هبة محمد
مضى على توقيع مذكّرة موسكو حيال إدلب وأريافها شمال غربي سوريا، بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، خلال قمة انعقدت لمناقشة التصعيد في المنطقة، أكثر من 3 أسابيع، تم خلالها الحفاظ على وقف إطلاق النار الذي لم يتأثر بالخروقات المتكرّرة، أو والفشل في تجاوز بعض القضايا الخلافية لا سيما تجربة الدوريات المشتركة، على الطريق الدولي «إم 4». وتحدث خبراء لـ»القدس العربي» عن سيناريوهات عدة لمستقبل إدلب لكن كورونا أعاد خلط أوراقها.
لكن ذلك، لا يعني، حسب مصادر سياسية وعسكرية، واسعة الاطلاع تحدثت لـ»القدس العربي»، أنّ روسيا تخلّت عن الخيار العسكري وهذا ما يترجم الاستمرار في عمليات التحشيد، والاستطلاع، الرامية إلى كشف التجهيزات والدفاعات، حيث وصفت المصادر ما يجري على جبهات ادلب واللاذقية، بالهدوء الذي يسبق العاصفة، مشيرة الى أن كل تعبئة واستقدام لقوات جديدة من قبل النظام السوري، تقابلها استعدادات عسكرية لفصائل المعارضة، وذلك وسط مواصلة النظام (والميليشيات التابعة له) خرق الهدنة مع تغاضٍ روسي واضح، الامر، وسط تحركات إيرانية واضحة لإفشال الاتفاق، وهذا ما يجعل المنطقة مفتوحة على سيناريوهات مختلفة.
قرب الانفجار
في موازاة ذلك، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن رتلاً عسكرياً تركيا دخل صباح الجمعة إلى الأراضي السورية، يتألف من أكثر من 100 آلية عسكرية عبر معبر كفرلوسين الحدودي شمال إدلب، وتوجه نحو المواقع والنقاط التركية في إدلب، مشيراً إلى أن عدد الآليات التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار الجديد بلغ 1825 آلية، بالإضافة لآلاف الجنود.
وكشفت مصادر محلية، ان الرتل يضم دبابات ومدافع ميدانية، وراجمات صواريخ، وناقلات للجند، وآليات هندسية، وخزانات وقود، برفقة شاحنات تحمل أغذية ومواد لوجستية، مشيرة إلى أن محطة التعزيزات الأخيرة كانت في المعسكرات التركية المنشأة حديثاً في أرياف مدينة جسر الشغور.
ويرتفع يومياً عدد الجنود الأتراك، والشاحنات والآليات العسكرية التي تصل منطقة «خفض التصعيد» حيث وصل تعدادها إلى أكثر من 5235 شاحنة وآلية عسكرية تركية، إضافة الى أكثر من 9950 جندياً تركياً.
وفي الطرف المقابل، تحدثت مصادر إعلامية روسية، عن قرب انفجار الوضع في إدلب، لاسيما مع فشل إنجاز كامل بنود الاتفاق الأخير، ونقل قوات النظام السوري «أعداد كبيرة منها إلى جبل الزاوية، لغرض واضح هو استهداف جسر الشغور، التي تعتبر نقطة رئيسية على الطريق السريع «إم 4» مشيرة إلى أن «الهدنة الحالية، للأسف، قد لا تستمر حتى منتصف نيسان/أبريل حسب المصدر.
وفي هذا الصدد يقول الخبير السياسي محمد سرميني والذي شغل منصب مستشار سياسي لوفود المعارضة السورية في أستانة، أنّ كلاً من موسكو وأنقرة قد لجأ مؤقتاً – تحت الضرورة – إلى أسلوب الخطوة خطوة لاستكمال تنفيذ الممر الأمني، لتجنّب التصعيد، لكن ارتفاع وتيرة التصعيد وتعطيل عمل الدوريات قد لا يسمح لهذه الآلية بالاستمرار طويلاً.
وحسب المتحدث لـ «القدس العربي»، فإنه لا يُمكن الاعتقاد بأنّ روسيا قد تخلّت عن الخيار العسكري حتى مع استمرار المباحثات الثنائية حول مذكّرة سوتشي بشكل غير مرضٍ؛ وأضاف «يعطي ذلك تفسيراً لاستمرار عمليات الاستطلاع بالقوّة التي تهدف إلى معرفة تجهيزات ودفاعات فصائل المعارضة السورية في جبهات جبل الزاوية وريف اللاذقية» علماً، أنّ حالة عدم الاستقرار الدولي الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، قد تدفع إلى فرض مزيد من التعطيل لأي استئناف محتمل للعمليات القتالية شمال غربي سوريا.
