وصف المبعوث الأممي إلى سوريا جير بيدرسن الوضع الإنساني في منطقة إدلب بأنه «كارثي»، قائلا إن المدنيين يدفعون «ثمناً باهظاً» للحرب على الإرهاب. جاء ذلك خلال اجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالعاصمة موسكو الجمعة.
ولفت بيدرسن إلى أن تسوية الوضع في إدلب هو شرط أساسي لعودة اللاجئين إلى سوريا. وقال: «المشكلة هي أن أكثر من 50% من سكان سوريا غادروا منازلهم، ولهذا ما نريد تحقيقه الآن هو إيجاد وضع ليبدئوا في العودة، ومن ثم سنحتاج العملية السياسية في البلاد واستقرار الوضع في إدلب». وأضاف: «نحن نتفهم التحديات عندما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب، لكننا حذرنا أيضاً مما نراه الآن وهو ثمن مرتفع للغاية يدفعه المدنيون». ومضى المتحدث الأممي بالقول إن هناك حوالي 700 ألف نزحوا منذ أبريل/نيسان الماضي وقتل أكثر من 1500 مدني حسب وكالة الأناضول.
على صعيد متصل، أشاد المبعوث الأممي بتشكيل اللجنة الدستورية السورية باعتبارها «خطوة مهمة إلى الأمام». واستطرد قائلاً: «نحن نفهم أن الأمر سيستغرق بعض الوقت ونحن لا نتسرع في هذا، كما نأمل أن يكون لها (اللجنة) تأثير على العملية السياسية الأوسع، وتحسين حياة السوريين الذين يعيشون في البلاد والدفع لعودة اللاجئين». وكشف بيدرسون أنه سيزور العاصمة السورية دمشق، الأربعاء القادم، لإجراء محادثات مع النظام السوري. من جانبه، تحدث لافروف عن الجوانب الاقتصادية والإنسانية للأزمة السورية.
وقال مخاطبًا بيدرسن: «نحن نقدر النهج الذي اتبعته أنت وفريقك لتهيئة الظروف للمفاوضين لخلق ثقافة الحوار وبناء الثقة، وهذا عنصر مهم للغاية للتسوية». ومضى بالقول: «نحن لا نهول من حقيقة أنه بعد أشهر قليلة من تشكيل اللجنة الدستورية، لم تتحقق نتائج كبيرة، فلم يكن ذلك متوقعاً». وأكد لافروف أن بلاده ستدعم بكل الطرق، جهود بيدرسن الهادفة إلى تهيئة الظروف لإحراز تقدم خلال الجلسة المقبلة للجنة الصياغة الدستورية، في الموعد الذي يراه المبعوث مناسبًا. ويتواصل نزوح سكان محافظة إدلب السورية الواقعة ضمن «خفض التصعيد» باتجاه الحدود التركية، جراء هجمات روسيا والنظام والمجموعات الإرهابية المدعومة من قبل إيران. وفي مايو/أيار 2017، أعلنت تركيا وروسيا وإيران توصلها إلى اتفاق «منطقة خفض التصعيد» في إدلب، في إطار اجتماعات أستانة المتعلقة بالشأن السوري. ورغم تفاهمات لاحقة تم إبرامها لتثبيت وقف إطلاق النار في إدلب، وأخرها في يناير/كانون الثاني الجاري، إلا أن قوات النظام وداعميه تواصل شن هجماتها على المنطقة.
من جهته قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اليوم الجمعة إن قرابة 400 ألف شخص في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا يتحركون صوب حدود تركيا نتيجة تجدد هجمات الحكومة السورية. وبدأت منظمات إغاثة تركية بناء أكثر من عشرة آلاف منزل في إدلب لإيواء العدد المتنامي من النازحين بسبب القتال في الوقت الذي تسعى فيه تركيا للحيلولة دون تدفق المهاجرين مجددا عبر حدودها. وقال اردوغان في مؤتمر صحافي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنه أبلغها أن ألمانيا يمكن أن تقدم بعض الدعم للخطط حسب وكالة رويترز.
وكان نزح أكثر من 38 ألف شخص عن منازلهم في شمال غربي سوريا خلال خمسة ايام، هربا من الغارات الجوية التي ينفذها النظام السوري وحليفه الروسي، حسب ما أعلنت الأمم المتحدة. وفي الأيام الأخيرة، نفذت مقاتلات روسية وسورية غاراتها على غرب محافظة حلب حيث لا يزال جهاديون ومقاتلون يسيطرون على بعض المناطق، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأعربت الأمم المتحدة عن «القلق البالغ» حيال ازدياد عمليات النزوح في شمال-غرب سوريا، فيما أشار المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (اوشا) دايفيد سوانسون لفرانس برس إلى وجود «معلومات شبه يومية عن غارات جوية وقصف مدفعي في المنطقة». وأوضح في بيان أنّ «ما بين 15 و19 كانون الثاني/يناير، نزح أكثر من 38 ألف شخص، خاصة عن غرب حلب» باتجاه مناطق أخرى ضمن المحافظة أو باتجاه إدلب.
ولا تزال محافظة إدلب وبعض المناطق في حلب واللاذقية المجاورتين تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (الفرع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا). وثمة حضور لفصائل مقاتلة أخرى أيضا. ومنذ بداية كانون الأول/ديسمبر، نزح ضمن شمال-غرب سوريا 358 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، حسب الأمم المتحدة. ويقول المرصد السوري إنّ عشرات المدنيين قتلوا في غرب محافظة حلب وفي إدلب، خاصة بسبب غارات تنفذها مقاتلات روسية، حسب المرصد.
ويحدد المرصد هوية المقاتلات استنادا إلى نوعية الطائرة ومكان القصف وخطط الطيران والذخيرة المستخدمة. غير أنّ موسكو تنفي من جهتها المشاركة في أي «مهمة قتالية». وفي بيان الجمعة، قالت ميستي بوسويل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنّ «التصعيد الأخير فتح الباب أمام جبهة جديدة خطيرة». وتابعت أنّ «المخيمات ممتلئة والخدمات الصحية مستنزفة وغالبية (النازحين) يعيشون في خيم هشة مكتظة وتغمرها مياه» الأمطار. وتُكرر دمشق نيتها استعادة كامل منطقة إدلب ومحيطها، رغم اتفاقات هدنة عدة تم التوصل إليها على مر السنوات الماضية. وخلف النزاع الذي تشهده سوريا منذ آذار/مارس 2011 أكثر من 380 ألف قتيل بينهم أكثر من 115 ألف مدني.
المصدر: القدس العربي