مجموعة من الخبراء
تمّ التعرف إلى مرض فيروس كورونا المستجدّ، أو ما يُعرف أيضاً بـ”كوفيد “19، للمرّة الأولى في كانون الثاني (يناير) 2020 بعد أن تسبّب بوقوع مرضى في مدينة ووهان الصينية. ومنذ تلك الآونة، تفشّى بسرعة في أرجاء العالم، مسبّباً حالة من الهلع وعدم اليقين. وحتى لحظة كتابة هذه التقديرات، تمّ تأكيد إصابة ما يقارب نصف مليون حالة ووفاة 20 ألف شخص في العالم. وتستمرّ هذه الأرقام بالارتفاع بوتيرة مقلقة.
وقد تأثّرت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مسبقاً وبشدّة، مع بروز إيران كبؤرة عالميّة أوّليّة لتفشي فيروس كورونا المستجدّ. ومع استمرار تفشّي الجائحة في أرجاء المنطقة، تأخذ الحكومات خطوات متزايدة الشدة للسيطرة على تقدّمها، بما في ذلك حظر التجمّعات العامة، وفرض حظر التجوّل ومنع الرحلات الجوية وتطبيق إجراءات صارمة للمراقبة. ومع تطوّر أزمة فيروس كورونا المستجدّ بوتيرة شديدة السرعة، ينظر خبراء مركز بروكينغز الدوحة في احتمالات المستقبل، ويتشاطرون أفكارهم حول أهمّ تداعيات الجائحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي الاستشرافات التالية، يحدّد الخبراء التحديات الإقليمية الكبرى، ويتطرقون إلى بحث التداعيات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية. ومع أنّ الكثير من وجهات الجائحة ما تزال مجهولة، تقدّم هذه التصورات رؤى مهمّة حول الأثر الذي أحدثه فيروس كورونا المستجدّ في المنطقة حتى اللحظة، فضلاً عن تداعيات ما سيحمله المستقبل.
* *
طارق يوسف
فيروس كورونا المستجدّ يمكن أن يؤدّي إلى عدم استقرار في الاقتصاد الكلّي واضطرابات شعبية
كان من المتوقّع أن يتحسّن الأداء الاقتصادي لاقتصادات الشرق الأوسط في العام 2020 بعد فترة من النمو الهزيل بسبب مزيج من أسعار نفط منخفضة ومتقلّبة، وتباطؤ اقتصادي، عالميّ وتوتّرات جيوسياسية إقليمية. بطبيعة الحال، كان الانتعاش المتوقَّع متواضعاً وبقيت الماليات العامة لمعظم الدول سريعةَ التأثّر بالصدمات الخارجية. وشهدت السنتان الماضيتان أيضاً عودة الاحتجاجات الشعبية في مختلف أرجاء المنطقة مع انتفاض الشعوب احتجاجاً على الأمن الاقتصادي المتضائل وأنظمة الحماية الاجتماعية المتدهورة.
بناء على ذلك، من الصعب عدم التأكيد على شدة التداعيات الكارثية المحتملة للضربتَين القاسيتين اللتَين شكّلهما جائحة فيروس كورونا المستجدّ والانهيارُ الكبير في أسعار النفط. وسبق أن أثّرت التراجعات الكبيرة في العائدات بالعملات الأجنبية في الموازين المالية، وسوف تعيق قدرة معظم الحكومات على الاستجابة للإجراءات المالية اللازمة للتخفيف من آثار الجائحة المعطّلة للنشاط الاقتصادي المحلّي. ولا يستطيع الاقتراض الداخلي ردم الفجوات المالية المتزايدة. وسوف يُعرض الاقتراض الدولي، بعد سنوات من الدين السيادي المتعاظم، لقاء كلفة أعلى بكثير ويولّد مخاطر في المستقبل.
