيس فلاديمير بوتين.
ولدى المقارنة بين المسار السياسي – العسكري في ليبيا وسوريا وبين عمليتي فيينا وبرلين، يمكن الحديث عن 10 تقاطعات:
1 – «بيان جنيف» السوري و«اتفاق الصخيرات» الليبي. شكل «بيان جنيف» مرجعية العملية السياسية في سوريا بعد إقرار من أميركا وروسيا ودول إقليمية برعاية أممية في جنيف في يونيو (حزيران) 2012، حيث تحدث عن «انتقال سياسي» وتشكيل «هيئة حكم انتقالية» من المعارضة والحكومة. حصل خلاف أميركي – روسي في تفسيره، لكنه بقي يمثل مرجعية العملية السياسية إلى حين موعد التدخل العسكري الروسي في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015.
«اتفاق الصخيرات» الذي تم توقيعه في مدينة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2015، شمل أطراف الصراع في ليبيا برعاية منظمة الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الثانية التي اندلعت في 2014، كان أهم ما تضمنه الاتفاق: منح صلاحيات رئيس الحكومة لمجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني الذي يترأسه رئيس الحكومة وبدء مرحلة انتقال تستمر 18 شهرا، ونص على تشكيل المجلس الأعلى للدولة من أعضاء المؤتمر الوطني العام الجديد والإبقاء على مجلس النواب الليبي المنتخب في يونيو 2014، رغم الاختلاف في التفسير، بقيت مرجعية العمل السياسي وبقي رئيس حكومة الوفاق فائز السراج الجهة المعترف بها دولياً.
2 – «مؤتمر فيينا» و«قمة برلين» بعد أسابيع على التدخل العسكري الروسي، بدأت موسكو بقيادة مسار مؤتمر وزاري في فيينا بشراكة مع واشنطن ومشاركة اللاعبين الدوليين والإقليميين في أكتوبر (تشرين الأول) الذي أنتج في ديسمبر من العام نفسه «بيان فيينا» ثم القرار 2254، منذ ذاك بات القرار 2254 مرجعية العملية السياسية بالتركيز على «عملية سياسية» تتضمن إصلاحات دستورية وانتخابات بإشراف الأمم المتحدة خلال 18 شهراً، وتراجع الحديث عن «الانتقال السياسي» و«هيئة الحكم». أما بالنسبة إلى «قمة برلين»، فإن المبعوث الأممي غسان سلامة لجأ إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل أشهر، كي يحثها على لعب دور بتوفير مظلة توافقات دولية – إقليمية لحماية تفاهمات الليبيين ودعم وقف النار وإطلاق مسارات سياسية وعسكرية واقتصادية. وباتت مخرجات قمة برلين المرجعية السياسية، كما هي الحال مع مؤتمر فيينا. هدف العمليتين، تشكيل حكومة وحدة وطنية.
3 – قرار في مجلس الأمن. بعد صدور «بيان جنيف» في منتصف 2012، أرادت موسكو إصداره بقرار من مجلس الأمن، لكن الخلاف بين واشنطن وموسكو حول تفسير البيان دفع واشنطن إلى معارضة ذلك بحيث إن الوثيقة الأممية الوحيدة التي أشارت إلى «بيان جنيف» كان القرار 2118 الذي تناول نزع السلاح الكيماوي نهاية 2013. وتوافق الطرفان – الشريكان بسرعة على إصدار وثيقة فيينا في القرار 2254. أما في برلين، فإن روسيا تستعجل إصدار مخرجات القمة الدولية بقرار دولي يدعم تفاهمات الليبيين أنفسهم.
4 – «مجموعة الدعم الدولية» و«مجموعة المتابعة الدولية» تشكلت الأولى من 22 دولة شاركت في مؤتمر فيينا، حيث بات ممثلوها يعقدون اجتماعات دورية في جنيف لمتابعة الملف الإنساني. كما واصل ممثلو الجانبين الأميركي والروسي متابعة تنفيذ وقف النار عبر تبادل معلومات بين مسؤولين عسكريين. أما بالنسبة إلى «مجموعة المتابعة الدولية»، فإنها ستجتمع مرة في الشهر برئاسة البعثة الأممية لمتابعة تنفيذ «قمة برلين» الليبية.
