نبيل السهلي
بين الفينة والأخرى، تصدر الحكومة اللبنانية تعاميم وقرارات عنصرية تجاه اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، كان آخرها تعميم لبناني أمني يقضي بعدم السماح للفلسطينيين المقيمين في لبنان من العودة إلى لبنان ضمن الرعايا اللبنانيين العالقين خارج لبنان، الأمر الذي أثار جدلا واسعا واتهامات للنـظام اللبـناني بالعنصـرية إزاء الفلسـطيني.
فزّاعة التوطين
أصدرت المُديرية العامة للأمن العام اللبناني في الثلاثين من نيسان /ابريل المنصرم تعميما إلى طيران الشرق الأوسط، يقضي بعدم السماح للأشخاص من التابعية الفلسطينية اللاجئين في لبنان ؛أي إن كان اللاجئ يحمل وثيقة سفر فلسطينية أو جواز سلطة فلسطينية بالعودة إلى لبنان على متن طائرات إجلاء اللبنانيين من خارج لبنان.
واللافت أن التعميم المذكور مخالف للموقف اللبناني الرسمي المعلن لفظياً في مناسبات مختلفة، والداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، ويخالف، في الوقت نفسه، الموقف الشعبي الفلسطيني واللبناني الرافض لمؤامرة التوطين التي لا يكون التصدّي لها بالتضييق على اللاجئين الفلسـطينيين، وبإغلاق أبواب الحياة أمامهم وتجويعهم، بل بتعزيز صمودهم وقدرتهم على مقاومة كل المشاريع والمؤامرات التي تستهدف حقّ عودتهم، بما فيها مشروع التوطين الذي يعتبر ركيزة صفقة ترامب.
يلحظ المتابع أن قضية وجود الفلسطينيين الذين لجأوا إلى لبنان منذ نكبتهم، من أبرز القضايا التي تستخدم بين فترة وأخرى، تحريفاً وتنظيراً وافتراءً، لخدمة أغراض سياسية محلية وحزبية ضيقة، يستخدمها كل طرفٍ في وجه الآخر. وكانت فزّاعة التوطين، وما زالت، شعاراً يرفع مراراً، ويدفع في نهاية المطاف آلافاً من فلسطينيي لبنان إلى الهجرة إلى خارج لبنان، بحثاً عن لقمة العيش، والتحصيل العلمي، إذ بات فلسطيـنيو لبـنان يشـكلون غالبـية كبـرى من الفلسـطيـنيين المقيمين في الدول الاسكندنافية وألمانيا وأستراليا وكندا.
يعاني ثلثا اللاجئين الفلسطينيين من الفقر، ويعاني 8 في المائة منهم من الفقر المدقع.
وقد خلصت دراساتٌ متخصصةٌ إلى أن السبب الأساسي لتردّي أوضاع فلسطينيي لبنان هو عزلهم بما لا يسمح لهم بالانخراط في الحياة المدنية في لبنان، بالإضافة إلى إقفال أسواق العمل في وجوههم، وحرمانهم من الضمان الصحّي وحق التملّك، كما يمنع الفلسطيني من العمل بـأكثر من سبعين مهنة، في إطار قطاعات الاقتصاد اللبناني، أي إن سوق العمل شبه موصدة أمام قوة العمل الفلسطينية.
ولهذا تصل نسبة البطالة بين قوة العمل الفلسطينية إلى نحو 60 في المائة، الأمر الذي يزيد الأعباء على الأسر الفلسطينية اللاجئة في لبنان، ويضعف من خياراتها التعليمية.
ويمكن تقسيم الفلسطينيين في لبنان إلى المسجلين في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، منذ إنشائها في 1950، وهؤلاء ينعمون بحد أدنى من الاستقرار نوعاً ما. وغير المسجلين لأسباب عديدة، وينتمون إلى اللامكان. وفي ما بعد أصبح هناك تقسيم أكثر تحديداً إلى ثلاث فئات:
تم إحصاء الأولى عبر الصليب الأحمر و»أونروا» في الخمسينيات.
وقد تم تسجيل هذه الفئة في سجلات المديرية العامة للأمن العام ومديرية شؤون اللاجئين في لبنان، وتعتبر إقامتهم شرعية، ويحصلون على وثائق سفر تمكّنهم من المغادرة والعودة، ويحصلون على حق العمل قبل أن يلغى هذا الحق لجميع الفلسطينيين في ما بعد.
الفئة الثانية هي التي لم يشملها الإحصاء المذكور، وتضمنت الفلسطينيين الذين جاءوا بعد 1952، نتيجة استمرار إسرائيل في عمليات الطرد الممنهج للفلسطينيين، وتمت تسوية أوضاع هذه الفئة في 1969، بما تضمن حصول أفرادها على وثائق مرور، ولكنهم ليسوا مسجلين في سجلات «أونروا»، ومن ثم لا يستفيدون من خدماتها.
الفئة الثالثة، تضم الذين دخلوا لبنان بعد حرب 1967 في لجوء ثان، وربما ثالث، لا يملكون أي وثائق، وليسوا مسجلين، وإقامتهم غير شرعية.
تتفاقم عنصرية النظام السياسي اللبناني تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، رغم توقيع لبنان على بروتوكول مؤتمر القمة العربية المنعقد في الدار البيضاء عام 1965، أن «يعامل الفلسطينيون في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملة رعايا الدول العربية في سفرهم وإقامتهم وتيسير فرص العمل لهم، مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية».
وعلى الرغم من أن القرارات اللبنانية تعتبر الفلسطينيين من الأجانب، إلا أنها تحرمهم من امتيازات الأجانب، مع أنهم يدفعون جميع الاستحقاقات المطلوبة. على الرغم من وجود قوانين تجيز عمل الفلسطينيين في لبنان، إلا أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة منعتهم من ذلك، وذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ يتعرض الفلسطينيون لمضايقات كثيرة في مجال السكن.
ثلاث لاءات
وتتعاطى الحكومة مع هذا الملف على أرضية تجاهل تضاعف أعداد اللاجئين، بحكم النموّ الطبيعي للسكان، ومن ثم يتمسك النظام اللبناني بثلاث لاءات:
لا لإعادة بناء المخيمات المدمرة الثلاثة؛ تل الزعتر وجسر الباشا والنبطية. لا لبناء مخيمات جديدة. لا لتوسيع المخيمات القائمة.
وهي لا تزال تمنع إدخال أي موادّ بناء إلى المخيمات في مدينة صور تحت أي ظرف، ويحتاج ترميم المنازل في بيروت إلى ترخيص مسبق يتطلب إجراءات معقدة، وإذاً تعاني المخيمات من ظروف غير إنسانية متفاقمة.
ويبقى القول أن مؤشرات البؤس ماتزال تلاحق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ نكبتهم الكبرى في عام 1948، كنتيجة مباشرة للحروب التي شنت على المخيمات والتجمعات الفلسطينية، فضلاً عن تفاقم عنصرية الحكومات اللبنانية المتعاقبة، عبر إصدار تعاميم متلاحقة،تحد من عمل وملكية وسفر اللاجئين بغرض التحصيل العلمي والعمل.
المصدر: القدس العربي