أكثر ما يُقلق هو أثر هذه الظروف على سبل العيش الاقتصادية، ولا سيّما لدى الطبقتَين الفقيرة والعاملة، نظراً إلى شبكات الأمان المُنهكة أصلاً. فمع مدّخرات قليلة أم معدومة وانخفاض الإعانات الغذائيّة ومن دون تأمين ضدّ البطالة، تجد شرائح سكّانية كبيرة منخرطة في أعمال كفافية أو غير رسمية لإعالة عائلاتها نفسها عاجزة عن تحمّل ملازمة المنزل أو الانقطاع في سُبل عيشها لفترة مطوّلة. ولن تكون اليد العاملة الوافدة غير الماهرة في الدول المصدّرة للنفط بمنأى عن الضرر الاقتصادي الكبير. وليس واضحاً كذلك ما إذا كانت معظم الحكومات تمتلك القدرة على الاستجابة للضغوط المتزايدة على أنظمة الرعاية الصحية وقنوات توزيع الغذاء.
نتيجة لذلك، كلّما طالت فترة التعطيل الاقتصادي التي تسبّبها جائحة فيروس كورونا المستجدّ، وكلّما زادت الضغوط على حكومات المنطقة المقيَّدة، زاد احتمال أن يتفاقم عدم الاستقرار في الاقتصاد الكلّي وأن تعود الاضطرابات الشعبية واسعة النطاق إلى الظهور في العام 2020.
* *
رانج علاء الدين
فيروس كورونا المستجدّ يمكن أن يصنع أثراً مضاعِفاً للصراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يمكن أن تزيد جائحة فيروس كورونا المستجدّ الضغطَ على الخدمات العامة وتدمّر البنيةَ التحتية المُهملة أصلاً لقطاع الصحّة العامة، وتعيد إحياءَ الخصومات الجيوسياسية في أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد تقوّض أيضاً شرعيةَ النخب الحاكمة مع التسبّب بتآكل رأس المال الاجتماعي في المجتمعات التي باتت تعاني مسبقاً من انقسامات اجتماعية اقتصادية وسياسية وإثنية ومذهبية. وإن لم يتمّ تطبيق استراتيجية احتواء فورية وشاملة، يمكن أن تصبح الجائحة أسوأ أزمة تصيب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ ظهور تنظيم “داعش” في العام 2014، مع تداعيات كارثية مشابهة عابرة للحدود الوطنية.
ولكن، من الممكن أن تطيح باستراتيجيات الاحتواء تحدياتٌ سياسية واجتماعية اقتصادية أخرى تواجهها المنطقة، والتي سبق أن دفعت ببلدان هذه المنطقة ومواطنيها إلى شفير الهاوية. العراق مثلاً على شفير الانهيار الاجتماعي الاقتصادي بسبب تزايد أعداد الشباب والتردّي الاقتصادي والبنية التحتية الهشة. كما يشهد ذلك البلد أيضاً حركة احتجاجية أغرقته في أزمة وجودية. وما تزال سورية غارقة في حرب أهلية دمّرت هيكليات الحكم الرسمية وهجّرت الملايين وقتلت مئات الآلاف. وفي غضون ذلك، يوشك لبنان على الإفلاس ويواجه مستويات مرتفعة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
الدول التي تواجه صراعات هي التي ستعاني من الأثر الأكثر حدّة للجائحة. فعلاوة على استعمال النخب والميليشيات والقوى الخارجية المنخرطة في حروب بالوكالة الأزمةَ كسلاح، يمكن أن تزيد الجائحة من خراب المجتمعات والشعوب التي أهملها المجتمع الدولي، والتي تفتقر إلى الموارد لتفادي تداعيات الفيروس التي يحتمل أن تكون مدمّرة. ومخيّمات اللاجئين هي الأكثر هشاشة، في ما يعود في جزء كبير منه إلى أنّ عشرات الآلاف يعيشون في ظروف مزرية في مناطق مكتظّة. وحتّى قبل الجائحة الراهنة، كانت البلدان المضيفة مرهقة وعاجزة عن تلبية الحاجات الإنسانية الملحّة للمخيّمات.
