نادر فوز
من لم يتأكد بعد أنّ كل أحزاب السلطة مصنوعة من النسيج نفسه، عليه مراجعة الساعات الثماني والأربعين الأخيرة في ساحة الشهداء. انضم أنصار تيار المستقبل إلى قائمة جماهير العار الطائفي والمذهبي، التي تعتدي على ثوار ثورة 17 تشرين الأول واعتصاماتهم. كغيرهم من أتباع الشخص الواحد، وصلوا على دراجات نارية وضربوا وكسّروا ورموا الحجارة والعبوات الزجاجية بهدف الأذية. وصل هؤلاء إلى الساحة على أنهم قادمون لإلقاء التحية على ضريح رفيق الحريري، وتحوّل تحرّكهم إلى مبايعة لرئيس الحكومة المخلوع سعد الحريري. “سعد سعد سعد”، رددوا. فأتاهم الرد الطبيعي من قلب الساحة والمعتصمين فيها منذ أشهر أربعة “ما تحلم فيها بعد”.
حسابات جانبية
وعلى الرغم من النفي “المستقبلي”، فإن ما حدث يشير بكامل وقائعه إلى حقيقة أنّ جمهور من تيار المستقبل نفّذ الاعتداء ليل الخميس ويوم الجمعة. فعوامل عديدة تتداخل فيه، أحدها العائلي وكل ما يشاع عن “عودة بهاء الحريري إلى الساحة”، بعد كل الفشل السياسي والمالي والتنظيمي في التيار بإدارة سعد الحريري ومن حوله. أجواء المستقبل نفت ضلوع التيار في اعتداء ليل الخميس، والأجواء نفسها وجّهت أصابع الاتّهام إلى المحامي نبيل الحلبي في اعتداء نهار الجمعة، وبين الموقفين موقف ثالث ربط الحلبي ببهاء الحريري. كل هذه أمور، لا دخل للثائرين في الساحات بها. هي تصفية حسابات داخلية تعني أنّ النتش شغال على جثة اسمها تيار المستقبل ومشروع رفيق الحريري. انتفى المشروع وتدمّر بفعل 15 عاماً من الإخفاق التام، لكنّه يبقى اسماً قادراً على محاكاة ذاكرة الناس وخواطرهم.
الفراغ السياسي
على الأقل هذا ما شاهدناه في “بيت الوسط” بعد ظهر الجمعة، حيث اجتمع جمهور على اسم رفيق الحريري، وانقسم بين أمرين: التقاط الصور مع الحريري وإطلاق هتاف “يا الله باسم الله الله وأكبر”.
وفي القسمين فراغ سياسي تام، زادته كلمة الحريري فراغاً. خطاب بلا مضمون. سياسة بلا معالم. موقف في الفضاء لا بوصلة فيه ولا اتّجاهات، ومن حوله سواد كبير. فلا يمكن الكلام في السياسة إذا غابت عن الموقف كلمات أساسية مثل “حزب الله” و”سوريا” و”إيران”. فكيف إذا غاب عنها أيضاً التطرّق إلى “العهد” و”البرلمان” و”الفشل”؟ كلمة سياسية لا تصبّ سهامها إلا على الوزير السابق وصهر العهد، النائب جبران باسيل، كلمة لا يعوّل عليها.
فتحديد باسيل كهدف، والابتعاد عمّن يغطّونه ويشاركونه، فيه خدمة لباسيل ورعاته. هو تحييد للأطراف الحاكمة الفعلية المتمثلة بحزب الله وحركة أمل والرئيس عون، ومساهمة في إعادة شدّ العصب الباسيلي الغارق في وحول العنصرية والطائفية. فبات للأخير ما يقوله ويردّ عليه غير “اللاجئين” و”التوطين” و”الوجود المسيحي”. فراغ كلمة الحريري إلا من باسيل، دلالة واضحة على الرغبة اللاهثة للعودة إلى الحكم، إلى التشارك مع النافذين والتقاسم معهم. قد يدخل ذلك في إطار تجديد مشروع رفيق الحريري. هذا ما أعلنه الحريري أساساً، “رفيق الحريري ليس فقط باقياً، رفيق الحريري يبدأ من أول وجديد”. وهذا التجديد واضحة معالمه ومحدوديته.
العصب المستقبلي
في هذا الخطاب تشابه كبير مع هتاف “يا الله باسم الله الله وأكبر”. لكن ما المطلوب منهما؟ لا هجوم ولا افتعال لمشكل عقائدي ولا فكري أو سياسي. إنها ذكرى رفيق الحريري، وعلينا أن نقول شيئاً، أن نستثمر بهذا الموعد السنوي ونحاول شد العصب المستقبلي مجدداً. هذا ما فعله الحريري ومن معه، ولو أنه جاء خطاباً باهتاً ومحدوداً. وجاء الاعتداء على الثوار في ساحة الشهداء ليصبّ في الإطار نفسه، استعادة موقع “الضريح” والتصوير كأنّ الخيام الموجودة هناك اعتداء عليه. هذا ما قاله العديد ممن شاركوا في الاعتداء، “هذا اليوم لنا هنا، فليرحلوا”. يتعامل التيار وفق الأسلوب نفسه: نحن نعمل يوماً واحداً في السنة، 14 شباط من كل عام. ونتيجة هذا الأسلوب واضحة في كتلة المستقبل، والخروج من عهد أسسوه سوياً مع رئيس الجمهورية، وضياع المؤسسات والمال، وانحسار الحالة الشعبية.
يسعى الحريري والمستقبل إلى شد عصب الجمهور مجدداً، من باب رفيق الحريري. وكأنّ هذا التيار لم يشبع بعد من نهش اسم عاش عليه 15 عاماً. من حق هذا الجمهور وغيره أن يسأل أين 900 ألف وظيفة الموعودة قبل الانتخابات النيابية؟ أين الرواتب المتراكمة ومستحقات الصرف من مؤسسات المستقبل؟ أين أصبحت تعويضات “سعودي أوجيه”؟ ماذا عن حزب الله وتحكمّه في العباد والبلاد؟ لماذا مهادنة رئيس المجلس وهو من عرّابي الحكم؟ سياسة بلا خدمات ولا مواقف سياسية. هذه حال الحريرية السياسية اليوم باسم مشروع الحريري-2، وهذا ما هو ذاهب إليه الحريري اليوم.
المصدر: المدن