تمر علينا هذه الأيام الذكرى الستون لتجربة الوحدة المصرية السورية التي أعلنت بتاريخ 22 شباط/ فبراير 1958، وفي سياق الذكرى العزيزة على قلب كل العروبيين والوحدويين في سورية كما في الوطن العربي أجمع، وبعد كل الذي حصل في واقعنا العربي والسوري منه على وجه الخصوص، وكل المياه التي جرت تحت الجسر، يتبدى السؤال الأهم والصريح ضمن مسارات المجتمع السوري، ومنعرجاته المتحركة، هل ماتزال قضية الوحدة ماثلة وحاضرة في النسق المجتمعي للشعب السوري، الذي كان وحدويًا في معظمه؟ ولماذا؟ وما أهم المآلات ضمن هذا السياق؟ السؤال تم طرحه على بعض الباحثين والكتاب المهتمين، حيث تحدث الباحث السوري الدكتور مخلص الصيادي لجيرون قائلًا ” اليوم أكثر من أي يوم مضى تظهر الوحدة القومية، والمشروع الوحدوي العربي بمثابة البوصلة الموجهة لكل عمل مثمر في حياتنا السياسية على الساحة الوطنية والقومية. الآن أصبح واضحًا لكل من يبصر أن الاستهداف الأميركي والاسرائيلي والروسي قائم على تمزيق الوحدة الوطنية في كل بلد عربي، وعلى تقسيم فعلي لهذه البلدان، وعلى اعتبار هذا الوطن بثرواته وحضارته وتاريخه مشاعًا لهم. هذا الاستهداف الواضح، نجده في البرامج والخطط المنفذة كما جرى في العراق، وليبيا، وكما يجري في سورية الآن، وكما يعمل على انجازه في مصر والجزائر والمغرب، وغيرها من الأقاليم العربية، وكذلك نجد هذا الاستهداف في تصريحات وزراء خارجية هذه الدول ومندوبيها الرسميين. وما يجب الانتباه إليه ونحن نعايش ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة، أن تلك الدولة التي ولدت بإرادة شعبية صافية، لا تشوبها شائبة، وفصمت بانقلاب عسكري مأجور لا تشوب دوافعه ولا مموليه اي شائبة، مثلت الفرصة التاريخية لهذه الأمة لتخرج من حالة الانقسام والتشتت والضعف إلى حالة الوحدة والقوة والبناء” وأضاف الصيادي ” مخزي إلى أقصى حد الحديث عن أخطاء في نظام الوحدة حتى نبرر جريمة تدمير هذه التجربة، خصوصًا وأن الأطراف التي دفعت لارتكاب الجريمة اعترفت بدورها وبما قامت بالتفصيل وبالأرقام وبالتواريخ، نحن في ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة ، لا نريد الحديث عن وجود أو عدم وجود أخطاء، فهذا حديث له معنى حينما يكون الجميع في ركب واحد يريدون أن يبنوا مجددًا دولتهم الواحدة، عندها يكون لمثل هذا الحديث معنى، وقد يكون مهمًا إلى أقصى حد أن نثبت حقيقة إن الوحدة لم تفصم لأخطاء وقع فيها نظام الوحدة، وإنما فصمت لأن دولة الوحدة كحركة تاريخية وشعبية يمثل استمرارها تهديدًا لمشاريع قوى الغرب الاستعماري، والذي يراجع محاضر محادثات الوحدة الثلاثية التي عقدت جلساتها في القاهرة عقب انقلابي العراق وسورية، يدرك أن كل الحوار انصب على تقييم ما كان، وعلى تحديد ما نريد له أن يكون، يجب أن نعترف أنه حينما اختفت الوحدة من برامج عملنا الحقيقية، وحينما سيطرت القوى الرجعية، والقوى الطائفية وقوى الاستبداد السياسي، ضاع كل شيء: ضاعت الثروات، وضاعت الحريات، وضاع الوطن، وضاعت فلسطين، وضاعت البلاد العربية بلدًا إثر بلد، وصار القتل والدمار والتهجير السمة التي تطبع حياتنا العربية دون استثناء.” ثم نوه أيضًا أنه ” في ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة، تظهر الوحدة فكرًا، وعملًا، وبرامج، سفينة نجاة مما نحن فيه، لأنها وحدها التي تقود وتسير في الاتجاه آخر، اتجاه نقيض لما تقوم به الآن قوى الاستبداد والقتل والفساد
والهوان في أوطاننا، وهي القوى التابعة والمنفذة لأهداف وغايات قوى الاستكبار والعتو في العالم. الوحدة طريق تحرير فلسطين، وهي طريق التنمية والتقدم، كانت وستبقى سفينة النجاة، لا سفينة غيرها، وسنبقى في حالة من التمزق والضياع والوهن ما لم نعود إلى هذه السفينة فنركبها طلبًا للخلاص”.
