أمين العاصي ــ جابر عمر
كشفت كل التطورات السياسية والميدانية، أمس السبت، فشل المباحثات التركية الروسية الأخيرة في التوصل إلى اتفاق حول ملف إدلب، ففيما كان النظام السوري ومعه موسكو يواصلان القصف على المنطقة، ما أدى إلى مقتل جندي تركي إضافي أمس، ومع تشديد الروس على دعم قوات النظام “للقضاء على الإرهابيين”، كانت مصادر تركية تكشف لـ”العربي الجديد” أن الاتصال الهاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، مساء الجمعة، والذي تناول ملف إدلب، لم يحقق المأمول من قبل أنقرة، فيما حاولت موسكو فرض معادلة جديدة بالترويج لخريطة ميدانية جديدة في المنطقة تقوم على أساس الوضع الحالي بعد التقدّم الذي حققه النظام، وهو الذي قوبل برفض أنقرة المصرّة على الالتزام بحدود اتفاق سوتشي. أمام هذا الواقع، تبدو أي اتفاقات حول إدلب مؤجّلة إلى القمة الرباعية التي ستُعقد في 5 مارس/ آذار المقبل بين أردوغان وبوتين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وأعلن أردوغان، في كلمة له في إزمير أمس، أن بلاده حددت خريطة الطريق التي ستتبعها (في ما يخص إدلب) على ضوء الاتصالات الهاتفية التي أجراها الجمعة مع بوتين ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وأكد أن سياسات بلاده في سورية وليبيا “ليست مغامرة ولا خياراً عبثياً”، مضيفاً “إذا تهربنا من خوض النضال في سورية وليبيا والبحر المتوسط وعموم المنطقة، فإن الثمن سيكون باهظاً مستقبلاً”. كذلك أعلن في حديث آخر مساء أن “قضية إدلب مهمة بقدر أهمية عفرين ومنطقة نبع السلام، وعبّرت لبوتين بوضوح عن إصرارنا في هذا الموضوع”.
وكان أردوغان قد حضّ، الجمعة، نظيره الروسي على “كبح” النظام السوري، مشدداً على أن الحلّ يكمن في العودة إلى اتفاق سوتشي الموقع عام 2018. من جهته، أعرب بوتين خلال الاتصال عن “قلقه البالغ” إزاء “الأعمال العدوانية للمتشددين” في منطقة إدلب، بحسب بيان للكرملين.
بالتوازي مع ذلك، أكدت مصادر تركية رفيعة المستوى لـ”العربي الجديد” أن الاتصال الهاتفي بين أردوغان وبوتين، الجمعة، لم يحقق المأمول من قبل أنقرة. وأضافت المصادر أن أردوغان وضع شرطاً لا عودة عنه، وهو تطبيق اتفاق سوتشي بالكامل، وهو ما يعني انسحاب قوات النظام إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية، فيما اتصال الرئيس التركي مع ميركل وماكرون كان بغرض طلب دعم دولي في موضوع اللاجئين ووقف عدوان النظام.
وكشفت المصادر أن موسكو اقترحت خريطة جديدة للوضع الميداني على أنقرة على شكل “منطقة آمنة” بعمق 30-35 كيلومتراً وفق الوضع الحالي، وهو ما رفضته أنقرة. وشددت المصادر على أن الولايات المتحدة وحلف الشمال الأطلسي والأوروبيين يكتفون حالياً بالأقوال بلا أفعال، وتخشى تركيا أن يكون ذلك بهدف توريطها في نزاع مفتوح مع روسيا، ولهذا تسعى بقدر الإمكان للدفع بانسحاب قوات النظام، وإن كانت تلك الانسحابات محدودة ولكن من مناطق استراتيجية.
كذلك أكدت مصادر مطلعة في المعارضة السورية لـ”العربي الجديد” أن “لا نتائج إيجابية للاتصال بين الرئيسين التركي والروسي”. وأضافت: “لم تتمخّض عن الاتصال إعادة رسم تفاهمات روسية تركية جديدة، ما يعني أن التوتر ربما يتصاعد ولكن لن يصل إلى صدام مباشر بين الطرفين”. وأشارت إلى “أن اللجان التركية الروسية لا تزال تعمل”، لافتة إلى أن وفداً روسياً سيزور أنقرة مطلع الأسبوع المقبل، مضيفة: “لا يمكن عزل ملف إدلب عن الملف الليبي. الطرفان يحاولان عقد صفقة تشمل الملفين معاً”.
وعلى الرغم من هذه الخلافات، استمرت المباحثات بين الطرفين، وبحث وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس، مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، سبل التوصل إلى حل في منطقة إدلب، وفق وزارة الدفاع التركية. في المقابل، جدّد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، تأكيد دعم بلاده لقوات النظام السوري “في حربها على الإرهابيين في محافظة إدلب”. وفي مقابلة مع وكالة “تاس” الروسية أكد فيرشينين تمسّك روسيا بمواصلة الحوار مع تركيا لتسوية الأزمة في إدلب. وأضاف: “من الضروري مواصلة هذه المحادثات. الأهم هو تفادي سقوط ضحايا في صفوف المدنيين، ومواصلة الحرب بلا هوادة ضد الإرهابيين”.
بالتوازي مع ذلك، أكّدت المعطيات الميدانية أمس أن اتفاقاً تركياً روسياً حول إدلب لا يزال بعيداً في المدى المنظور، إذ لم تتراجع وتيرة التصعيد العسكري الروسي، بل واصل الطيران قصف مدن وبلدات هذه المحافظة المنكوبة.