بعبارات أخرى، لا شكّ في أنّ فيروس كورونا المستجدّ سيُحدث أثراً مضاعِفاً للصراعات في أرجاء المنطقة إذا لم يتمّ احتواؤه. وكما هو الحال منذ عدّة سنوات حتّى اليوم في ما يخصّ الصراعات والأزمات الراهنة، لن تبقى تداعيات الجائحة محصورة في حدود المنطقة إذا لم يأتِ ردّ دولي في القريب العاجل.
* *
جنيف عبدو
فيروس كورونا المستجدّ سيزيد من عدم استقرار النظام الإيراني
اقترح الرئيس حسن روحاني مؤخّراً أنّ إيران ستباشر مع بداية نيسان (إبريل) في الحدّ من القيود المفروضة لاحتواء الفيروس. وفي ظاهره، يبدو هذا خبراً مربكاً.
تقع إيران في قلب منطقة تفشّي الفيروس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتسجل واحداً من أعلى معدّلات الوفيّات بسبب المرض في العالم. وحتّى لحظة كتابة هذه السطور، أعلنت إيران عن إصابة أكثر من 23 ألف شخص ووفاة أكثر من 1.800. ومنذ أن ظهر فيروس كورونا المستجدّ رسمياً في مدينة قم الشيعية المقدسة في أواسط شباط (فبراير)، أصابت العدوى عدّة مسؤولين حكوميين، من بينهم نائب وزير الصحّة، ومات بعضهم. ولم تكن الحكومة مستعدة للتعامل مع تفشّي الفيروس بسبب تأثيرات العقوبات الأميركية والنظام الصحّي الإيراني المتقادم وانعدام ثقة الشعب بقرارات الحكومة.
غير أنّ اقتراح روحاني، مع أنّه يسير في عكس اتجاه المنطق التقليديّ، يبدو منطقياً في السياق الإيراني. فالقيود المفروضة بسبب تفشّي الفيروس ليست سوى نقطة جديدة تُضاف إلى لائحة مواطن الشكوى الطويلة لدى الإيرانيين. وقد حدثت احتجاجات في أرجاء البلاد بشكل متقطّع منذ العام 2017، مُتحدّية سلطة الحكومة ومُهدّدة بشكل متزايد استقرارَ النظام. واشتكى المحتجّون من فساد الحكومة الذي أدّى إلى خدمات عامة رديئة وغياب الوظائف والتلوّث.
يزعم روحاني ووزير الخارجية، محمد جواد ظريف، أنّ العقوبات الأميركية هي السببُ الرئيسي للصعوبة التي تواجهها الحكومة في احتواء الفيروس. بيد أنّ المجتمع الإيراني لن يظنّ ذلك على الأرجح. فقد وردت تقارير بأنّ الحكومة حاولت في البداية إخفاء تفشّي الفيروس، فضلاً عن الانتقاد الإعلامي خارج إيران والذي قال إن الحكومة لا تقوم بما يكفي لاحتواء الفيروس. وتبدو الحكومة، ولا سيّما فصائلها المتشدّدة، مهتّمة بالمحافظة على قوّة النظام أكثر من احتواء الفيروس.
على الرغم من أنّ الفيروس يهدّد استقرار النظام، تستمرّ مناورات إيران العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأوسع كالمعتاد، ولا سيّما هجماتها داخل العراق. وما تزال علاقاتها مع الولايات المتّحدة على حالها أيضاً. وفي شهر آذار (مارس) بالذات، هاجمت ميليشيات شيعية مدعومة من إيران قواعد للتحالف بقيادة الولايات المتحدة.
إذا دلّت هذه الاتّجاهات على شيء، فهو أنّ مستقبل إيران القريب سيكون “على حاله” على الأرجح، من دون تغيير في السياسات في الداخل أو في المنطقة. ولكن، إذا أدّى الفيروس في النهاية إلى المزيد من الاضطراب المحلّي، فإنه قد يلحق ضرراً بالنظام أكثر من الذي تلحقه به العقوبات الأميركية.
المصدر: (معهد بروكينغز) /الغد الأردنية