“شهر واحد” فقط تسلم فيه عبد الحليم خدام منصب رئاسة الجمهورية في سورية، وفق مقتضيات الدستور بعد وفاة الرئيس السابق، حافظ الأسد، لكن هذا الشهر كان كفيلًا بتهيئة الطريق أمام وريث العائلة بشار الأسد ووصوله إلى سدة الحكم.
بعد ثلاثة عقود من الحكم، وفي 10 من حزيران عام 2000 مات حافظ الأسد، لتبدأ عقب ذلك مرحلة جديدة في سوريا، كان خدام يرى نفسه الأحق بإدارتها باعتباره الرجل الأول في البلاد، استنادًا إلى منصبه كنائب لرئيس الجمهورية منذ عام 1984.
ووفق “المادة 88” من الدستور السوري الصادر في 1973، “يمارس نائب رئيس الجمهورية صلاحيات الرئيس حين لا يمكن للرئيس القيام بها، وإذا كانت الموانع دائمة وفي حالتي الوفاة والاستقالة، يجري الاستفتاء على رئيس الجمهورية الجديد، خلال مدة لا تتجاوز 90 يومًا”.
لكن خدام لم ينتظر 90 يومًا، وإنما ساعات فقط بعد وفاة الأسد الأب، ليصدر مرسومين مهدا الطريق أمام بشار الأسد، الأول ترقيته من رتبة عقيد إلى فريق ركن، وهي أعلى رتبة عسكرية في سوريا، والمرسوم الثاني عيّن خدام بموجبه الأسد الابن قائدًا عامًا للجيش والقوات المسلحة بدلًا من حافظ الأسد.
وإلى جانب ذلك، أصدر خدام القانون رقم 9 لعام 2000، بالموافقة على قرار مجلس الشعب بتعديل الدستور وتخفيض سن الرئيس من 40 إلى 34 عامًا، ليتناسب مع عمر بشار الأسد آنذاك، لتسير الأمور الروتينية عقب ذلك وتجري انتخابات رئاسية في 10 من تموز، ويفوز الأسد الابن بولاية رئاسية لمدة سبع سنوات بنسبة 97.29%.
وتعتبر الساعات التي أعقبت موت حافظ الأسد والتحركات العسكرية والسياسية، سواء كانت داخلية أو عربية ودولية، من أكثر الأوقات التي شابها الغموض، خاصة في ظل الحديث عن دولة محورية في الشرق الأوسط، ونظام عمل لمدة 30 عامًا لتوطيد حكمه وتهيئة الطريق أمام الوريث.
لكن عقب ذلك بدأت الروايات تصدر من قبل مسؤولين محليين وعرب، عاصروا مرحلة الانتقال من الأسد الأب إلى الابن، ومنهم عبد الحليم خدام نفسه الذي لم يترك وسيلة إعلام لم يتحدث لها عن اللحظات الأولى التي أعقبت وفاة حافظ.
وجاءت هذه المقابلات عقب استقالته من “حزب البعث” في سورية واستقراره في باريس منذ 2005، بعد حديث عن تهميشه وخلافات مع بشار الأسد.
وانتقد خدام سياسة الأسد الابن بشكل واضح، خاصة في لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، واتهم الأسد بالوقوف وراء ذلك، أو في تعاطيه مع الاحتجاجات في سوريا.
وفي مقابلة مع الجزيرة عام 2017، قال خدام إنه عقب وصوله إلى منزل حافظ الأسد في يوم وفاته، تفاجأ باجتماع كل أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث، وأخبره الأمين العام المساعد للحزب، عبد الله الأحمر، بترشيح بشار الأسد.
لم يكن لدى خدام علم بترشيح بشار، وتفاجأ باجتماع القيادة القطرية بهذه السرعة، والتي لم تقف معه، لذلك اضطر إلى الموافقة من أجل حماية نفسه، على حد قوله.
وأضاف خدام أن أحد المسؤولين العرب طلب منه مساعدة بشار خوفًا من انفجار الوضع في سوريا، ما يؤدي إلى التأثير على المنطقة كاملة.
لم يذكر خدام المسؤول الخليجي، لكن رئيس الاستخبارات السعودية السابق، بندر بن سلطان، قال لصحيفة “إندبندنت عربية” في شباط 2019، إن الملك عبد الله الثاني بقي في سوريا بعد جنازة الأسد الأب.
وأرسل الملك السعودي إلى وزير الدفاع الأسبق، مصطفى طلاس، وإلى اللواء ورئيس هيئة الأركان، حكمت الشهابي، وإلى عبد الحليم خدام ليؤكد لهم وقوفه مع بشار الأسد، وأنه لا يقبل بأن “يلعب أحد بذيله معه”، ولكي يقف رجال حافظ كلهم إلى جانب الابن، على حد تعبير بندر بن سلطان.
ولم يكن خدام، المولود في أيلول 1932 في بانياس بطرطوس، رجلًا عاديًا في سوريا، إذ كان من الشخصيات المقربة من الأسد الأب.
وتدرج في حياته السياسية بعدة مناصب، بدءًا من محافظ حماة في ستينيات القرن الماضي، قبل أن يُعيّن محافظًا لدمشق بعد حرب 1967، ثم وزيرًا للاقتصاد والتجارة الخارجية عام 1969، على الرغم من حصوله على شهادة الحقوق من جامعة دمشق.
ومع وصول الأسد الأب إلى السلطة في 1970، عين خدام وزيرًا للخارجية، وكان مسؤولًا عن الملف اللبناني حتى أُطلق عليه لقب “المفوض السامي” في لبنان، قبل أن يعينه الأسد نائبًا له في 1984 حتى الانسحاب عام 2005.
ويُتهم خدام باستغلال منصبه خلال سنوات حكم الأسد الأب، وجمع ثروة تقدر بملايين الدولارات، وأهمها صفقة النفايات النووية ودفنها في تدمر، الأمر الذي نفاه مرارًا واتهم به ضابطًا في المخابرات العسكرية، وفق ما قاله في مقابلة مع قناة العربية في 2013.
ولخدام ثلاثة أولاد ذكور، هم جمال وجهاد وباسم عبد الحليم خدام، إضافة إلى ابنة واحدة هي ريم عبد الحليم خدام.
وكان النظام السوري أصدر في 2006 قرارًا بالحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لخدام وأموال زوجته وأولاده وأحفاده ذكورًا وإناثًا وأزواجهم.
المصدر: عنب بلدي