رامي القليوبي
مع توجه أغلب الأحزاب والحركات المعارضة “غير النظامية” الروسية إلى مقاطعة الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي من شأنها تصفير عدد ولايات الرئيس فلاديمير بوتين، فإن الكرملين يستعد لإطلاق حملة دعائية، بهدف حشد المواطنين لإضفاء الشرعية على النتائج.
ويدعو المعارض الروسي إيليا ياشين إلى عدم المشاركة في التصويت، لأن نتيجة الاستفتاء حسمت مسبقاً. ويقول ياشين، لـ”العربي الجديد”: “هذا التصويت إجراء غير مشروع. إن القرار بشأن نتيجته قد اتخذ، ولذلك لا معنى للتصويت. إذا كان هناك من يريد التعبير عن احتجاجه بالتصويت بـ”لا” فهذا حقه، لكني شخصياً لن أشارك في التصويت، ولا أنصح الآخرين بذلك”. ومع بدء العد التنازلي للتصويت بين 25 يونيو/حزيران الحالي و1 يوليو/تموز المقبل، يبحث الكرملين عن كيفية رفع نسبة المشاركة لإضفاء الشرعية على نتائج الاستفتاء، مقابل توجه المعارضة إلى مقاطعته، في ظل قناعتها بأن التصويت الاحتجاجي بـ”لا” لن يغير شيئاً على أرض الواقع.
وأظهر أول استطلاع أجراه مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام، بعد تحديد موعد الاستفتاء، أن 67 في المائة من الروس يعتزمون المشاركة في التصويت، فيما يميل 61 في المائة ممن ينوون المشاركة للتصويت بـ”نعم” مقابل ميل 21 في المائة لرفض التعديلات. وفي هذا الإطار، يشير عميد كلية علم الاجتماع والعلوم السياسية بالجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية، ألكسندر شاتيلوف، إلى أن الكرملين يحتاج إلى مشاركة نحو ثلثي سكان البلاد في الاستفتاء، مع النسبة ذاتها للتصويت بـ”نعم” لإضفاء الشرعية على النتائج، مقللاً من فرص المعارضة في تعبئة النشاط الاحتجاجي في ظروف جائحة كورونا. ويقول شاتيلوف، لـ”العربي الجديد”: “من أجل إضفاء الشرعية على العملية، يجب أن يشارك فيها ما لا يقل عن نصف السكان. ومن الأفضل أن تكون نسبة المشاركة 60 أو 65 في المائة. كما ينبغي توفير التصويت بـ”نعم” عند مستوى لا يقل عن ثلثي الأصوات، أي نحو 66 و67 في المائة”.
وفي معرض تعليقه على نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، يضيف “يفيد مركز دراسة الرأي العام، وغيره من المراكز، بأن نحو 60 في المائة من السكان مستعدون للتصويت لصالح التعديلات، لكن هذا الرقم لا يشمل مفعول الحملة الدعائية النشيطة المرتقبة في الأيام الأخيرة قبل الاستفتاء، والتي ترفع نسبة التأييد ما بين 5 و10 في المائة إضافية في أغلب الأحيان. أعتقد أن السلطة ستتمكن من تحقيق النتائج المرجوة في حال خلقت أجواء التفاؤل الاجتماعي على خلفية انتهاء الحجر الصحي”.
ولعل من العوامل التي دفعت بالكرملين إلى تحديد 1 يوليو المقبل موعداً للاستفتاء، رغم عدم اليقين بتحقيق نصر كامل على فيروس كورونا بحلول هذا الوقت، مخاوف الرئاسة الروسية من استمرار تآكل شعبية بوتين، مع تجلي التداعيات الاقتصادية والاجتماعية متوسطة المدى للوباء. وبحسب أرقام مركز دراسة الرأي العام فإن نسبة استحسان أداء بوتين واصلت تراجعها من 65 إلى 62.3 في المائة خلال الأسبوع الأخير من مايو/أيار الماضي، ما يعد مؤشراً مقلقاً للكرملين الذي اعتاد التفاف السكان حول الرئيس ودعمه أثناء الأزمات السابقة.
ومع ذلك، يقلل شاتيلوف من قدرة المعارضة الروسية على الحشد للتصويت بـ”لا”، قائلاً “صحيح أن بعض السكان يعترضون على أداء السلطة في الأشهر الماضية، في ظل تبلور مشكلات اجتماعية واقتصادية جسيمة، لكن من جانب آخر، يصعب على المعارضة إيجاد براهين والاستشهاد بتجارب أفضل لإدارة أزمة كورونا، وسط انزلاق العالم أجمع إلى الفوضى بدرجات متفاوتة. وحتى الولايات المتحدة، التي تعد نموذجاً للديمقراطية تتكبد، نتيجة لتمدد الفيروس وأعمال الشغب والاضطرابات العنصرية، خسائر باتت تفوق خسائرها في الحرب العالمية الثانية”. ويعتبر أنه “سيصعب على المعارضة تعبئة النشاط الاحتجاجي للسكان، وسط الحالة التي باتت تسود العالم، بينما قد تتمكن السلطة من رفع نسبة استحسان أدائها بضع نقاط مئوية، في حال طرحت مبادرات اجتماعية إضافية عشية التصويت على التعديلات”.
وكان بوتين قد وقع، الاثنين الماضي، على مرسوم تحديد 1 يوليو المقبل موعداً للتصويت على التعديلات الدستورية التي من شأنها السماح له بالترشح لولايتين إضافيتين في 2024 و2030. ومع ذلك، يمكن للمواطنين البدء بالتصويت اعتباراً من 25 يونيو/حزيران الحالي، لمنع تكدس المصوتين في مراكز الاقتراع. كما قررت لجنة الانتخابات المركزية السماح بالتصويت الإلكتروني في موسكو ومقاطعة نيجني نوفغورود الواقعة شرقي العاصمة. وأكدت رئيسة لجنة الانتخابات إيلا بامفيلوفا، أخيراً، اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان سلامة المواطنين، بما فيها استقبال نحو ثمانية مصوتين فقط بمراكز الاقتراع كل ساعة، وتوفير وسائل الوقاية الشخصية لجميع أعضاء اللجان الانتخابية والمراقبين والمشاركين، وإخضاع أعضاء اللجان لاختبارات كورونا. وكان من المقرر أصلاً أن يجري الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 22 إبريل/نيسان الماضي، إلا أنه تم تأجيله وسط تفشي كورونا في البلاد وارتفاع عدد حالات الإصابة إلى نحو 450 ألفاً، بما فيها أكثر من 5500 وفاة حتى الآن.
المصدر: العربي الجديد