محمد معرّي
لا يخفى على أحد في هذا الكون الشاسع برمّته ما يمرّ به السّوريون من قساوة العيش ومرارته. فمن لم يفقد أباً فقد أمّاً ومن لم يفقد أمّاً فقد أخاً، أختاً، عمّاً، خالاً، قريباً أو صديق. لم تعد الطّائرات ولا الصواريخ ولا الرصاصات هي اللّاذع الذي يقتلنا ويقتل أطفالنا، بل البرد القارس أمسى أدهى وأمرّ.. هل تخيّل أحدكم أن تكون “الخيمة” أبعد نقاط الأفق في أحلامه المتلاشية يوماً بعد يوم!!!!! تلك الخيمة التي لا تقي حرّ شمس ولا برد ريح. ولا تحتوي أدنى مقوّمات الحياة التي لا يرضى بأقلها أفقر الشّعوب، أصبحت حلماً يتمنّاه طفل لم يعش من طفولته إلاّ قهر الشيوخ المعمّرين. “لماذا يا ربي لا يملك أبي خيمة تأوينا من قساوة الثلج الّذي يفرح لهطوله القاصي والداني!!” لماذا يا ربي لا يملك أبي شيئاً يقيه مرارة العيش أو حذاءً يخفّف عنه قهر الأرض تحت قدميه اللتين تآكلتا جبلاً بتراب نموت لأجل العيش عليه بكرامة!!” تلك أسئلة تراود ذهن طفل لم يتعدّ العاشرة من عمره، طفل يفترض به أن تكون أحلامه لا تتعدّى أحلام الطّفولة التي يتغنّى المنافقون والدجّالون بحقوقها تحت شعارات رنّانة كاذبة “حقوق الطّفل”. الدّمع أصبح جزءاً ملازماً لعيونٍ لم تعتد أن تعانق الدّمع من قبل، عيونُ من أمست تعاني الأمرّين لأجل طفل يتضور جوعاً وزوجٌ لا تعلم بعد ذهابه لإحضار “الخبز” لأطفاله هل يعود أم يسبقهم الموت إليه فيأخذه في رحلة بتذكرة ذهاب دون إياب!!!!! ضوء الكهرباء ونصف ساعة في مشاهدة فيلم كرتون متحرك على التّلفازِ أصبح أعظم أحلام الطّفولة بعد قهر التهجير وظلم العباد الذين نسوا المعبود لأجل السلطة والمال. “الدّراجة الهوائية”!!!!!! ما هذا الذي تهذي به يا صديقي!! أيعقل أن يتسنّى لأحدنا الحصول على تلك الهبة العظيمة التي لا يمكن أن يحصل عليها في هذه البقعة من هذا الكون الشاسع إلا نصف إله مثل “Hercules” أو “Annabeth chacse” أو “Thalia Grase”. فباللّه عليك كفاك هذياناً وأحلاماً لا يمكن أن يحقّقها إلاّ “بابا نويل” الّذي لا يؤمن بوجوده إلاّ القلّة القلائل من إخواننا المسيحيين.. نحن لسنا غنماً يفنيهمُ الذّئب الظّالم بأنيابه دون رادع أو خجل، وبدم بارد وابتسامات عريضة تحت عناوين “الانتصار”.. نحن لسنا إلاّ أرقاماً تتزايد في كل ساعة على شاشات الهواتف الذّكية وقنوات التلفاز بعد أن يتم تزيينها بعبارات رنّانة وكلمة “خبر عاجل” بلون أبيض على بقعة حمراء بلون دمائنا التي لا يكترث لسفكها قريب أو غريب.. فهل نفنى بين أنياب ذئبنا الظّالم المستبد أو نموت تحت سندانة البرد القارس تجمّداً بشفاه زرقاء بلون السّماء عند بزوغ فجرٍ جديد!!! أو يموت الذئب قبل أن نفنى ونعود كما كنّا بشراً لا نقاس بالأرقام!