5 – الشرعية والاعتراف الدولي: تحظى الحكومة السورية باعتراف الأمم المتحدة رغم نزع دول غربية ذلك عنها، لكنها لم تشارك في صوغ «بيان جنيف» و«بيان فيينا». أما بالنسبة إلى ليبيا، فإن حكومة الوفاق برئاسة السراج، هي المعترف بها دوليا، لكن الدعم الروسي يختلف في الحالتين. لا شك أن نصوص «مسار فيينا» والقرار 2254 باتت تتحدث عن «حكومة الجمهورية العربية السورية» بعدما كان الحديث عن «النظام السوري». يعتقد أن اتجاه قمة برلين، سيكون تعزيز شرعية المشير حفتر، حليف بوتين وتخفيف شرعية السراج حليف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عبر توليد جسم سياسي جديد.
6 – مسار أممي: فتحت قمة برلين الباب أمام تشكيل لجنة عسكرية من ممثلي حكومة الوفاق والجيش الوطني، خمسة لكل منهما، لتعقد اجتماعات في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة لتعزيز الهدنة، ثم إطلاق مفاوضات 5 + 5 تمهد لوقف دائم للنار. في التجربة السورية، فإن الفجوة أوسع بين السوريين، ذلك أن أميركا وحلفاءها وروسيا وحلفاءها تكفلوا بذلك. عقد الاجتماعات الليبية في جنيف يتماشى مع التجربة السورية.
7 – مسار إقليمي: إضافة إلى المسار الدولي في جنيف، فإن روسيا أطلقت مسارا آخر في آستانة بين الضامنين الثلاثة، روسيا وإيران وتركيا، تناول أمور وقف النار والعملية السياسية. وفي قمة برلين، جرى الاتفاق على مسار سياسي آخر. وبناء على الاتفاق السياسي الليبي «اتفاق الصخيرات»، أطلقت بعثة الأمم المتحدة عملية لتأسيس منتدى للحوار السياسي الليبي على أن ينعقد خارج ليبيا بحلول نهاية الشهر الجاري ربما في دولة إقليمية.
8 – ثلاث قوائم: تضمنت قمة برلين في مسارها السياسي، تشكيل قائمة ممثلين للحوار السياسي تضم 40 ممثلاً سيتم اختيارهم بناء على مشاورات مع أطراف ليبية أساسية. حسب المعلومات أن القائمة ستضم 13 من مجلس النواب (شرق) و13 من مجلس الرئاسة (غرب – حكومة الوفاق) و14 يسميهم المبعوث الأممي. في التجربة السورية، تكفل المبعوث الأممي غير بيدرسن تسهيل تشكيل لجنة دستورية: 50 من الحكومة و50 من المعارضة و50 يسميهم المبعوث الأممي. مبادئ المثالثة والتسهيل الأممي والمحاصصة موجودة في التجربتين.
9 – «السلال» السورية والليبية: أسفرت العملية السياسية السورية عن بيع روسيا مسار «السلال الأربع» إلى الأمم المتحدة، بحيث تتضمن بحث ممثلي الحكومة والمعارضة ملفات: مكافحة الإرهاب، إصلاح الدستور، الانتخابات، والانتقال السياسي. في ملاحق بيان قمة برلين، جاء أيضا اقتراح تشكيل «سلال ست»، شملت مسارات سياسية واقتصادية ومالية وأمنية وإنسانية وحظر السلاح. الخلاف في التجربة السورية، كان حول أولويات البحث وتزامنه، ولن يخرج المسار الليبي عن ذلك.
10 – «ملكية ليبية» و«ملكية سورية»: صحيح أن اجتماعي «بيان جنيف» ومؤتمر فيينا الخاصين بسوريا عقدا من دون مشاركة السوريين. وصحيح أن قمة برلين التأمت من دون مشاركة مباشرة للمشير حفتر والسراج، فإن المسارين يشددان على أن العملية السياسية هي «ملكية وبقيادة سورية… وليبية». أي أن اللاعبين الدوليين تدخلوا لوقف التدخل.
عليه، كما قارب دبلوماسيون غربيون مسارات سوريا، في جنيف وفيينا وآستانة بكثير من التشكيك، فإنهم يسقطون الشكوك ذاتها على مسارات ليبيا. قال أحدهم: «أغلب الظن، فإن مسار برلين سيستعمل لتعزيز المكاسب العسكرية للمشير حفتر بدعم روسي كما حصل مع الأسد بدعم روسي مع خلافات في حدود وجداول ذلك».
المصدر: الشرق الاوسط