تستمر فصول الحرب الدائرة بين أجنحة النظام، على الرغم من انتهاء إحدى أخطر جولاتها لصالح الطرف الأقوى، عائلة الأسد، على حساب رجل الأعمال رامي مخلوف، الذي لا يبدو أنه استسلم تماماً، بل انتقل إلى مهاجمة الخواصر الرخوة في صف خصومه.
ولأنه لا يمكن أن يوجد خاصرة أضعف من مستشارة رئيس النظام، بثينة شعبان وعائلتها، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي داخل القصر الجمهوري، فقد لوحظ خلال الأسبوعين الماضيين تركيز هجومي شديد عليها من قبل العديد من الحسابات المجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي، نشرت معلومات وتفاصيل عن شعبان وزوجها وابنها، قليل منها كان صحيحاً وأغلبه كان مختلقاً أو مضخماً.
كان من الطبيعي أن تتلقف الحسابات الشهيرة للمعارضة على مواقع التواصل، وكذلك وسائل الإعلام التابعة لها هذه المعلومات باهتمام شديد، من دون الاهتمام بالبحث عن الجهة التي تقف خلف الترويج لها، في مشهد يذكر بقصة اللوحة التي قيل إن الأسد اشتراها لزوجته قبل أشهر، بمبلغ تجاوز الثلاثين مليون دولار.
ولأن هذا النوع من السلاح أثبت نجاعته، فقد جددت الجهة المهاجمة استخدامه. وما عزز الشكوك حول ارتباط هذه الجهة بمخلوف، هو كمّ المعلومات الواردة في ما تنشره عن بثينة شعبان وعائلتها، والتي رغم المبالغات فيها، إلا أنه لا يمكن إلا للمقربين جداً الاطلاع على الصحيح منها.
بدأت الحسابات المهاجمة هذه الجولة بالحديث عن ثروة نجل مستشارة الأسد رضا جواد الذي يقيم في العاصمة البريطانية لندن، وروجت لامتلاكه عشرين مليون دولار على الأقل، متسائلة عن مصدر هذه الثروة بالنسبة لشاب حديث التخرج لم يتجاوز الرابعة والعشرين من العمر. وبالطبع لم يكن هناك سوى القول إن ما يتنعم به الشاب وما يملكه من أعمال وشركات في بريطانيا ليس سوى أموال الشعب السوري التي استولت عليها بثينة شعبان بطرق غير مشروعة.
وبالإضافة إلى هذه الأرقام، نشرت الحسابات ذاتها صوراً قالت إنها لسيارات رضا جواد وأملاكه من العقارات في لندن وغيرها من المدن الأوربية، كما تحدثت عن أسهم بالملايين يملكها في سوق الأوراق المالية الأميركية، اعتماداً على صورة تجمعه بإحدى الموظفات المرموقات في هذه البورصة، في الوقت الذي كانت والدته تتحدث عن ضرورة صمود السوريين بوجه تفاقم الأزمة الاقتصادية وبلوغها حدوداً غير مسبوقة.
وبعد تجاهل استمر أكثر من أسبوع، سجّل رضا جوار أول رد على الحملة الإعلامية التي يتعرض لها هو وعائلته، وكتب على حسابه في موقع “فايسبوك” منشوراً مطولاً، فنّد فيه بعض المعلومات والصور المنسوبة إليه، وتحدث عن مسيرته “العصامية” في الدراسة بسوريا حتى مرحلة الثانوية، قبل أن يتوجه لبريطانيا التي درس فيها الرياضيات، وتمكن “مثل أي شاب” من الحصول على وظيفة.
الصور التي تظهر أسطول سيارات ومجموعة عقارات فخمة نسبت لابن مستشارة الرئيس لم تكن صحيحة بالفعل، وقد تمكنت “المدن” من معرفة أصحابها، وهما إبنا رجلي أعمال مقربين من عائلة الأسد، وتجمعهما علاقات صداقة مع أبناء بشرى الأسد، لكن لا يمكن في الوقت نفسه تصديق روايته العصامية، إذ لا يستطيع “أي شاب” سوري، كما قال جواد، أن يسافر إلى لندن من أجل دراسة الرياضيات، كما أن “أي شاب” لا يمكنه إيجاد وظيفة بشركة اقتصادية مرموقة في بريطانيا فور تخرجه.
يضيف نجل المستشارة في معرض الرد: “أقول لكل من تناولني على أساس أنني الفتى الذهبي، بإمكانكم سؤال كل من خالطني في مختلف مراحل حياتي، وسيؤكد لكم أني أعيش حياة طبيعية ولست مليونيراً ولا يوجد أي مليونير في عائلتنا.. وقد عدت إلى وطني ولأني وحيد فتم إعفائي من الخدمة الإلزامية”.
وإذا لم يكن قد سُجل على عائلة شعبان المولودة عام 1953، منذ أن فتحت لها أبواب القصر الجمهوري مطلع تسعينيات القرن الماضي، مظاهر بذخ أو ترف بعد، لكن نقطة سبب إعفاء ابنها من الخدمة العسكرية لا يمكن المرور عليها بهذه البساطة.
