هبة محمد
يشهد الشمال السوري، حرباً واسعة، ربما لم تعشها سوريا من قبل، معارك تمتد على طول محافظتي إدلب وحلب، وتُستخدم فيها أنواع الأسلحة كافة الجوية والبرية والصاروخية «البعيدة المدى»، حيث تقود روسيا، الحرب الهجومية، ويقاتل تحت أجنحة مقاتلاتها الحربية، كل من النظام السوري والميليشيات الإيرانية والفلسطينية، وصولاً إلى حزب الله اللبناني، في حين تحاول المعارضة السورية، والتي يبدو أنها تحت ضغط عسكري لا مثيل له، التصدي لهذه الحملة العسكرية، مستخدمة أسلحة صاروخية مضادة للدروع، في حين أن المدنيين وهم الحلقة الأضعف، نزح منهم 100 ألف شخص نحو المناطق الحدودية مع الجارة تركيا في الأيام العشرة الأخيرة.
وأكدت مصادر في المعارضة السورية المسلحة، انسحابها، من بلدة «الغدفة» الواقعة شرقي مدينة «معرة النعمان»، في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، بعد معارك طاحنة وقصف غير مسبوق من قبل المقاتلات الحربية الروسية والسورية. من جانبه، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان – ومركزه لندن – تقدم المعارضة السورية على محاور مشيميس وسمكة والبرسة شمال شرق معرة النعمان، بعد هجوم نفذته في محاولة منها لتخفيف الضغط على المحاور الشرقية لمدينة معرة النعمان، حيث وقعت خسائر عسكرية للجانبين.
معرة النعمان
وأفاد المرصد السوري أن قوات النظام سيطرت خلال الساعات الـ24 الماضية على سبع بلدات رئيسية في محيط مدينة معرة النعمان، الواقعة على هذا الطريق الدولي. وقد وصلت بذلك، وفق المرصد، إلى «مشارف المدينة وباتت تبعد عنها مئات الأمتار فقط، كما قطعت نارياً جزءاً من الطريق الدولي». وكتبت صحيفة «الوطن» المقربة من الحكومة السورية، في عددها الاحد أن الجيش بات «قاب قوسين من معرة النعمان» التي «غدت أبوابها مشرعة» لدخوله وللتقدم إلى أجزاء من الطريق الدولي. وتُكرر دمشق نيتها استعادة كامل منطقة إدلب ومحيطها رغم اتفاقات هدنة عدة تم التوصل إليها على مر السنوات الماضية في المحافظة الواقعة بمعظمها تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وتنشط فيها فصائل معارضة أخرى أقل نفوذاً وبالتوازي مع التقدم باتجاه معرة النعمان، تخوض قوات النظام اشتباكات عنيفة في مواجهة هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى غرب مدينة حلب.
من جانبها، أعلنت الجبهة الوطنية للتحرير، التابعة بدورها للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، عن قصفها لغرفة عمليات عسكرية للنظام السوري وحليفه الروسي في ريف حماة الشمالي، باستخدام سلاح الصواريخ. ووفق ما نقلته وسائل إعلامية معارضة، فإن القاعدة المستهدفة، تتبع للقوات الروسية وتدير معارك الشمال السوري، كما تحوي على قواعد «الأورغان» الصاروخية الروسية، في مدينة كفرزيتا في ريف حماة الشمالي.
في حين أن أرياف محافظة إدلب الخاضعة لاتفاق خفض التصعيد برعاية روسية – تركية، شهدت خلال الساعات 24 الماضية، ولا تزال، أخطر عمليات التصعيد العسكري، حيث أدت المعارك المستمرة منذ عشرة أيام إلى نزوح 100 ألف مدني، حسب بيان لفريق «منسقو الاستجابة»، نشره أمس. كما وثق الفريق، نزوح أكثر من 98616 مدنيا، بمعدل 17151 عائلة من المناطق التي تشهد تصعيداً عسكرياً، مشيراً إلى أن فرقهم الميدانية، لازالت تحصي أعداد الخارجين من المنطقة من خلال نشر فرق ميدانية على الطرقات الرئيسية ومناطق الاستقرار.
جبهة حلب
ميدانياً وانتقالاً إلى حلب، وهي عاصمة الشمال السوري، فيبدو أن أريافها دخلت فعلياً مرحلة الحرب الكبرى، حيث هاجم النظام السوري بدعم بري من العديد من الميليشيات العابرة للحدود كالأفغانية والفلسطينية وحزب الله اللبناني، ريفي المحافظة الغربي والجنوبي، وسط تغطية جوية روسية مدعومةً بمقاتلات النظام ومروحياته، إذ حاولت القوى المهاجمة التوغل بعمق ريف حلب الجنوبي، بغية الوصول إلى بلدة خان طومان، إلا أنها وقعت ضمن كمائن للمعارضة السورية، أدت إلى تكبدها خسائر عسكرية، مما أدى إلى انسحابها من المنطقة إلى الخطوط الخلفية، وسط غارات جوية عنيفة لم تهدأ.