وقُتل جندي تركي أمس في قصف لقوات النظام في محافظة إدلب، وفق ما أفادت وزارة الدفاع التركية. وقالت الوزارة عبر “تويتر” إن الجندي أصيب بقصف لدبابات قوات النظام. وبذلك ارتفع إلى 17 عدد الجنود الأتراك الذين قتلوا في شمال غرب سورية منذ بداية الشهر. وأعلنت الوزارة أنها ردّت على مقتل الجندي بتدمير 21 هدفاً للنظام بشكل كامل.
وكانت وكالة “سمارت” المحلية قد قالت إن جنوداً أتراكاً جُرحوا جراء قصف جوي من طائرات حربية تابعة للنظام على محيط معسكر قرية المسطومة جنوب مدينة إدلب، والذي يتخذه الجيش التركي نقطة عسكرية، مشيرة إلى أن الجرحى نقلوا إلى معبر باب الهوى على الحدود السورية-التركية، قبل أن تقلّهم مروحية تركية إلى داخل تركيا.
كذلك كثّفت الطائرات الحربية الروسية والتابعة للنظام من عمليات القصف لمناطق مختلفة في ريفي إدلب وحلب شمالي غرب سورية، ما أسفر عن إصابة عدد من الأشخاص. وقال مراسل “العربي الجديد” إن مدنيين عدة، بينهم طفلة، أصيبوا جراء قصف جوي روسي على قرية جوزف بريف إدلب الجنوبي. وشنّت طائرات حربية روسية، صباح السبت، غارات مكثفة على مناطق كفرنبل واحسم وبينين والفطيرة وابيين والبارة وسرجة بجبل الزاوية وكفرعويد وسفوهن وكنصفرة في ريف إدلب الجنوبي في ريف إدلب الجنوبي. كذلك شنّت غارات مماثلة فجراً على محيط مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، في حين قصفت قوات النظام دير سنبل وكفرنبل وحاس وبسقلا بريف إدلب، ومحيط وأطراف كل من الأتارب ودارة عزة غرب مدينة حلب.
من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الطيران الروسي وطائرات النظام شنّا 60 غارة استهدفت أماكن في كفرنبل والبارة واحسم وبينين والفطيرة وابيين والفطيرة وسرجة وجوزف وأماكن أخرى بجبل الزاوية في القطاع الجنوبي من ريف إدلب، بالتزامن مع قصف صاروخي مكثف استهدف المناطق آنفة الذكر. ورجح أن يكون التصعيد جواً وبراً من قبل الروس والنظام السوري على جبل الزاوية وجبل شحشبو تمهيداً لعملية عسكرية مرتقبة هناك في محاولة للتقدم باتجاه أوتوستراد حلب-اللاذقية انطلاقاً من جنوب إدلب بعد أن تم إغلاق المنافذ للأوتوستراد من ريف إدلب الشرقي من قبل القوات التركية.
وأعلنت “الجبهة الوطنية للتحرير” المنضوية في صفوف “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، أنها صدّت محاولة تسلل لقوات النظام السوري على قرية حاس جنوب مدينة إدلب، ما أسفر عن مقتل عنصرين من قوات النظام وجرح آخرين. كذلك أعلنت عن تدمير مدفع لقوات النظام على جبهة قرية الشيخ سليمان بريف حلب الغربي.
ويبدو أن الجانب التركي ينتظر انتهاء المهلة التي حددها لقوات النظام بالانسحاب إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية في محيط إدلب نهاية الشهر الحالي، قبل أن يبدأ عملاً عسكرياً واسع النطاق. ومن المتوقع أن تضع فصائل المعارضة والجيش التركي الثقل العسكري لاستعادة مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي. وفي حال استعادت السيطرة على هذه المدينة الاستراتيجية يفقد التقدّم الكبير الذي حققه النظام وروسيا جانباً كبيراً من قيمته الميدانية، كون سراقب عقدة طرق، إذ يجتمع عندها الطريقان الدوليان “ام 4″ و”ام 5” اللذان يربطان الشمال السوري بوسط البلاد وغربها.
ورأى الكاتب المتخصص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن الطرفين الروسي والتركي “يعتمدان أسلوب الدفع نحو حافة الهاوية، لكن في الوقت ذاته يسعيان عبر الاتصالات إلى ضبط التطورات وعدم السماح بتدهور الوضع لمواجهة مباشرة، والأهم ضبطها وإعادة ترتيب الأمور بما يضمن لكل منهما ماء الوجه”. وأعرب عن اعتقاده بأن بوتين “مصرّ على أن يحتفظ نظام الأسد بالمناطق التي استعاد السيطرة عليها في ريفي إدلب وحلب، وفي المقابل تركيا مصرّة على انسحابه منها”: مضيفاً: “يتوقف الأمر الآن على طبيعة صيغة الحل الوسط التي سيتفق الضامنان الروسي والتركي عليها”. وتابع بالقول: “كان لافتاً مبادرة أردوغان للاتصال ببوتين، بعد تجاهل روسي لإشارات تركية حول ضرورة عقد محادثات بين الرئيسين لحل الخلافات، ما يشي بأن الطرف التركي في موقف أضعف من الروس”. وأشار عبد الواحد إلى أنه ليست هناك حماسة من موسكو لفكرة القمة الرباعية، مضيفاً: “هذا كله يشي بأن بوتين يتمسك بموقفه الحالي، ربما لتحقيق ما هو أكبر جغرافياً وسياسياً من مجرد سورية”.
المصدر: العربي الجديد