فإثارة هذه القضية ليست مجرد حشو لا معنى له لمجرد تعزيز نقاط الهجوم، بل كانت إضافة واعية تضرب على وتر شديد الحساسية بالنسبة لشعبان، المتزوجة من العراقي خليل جواد، والتي لم تستطع رغم كل ما بذلته من جهود أن تمنح أولادها الثلاثة، رضا وشقيقتيه، الجنسية السورية، بسبب وجود نص قانوني صريح يحرم الأم السورية من منح جنسيتها لأولادها من زوج أجنبي.
بطريقة أخرى، كان الهدف من إثارة هذه النقطة تذكير المستشارة بأن أولادها ليسوا سوريين، وهذه حلقة من سلسلة معطيات لطالما استخدمتها عائلات القصر الجمهوري العلوية، التي تحسد المرأة الفقيرة القادمة من قرية المسعودية الصغيرة التابعة لمنطقة جب الحراح في ريف حمص الشرقي، من أجل النيل منها، على الرغم من أنها علوية أيضاً، لكن ليس كل العلويين سواء بطبيعة الحال، وأن تدخل إلى القصر فهذا لا يعني أن تصبح جزءاً منه.
لم يكن انتماء بثينة شعبان الطبقي نقطة ضعفها الوحيدة، بل كان زواجها أيضاً سبب آخر في إضعاف حظوظها التي كانت يمكن أن تكون أفضل بكثير، على الأقل بالنظر لقربها من الأسد الأب والابن، إلا أن ذلك لم يعنِ بأي حال خلو وفاضها من شيء، إذ استطاع زوجها، المعارض الشيعي لصدام حسين والمقيم في دمشق منذ سبعينيات القرن العشرين، أن يحصل على وظيفة مدير عام المؤسسة العامة للصناعات الغذائية، وهي مؤسسة حكومية تعتبر إحدى أكبر شركات القطاع العام ميزانية، لكنها أكثرها خسارة وفساداً.
ورغم تسجيلها أرقاماً كارثية على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، إلا أن خليل جواد، زوج بثينة شعبان ظلّ على رأسها، كما استمرت هي بالصعود على سلم الترقيات، فعُينت مستشارة في وزارة الخارجية، ثم وزيرة للمغتربين عام 2003، قبل أن تستقر في منصب مستشارة الأسد منذ تلك السنة.
يُقال إن الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي كان شديد الاعجاب ب”مهارات” شعبان عيّنها مترجمته الخاصة بدءاً من مرحلة مفاوضات السلام مع اسرائيل عام 1994، وجرياً على عادته في منح “الأبدية الصغرى” لمن يحب، بعد حصوله على أبدية الرئاسة، فقد وعد الوافدة الجديدة للقصر بأن تكون شركة الصناعات الغذائية من نصيب زوجها للأبد، بينما يغمز آل مخلوف وقسم من آل الأسد أيضاً، أنه لولا العلاقة الخاصة التي تُثار حولها الأقاويل بين بثينة شعبان وبشار الأسد، منذ مرحلة تحضيره لوراثة أبيه، لما استمرت حظوتها ولما بقي زوجها العراقي إقطاعي هذه الشركة، التي لطالما سال لعاب الكثيرين من حاشية القصر عليها.
لم تكن نظافة كف شعبان هي سبب غياب روايات البذخ والترف عن عائلتها، بل الطبقية التي حكّمت عائلات معينة بالثروة والجاه. فمنذ دخولها إلى القصر قادمة من جامعة دمشق، فهمت شعبان التراتبية الطبقية التي يجب أن تحترمها، فأبعدت أسرتها عن الوسط المترف، وتجنبت إبداء أي مظاهر يمكن أن تُفهم أنها في إطار التنافس مع الأسر الذهبية في النظام، الأسد ومخلوف وشاليش، بل وكونها امرأة، أدركت أن عليها مضاعفة صرامة أسلوبها المدرسي المحافظ لتجنب ما يمكن أن يساء تفسيره من قبل نساء القصر، بما في ذلك منع أولادها من إقامة أي علاقات خاصة مع أبناء الطبقة الأولى، هذا النوع من العلاقات الدارج بقوة، وقد نجحت بتجنب هذه المشاكل إلى حد كبير، لكن لا يبدو أن ذلك النجاح سيكون كافياً لإبعادها عن سهام التصويب.
الفساد واستغلال المنصب في جمع ثروة معقولة بطرق غير شرعية ستكون السيف المسلط على رقبة بثينة شعبان وزوجها العراقي مدير شركة الصناعات الغذائية، الذي بات اليوم أكثر قوة، بحكم ارتباطه القديم والوثيق بإيران و”حزب الله”، بعد أن أصبح لهاتين القوتين حضور طاغٍ في المشهد السوري.
المصدر: المدن