مهند الحاج علي
٣ نقاط أساسية حددها المبعوث الرئاسي الأميركي الى سوريا جيمس جيفري في ما يخص الدور الروسي في المرحلة المقبلة، على صلة بمسارين سياسيين في المنطقة.
أولاً، لن تستثمر دول الخليج في سورية، ولن تهرول باتجاه التطبيع مع النظام رغم تقدمه العسكري. وهذا الأمر نفسه ينسحب على أوروبا والدول الغربية والمتحالفة مع الولايات المتحدة. مثل هذا التبدل في الموقع الدولي للنظام السوري، لن يطرأ سوى بعد ابرام “الاتفاق الأكثر نجاحاً”، كما وصفه جيفري في مقابلته مع جريدة “الشرق الأوسط”. يحتاج هذا الاتفاق الى تنازلات دستورية من النظام، وأيضاً انتخابات رئاسية بإشراف أممي.
ثانياً، لدى القوات الروسية دور في سوريا يتجاوز الحرب، بل هي راعية للعملية السياسية السورية، وذلك في نسخ لدورها في رعاية بعض المصالحات التي يواصل النظام انتهاك بنودها. وحديث المبعوث الأميركي عن بقاء القوات الروسية بعد الانسحاب الأميركي والإيراني والتركي، يؤشر الى موافقة على دور طويل الأمد، في حال تلبية الشروط أعلاه، أي القبول بتنازلات لا يُظهر النظام استعداداً لها الى الآن.
ثالثاً، روسيا والنظام يشعران بقلق حيال استنساخ الدور الإيراني في العراق ولبنان، في سوريا. ليست الحالة السورية بالسوء الذي وصل اليه لبنان والعراق، لجهة التغلغل الإيراني، وخروجه عن السيطرة تماماً. وفي طيات هذا الكلام، تفويض مُبطن للجانب الروسي بفعل اللازم، ووقف التمدد الإيراني والحؤول دون تكرار الحالتين العراقية واللبنانية. عملياً، ستلعب روسيا دوراً بتفويض أميركي في الداخل السوري، يُشبه ما حصل عليه في لبنان الرئيس المجرم حافظ الأسد بعد مشاركته في حرب الخليج.
هذه الرسائل الأميركية ليست يتيمة أو مجرد أمنيات في الهواء، بل ترتبط حُكماً بمسارين سياسيين يتشكلان في المنطقة. أولاً، التبدل الروسي حيال بشار الأسد، واضح، وليس مجرد فقاعات إعلامية، كما تُحاول وسائل اعلام الممانعة اظهارها. والمبعوث الأميركي عملياً ألمح الى فهم الروس لطبيعة هذا النظام. وهو واقع. بعض المقالات الروسية المنشورة في هذه الحملة يحوي معلومات أمنية لا بد أن وزارة الدفاع أو الاستخبارات وراء تسريبها للكاتب. على سبيل المثال، وفي مقال بيتر ديريابين في صحيفة “برافدا”، وردت معلومة أمنية عن مقتل الضابط اللفتنانت جنرال فاليري أسابوف بعد انسحاب مفاجئ وغير مفهوم لميليشيا يُمولها الأخوان قاطرجي، وهما رجلا أعمال سوريان من بطانة الأسد، كانا يعلمان بوقوع اعتداء وشيك لـ”داعش”. هل بإمكان كاتب روسي الحصول على هذه المعلومة الدقيقة عن حادثة عسكرية؟
في المقال ذاته، يشير الكاتب الى جني ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، حوالي مليار دولار أميركي من خلال تهريب التبغ والمواد الغذائية الى نظام الرئيس السابق صدام حسين. المقال نفسه يُشير الى جني ماهر الأسد “ثروة” من خلال اختلاسات أدت الى افلاس بنك المدينة، ولكن من دون حديث أوسع عن ماهية الدور، ومن مثّل ماهر على الجانب اللبناني. وهذه معلومة ينسبها الكاتب الى المجلس الروسي للشؤون الخارجية، لكنها غير متوافرة عموماً للناس، ولا وجود لها في الاعلام اللبناني.
عملياً، الحملة الاعلامية الروسية، سياسية الطابع، ولا تأتي من عدم. والضغط الناجم عنها مرتبط برسائل المبعوث الأميركي تجاه موسكو.
المسار الثالث في هذا المجال هو التصعيد الإسرائيلي على الأراضي السورية. يتزامن هذا التصعيد الإسرائيلي، مع اتجاه استثنائي لتشكيل حكومة ائتلافية إسرائيلية، بما يُذكر، كما سبق أن كتب المؤرخ الاسرائيلي بيني موريس، بائتلاف واحد حزيران (يونيو) قبل أيام من حرب 1967. حينها شكل زعيم حزب “العمل” ليفي أشكول ائتلافاً مع مناحيم بيغن من حزب “هيروت” وموشي ديان (حزب رافي). من اللافت أن يترافق التصعيد عسكرياً في هذه المرحلة، مع تشكيل حكومة ائتلافية، وضغوط روسية على الأسد. هناك من يشير الى أن الأسد “وضع الآن على نار خفيفة” ليس لأن الطبخة غير جدية، بل “كي تُضاف اليه مقادير أخرى”.
المصدر: المدن