أما الباحث اللبناني فضيل حمود فيشير إلى أنه ” لم تعد قضية الوحدة العربية كهدف سياسي أولوية لا للشعب السوري ولا لغيره، على الأقل منذ تفجر ثوراته الشعبية عام ٢٠١١. أنظمة الاستبداد العربي وعلى رأسها التي رفعت زورًا شعارات الوحدة والقومية بالإضافة للمقاومة والممانعة، أفرغت لا بل ضربت مضمونها بشكل تدريجي، منذ أوائل السبعينيات؛ في مقدمتهم بالتأكيد نظام الاجرام العائلي الطائفي البعثي الأسدي. حتى القوى السياسية القومية بكافة مسمياتها الحاملة لقضية الوحدة، وقفت وتقف في أكثريتها ضد انتفاضات شعوبنا للحرية والكرامة والعدالة، مع أنظمة الاستبداد والعمالة أيضًا، التي جلبت الغزاة الفرس الجدد والروس وغيرهم.”. ثم قال بكل وضوح ” ثورة شعبنا السوري فضحتهم وعرتهم جميعًا. بالرغم من كل ذلك، وما نمر به مرحليًا سوريًا وعربيًا من احتلالات مباشرة أو بالوكالة، من مشاريع تفتيتية تقسيمية تهدد أوطاننا وحتى وجودنا، وبروز كل أمراضنا الاجتماعية على السطح، لا خوف أكاد أجزم على عروبتنا كهوية وانتماء ثقافي ومجتمعي. نحن في تحول تاريخي عميق بدأ عام ٢٠١١، سيأخذ مداه زمنيًا. شعوبنا العربية وفي طليعتها السورية، بفطرتها وحسها وتجاربها تعمل وتكافح وتدرك أن الأولوية هي إسقاط أنظمة الاستبداد والاجرام، هي الحرية والمساواة والعدالة في دولة وطن/مواطن ومدنية ديمقراطية مستقرة ومنجزة. هذه الدولة مقدمة وضرورة موضوعية لأي تعاون حقيقي واتحاد عربي متدرج سيفرض ذاته على الأقل مصلحيًا. الشام كانت وستبقى قلب العروبة النابض، مصر ستعود إلى دورها الطبيعي والتاريخي كرافعة للعروبة ونهوضها، ومخطئ برأيي من يعتقد العكس.”
الكاتب السوري عبد الرحيم خليفة قال لجيرون ” لنعترف بأن قضية الوحدة العربية لم تعد هاجسًا أو مطلبًا اجتماعيًا، وذلك مرده لأسباب عديدة مرتبطة بتطورات الثورة السورية والشعور بالخذلان والخيبة من الشقيق قبل الصديق. معظم القوى الاجتماعية والسياسية (العتيقة) تتضمن برامجها هدف الوحدة والسعي لتحقيقها والتضحية لأجلها وبعض القوى قام ونشأ على فكرة الوحدة والرد على الانفصال، لكن لا أعتقد اليوم أن الوحدة لها أي حضور مجتمعي في مقابل تمسك شديد بالهوية الثقافية الجامعة (العروبة)، نلاحظه بالرد، والصراع مع، هويات قديمة، دون وطنية، منبعثة وتهدد اللحمة المجتمعية”. ثم انتهى إلى القول ” الشعوب تتغير وتخضع لعمليات تبدل بفعل عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية والسوريون اليوم معذورون ولهم كل الحق في تبدل أولوياتهم وتغير مزاجهم، وقناعتي بأن السوريون الذين عرفوا بالدفاع عن الوحدة سيبقون متمسكون بهويتهم وثقافتهم الجامعة وسيدافعون عن العروبة كما دافعوا عن الوحدة.”.
المصدر: جيرون