اللافت في معارك حلب، وفرة الصواريخ المضادة للدروع المستخدمة من قبل المعارضة السورية المسلحة، والتي كان لها الأثر الأكبر في صد الحملة البرية على ريفي المحافظة الغربي والجنوبي، حيث وثقت مقاطع مصورة، استخدام المعارضة لصواريخ «التاو- الكورنيت – السهم الأحمر والكونكورس»، في حين، أن المرصد السوري لحقوق الإنسان، تحدث عن فشل محاولات النظام السوري وحلفائه في التوغل في ريف حلب الجنوبي.
المحلل السياسي السوري درويش خليفة، قال لـ»القدس العربي»: «من الواضح أن القوات الروسية وتلك التابعة للنظام السوري ومن يرافقهما في معارك الشمال السوري، ماضون في استراتيجيتهم «خطوة بخطوة»، بهدف قضم المزيد من المناطق في شمال غربي سوريا، متجاهلين اتفاقاتهم الثنائية مع الأتراك وما نتج عن مسار أستانة وسوتشي بخصوص إدلب، وهم بعمليتهم العسكرية الأخيرة في جنوب إدلب وريف حلب الغربي، يحرجون شريكهم التركي من خلال نزوح أهالي المناطق التي تتعرض للقصف نحو الشريط الحدودي مع تركيا. ويقدر خليفة أن عدد النازحين داخلياً خلال الحرب على المنطقة، قد اقترب من مليون نازح، إضافة إلى وجود مئات الألوف ينتظرون وقف القصف الجوي لمغادرة منازلهم وبلداتهم نحو مناطق أكثر أمناً.
لا حسم لصالح النظام
مجريات المعارك لا تؤشر، وفق درويش، إلى أن حسم المعركة لصالح النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، ولكن سيطرة الروس على المجال الجوي يجعل المعركة غير متكافئة، و»لا نعتقد أن الأتراك سيبقون متفرجين لأن الشمال السوري ذو أهمية لأنقرة، على اعتباره حاجزاً أمنياً يمنع عودة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من تمركزهم بالقرب من الحدود التركية الجنوبية. وكذلك هم يعلمون (الأتراك) أن تطور الأحداث سينعكس على طاولة المفاوضات السياسية، أما النظام وحلفاؤه فيعتبرون إنهاء ملف إدلب يعطي الجغرافية السورية شكلاً مشابهاً لجارتها العراق، مناطق سيطرة مركزية باستثناء بعض مناطق شمال شرقي سوريا المسيطر عليها من قوات «قسد». وبقاء الشريط الحدودي مع تركيا رهن اتفاقية أضنة مع التوسع في عمق قد يصل 22 كلم وسطيًا ما بين عفرين حتى جرابلس والمناطق التي دخلتها تركيا مؤخراً شرق الفرات.
ومن الواضح أن المعركة على ريف حلب الغربي تسير، من وجهة نظر السياسي السوري المعارض، وفق خطة روسية تهدف لتطويق مدينة سراقب في محافظة إدلب، وذلك على اعتبار أن الأرياف الشرقية والشمالية من إدلب متداخلة جغرافيا مع ريف حلب الجنوبي والغربي. حتى أن الروس استقدموا قوات مرتزقة روسية «فاغنر»، لعدم ثقتهم بجيش النظام السوري، المنهك جراء حربه على الشعب السوري طيلة تسع سنوات. الفصائل المقاتلة وبالذات أبناء المناطق التي تتعرض لإبادة، يضعون جل إمكاناتهم في الصمود والدفاع عن أرضهم عسى أن تتغير المعادلة بمدهم بأسلحة متطورة تكون رادعة للنظام وحلفائه.
قصف المشافي
واستهدفت طائرات روسية، أمس، مشفى في محافظة إدلب شمال غربي سوريا؛ ما أدى إلى خروجه عن الخدمة.
وقالت مصادر في الدفاع المدني (الخوذ البيضاء)، للأناضول، إن القصف استهدف مشفى الإيمان في بلدة سرجة، الذي يخدم نحو 50 ألف مدني.
ولم يسفر القصف عن سقوط ضحايا؛ نظراً لإخلاء المشفى من المرضى والعاملين فيه قبيل الهجوم، وفق المصادر ذاتها.
وأضافت أن المشفى خرج من الخدمة تماما عقب القصف. وحسب مراسل الأناضول، تواصل طائرات النظام السوري وروسيا قصف الأماكن السكنية في منطقة خفض التصعيد في إدلب. وفي أيار/مايو 2017، أعلنت تركيا وروسيا وإيران توصلها إلى اتفاق «منطقة خفض التصعيد» في إدلب، في إطار اجتماعات أستانة المتعلقة بالشأن السوري.
ورغم تفاهمات لاحقة تم إبرامها لتثبيت وقف إطلاق النار في إدلب، وأخرها في يناير/كانون الثاني الجاري، إلا أن قوات النظام وداعميه تواصل شن هجماتها على المنطقة؛ ما أدى إلى مقتل أكثر من 1500 مدني، ونزوح أكثر من مليون آخرين إلى مناطق هادئة نسبياً أو قريبة من الحدود التركية، منذ 17 أيلول/سبتمبر 2018.
المصدر: القدس العربي