وقال سرميني، ان عدم النجاح الكامل لتجربة الدوريات المشتركة، والخروقات المرتكبة، لم تؤثر على الاتفاق، حيث سيّرت الفرق العسكرية الروسيّة – التركيّة دوريتين مشتركتين على الطريق الدولي بين حلب واللاذقية، واقتصرت مسافة الأولى على 3 كم فقط، في حين وصلت مسافة الثانية إلى 12 كم. علماً أنّ تركيا قامت خلال تلك الفترة بتسيير 5 دوريات ضمن نفس المسار.
كما، وصل عدد النقاط العسكرية التي أنشأتها تركيا على طرفي الطريق الدولي «ام 4» إلى 12 نقطة، فيما يبدو أنّها تسعى إلى تعزيز انتشارها ضمن الممر الأمني، بما يساعد على تأمينه من أيّة هجمات وعراقيل قد تقوم بها التنظيمات الراديكالية أو يمنع النظام السوري وحلفاءه من التقدّم نحو المنطقة كون النقاط تُشكّل خط دفاع ناري. مؤكدًا ان كل ذلك «لا يعني أن موسكو قد تخلّت عن الخيار العسكري» حيال إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا.
ومن وجهة نظر تركية، تحدث لـ «القدس العربي»، القيادي العسكري المقرب من أنقرة، نضال سيجري، حيث وصف ما يحدث اليوم بأنه «الهدوء الذي يسبق العاصفة» مضيفاً «هناك وفي الجهة المقابلة حشودات عسكرية واستقدام للقوات، وأيضاً من جهتنا نقوم بالمثل، استعدادات عسكرية للدفاع عن المنطقة، وأيضاً العمل على استعادة ما خسرناه في الفترة السابقة».
موقف أنقرة
لا تزال الحكومة التركية متمسكة بمواقفها التي أعلنتها تجاه الملف السوري وخصوصاً فيما يتعلق بمنطقة إدلب، وهو ما تحدث عنه المعارض والقيادي السوري فاتح حسون حيث قال إن ذلك يأتي في إطار «توسيع رقعة القواعد التركية ليعمق هذا الواقع ويعززه، ومن خلال هذه المؤشرات الملموسة يمكن قراءة مدى تمسك الجانب التركي بالخطوات التي أعلنها ولعل أولها عودة النظام وتراجعه إلى الخطوط المتوافق عليها في مؤتمر «سوتشي» إن لم يكن خالياً فلاحقاً، والفترة الزمنية تحددها مجريات الأحداث الدولية المتعلقة بجائحة كورونا».
فالكم الهائل للعتاد والسلاح الذي تم تحشيده من قبل الجيش التركي لن يكون لمهام مراقبة وقف إطلاق النار، وإنما هو حسب قراءة حسون، لإعادة ترتيب الأوراق وفق الرؤية المتوافق عليها مع موسكو، والتي تم خرقها من قبل النظام والميليشيات الطائفية التابعة له ولإيران، وبعدم اكتراث روسي إن لم يكن بضوء أخضر غير معلن منها.
وأضاف المتحدث لـ»القدس العربي»، أن جميع الأطراف المذكورة لمست مدى جدية الجانب التركي وإصراره على تطبيق مقررات مؤتمر قمة سوتشي حول إدلب، أو على الأقل تطبيقه تدريجيًا، مع مراقبة التحركات المراوغة لموسكو التي تتنصل من خلالها من كل ما تم الاتفاق عليه وإن كان هذا التنصل بطريقة غير مباشرة.
حشد للميليشيات
وقال حسون، «لا يزال النظام مستمر في حشد المرتزقة والميليشيات الطائفية باتجاه القرى والمناطق الواقعة خارج سيطرته بدون أن يكون ذلك بعيداً عن أروقة وغرف عمليات قاعدة حميميم التي أصبحت موقعاً للإرهاب المنظم الذي بدأ يأكل بأبناء سوريا بمختلف طوائفها ومختلف القوميات المكونة لها بهدف تحقيق مصالح المحتل الروسي عبر العصابة الحاكمة». في غضون ذلك، أصدر فريق «منسقو استجابة سوريا» أمس بياناً، ذكر فيه أن نسبة عودة النازحين إلى مدنهم وقراهم في أرياف إدلب وحلب منخفضة جداً، وقال الفريق في بيانه إن الحملات العسكرية الأخيرة لقوات النظام وروسيا، تسببت بنزوح أكثر من 1041233 نسمة، وذلك خلال الفترة الواقعة بين تشرين الثاني/نوفمبر 2019 وحتى وقف إطلاق النار الأخير في 5 آذار/مارس الجاري.
ولفت الفريق إلى أن حركة العودة إلى قرى وبلدات ريفي إدلب وحلب والمناطق التي تعرضت للاستهداف من قبل قوات النظام وروسيا ضعيفة في المجمل.
المصدر: دمشق – «القدس العربي»