عوّضت الليرة السورية جزءاً من الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها خلال الأسبوع الماضي، أمام العملات الأجنبية، وحققت تحسناً سريعاً في الأسواق المحلية، إذ هبط سعر الدولار الأمريكي مؤخراً إلى حدود الـ2000 ليرة، بعد أن تخطى في وقت سابق حاجز الـ3500 ليرة.
وأرجعت تقديرات اقتصادية التحسن السريع في أداء الليرة السورية، إلى عوامل عدة، منها ما هو مرتبط بالمضاربات، ومنها ما هو متعلق بالإجراءات الأمنية التي اتخذها النظام السوري بشكل عاجل، لوقف انهيار عملته المحلية، تزامن ذلك مع أنباء غير مؤكدة عن تحرك أطراف دولية وعربية لدعم الليرة السورية.
وفي تفسيره لأسباب تحسن أداء الليرة السورية الأخير، تحدث المستشار الاقتصادي في «مركز جسور للدراسات» خالد التركاوي، عن أسباب عدة في مقدمتها، المضاربات من المصرفيين، موضحاً أن «الطلب على الليرة السورية ازداد من تجار العملة، مع توقف انهيار الليرة».
وأضاف لـ»القدس العربي»، أنه «كذلك ساهمت الإجراءات التي اتخذها النظام السوري، وضغطه على الشركات وأصحاب رؤوس الأموال لضخ القطع الأجنبي في الأسواق المحلية، في تحسن قيمة الليرة السورية، نظراً لتوفر معروض القطع الأجنبي في الأسواق». وفي تعليقه على الأنباء التي راجت مؤخراً عن وصول دعم من أطراف حليفة للنظام (إيران)، وأطراف عربية (الإمارات)، إلى النظام السوري، قال التركاوي: «لم تخف قيادة الإمارات دعمها النظام السوري، وفي وقت سابق تم الإعلان عن اتصالات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد».
واستدرك: «لكن هل الإمارات اليوم قادرة على المخاطرة بإرسال كميات مفيدة من الدولار إلى النظام السوري، وهي ليست صاحبة القرار في هذا الاتجاه، حيث من الواضح أن الولايات المتحدة التي تستعد لبدء تطبيق قانون «قيصر» ستعارض ذلك، كما أن الإمارات لن تخاطر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، ولن تُعرض شركاتها للعقوبات».
وثمة سبب آخر، يُعرقل تقديم الإمارات الدعم المالي لنظام الأسد، يشرحه الخبير الاقتصادي السوري سمير طويل، بالإشارة إلى حالة الانكماش التي تعيشها الاقتصادات الخليجية، جراء انخفاض سعر النفط في الأسواق العالمية، إلى جانب تداعيات جائحة كورونا. وقال في حديثه لـ»القدس العربي»، إن الوضع الاقتصادي السائد، لا يساعد الدول الحليفة للنظام على مد يد العون له، مضيفاً أن «الإمارات دعمت النظام السوري اقتصادياً في وقت سابق، لكنها اليوم في ظل ما تعانيه اقتصادياً، وفي ظل عدم وجود اتفاق دولي على مصير الأسد بعد، ليس لها مصلحة في مواصلة تقديم الدعم».
وحول أسباب تحسن الليرة السورية، أشار طويل، إلى لجوء النظام السوري إلى الحرب النفسية، مشيراً في هذا السياق إلى الأنباء عن ملاحقة المضاربين، وكذلك إلى الصور التي ينشرها النظام السوري لعمليات ضخ الدولار الأمريكي في الأسواق المحلية.
وفي هذا السياق، نقلت وسائل إعلام موالية عن مدير العمليات المصرفية في مصرف سوريا المركزي، فؤاد علي، تأكيده أنه تم «ضرب معاقل السوق السوداء، من أجل التصدي للمضاربين على الليرة، وتحسين قيمتها أمام الدولار، في أول رد من قبل المصرف على الارتفاع القياسي لسعر الصرف». وأوضح أن «المصرف ضرب معاقل السوق السوداء التي تضم بعض الأشخاص والشركات، ومنها شركات حوالات تلاعبت بسعر الصرف، وخالفت أنظمة القطع».
ولا يعني كل ما سبق، أن التحسن في أداء الليرة السورية سيكون طويلاً، وفق طويل، الذي أوضح أن «التحسن الحالي في أداء الليرة هو تحسن غير حقيقي، حيث من الواضح أن هذا التحسن لا يدعمه تحسن المؤشرات الاقتصادية، بمعنى آخر لا زالت عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي متوقفة، ما يعني عدم القدرة على تصدير المواد بالقطع الأجنبي». وأضاف أن «كل ما يجري، هو عبارة عن طرح كميات من الدولار لتعويض حركة الطلب المتزايدة عليها في السوق المحلية».
ومؤيداً طويل في الرأي، أكد المستشار الاقتصادي، خالد التركاوي، أن الاتجاه العام للعملة السورية، هو اتجاه نحو الهبوط، هبوط بدأ منذ العام 2011، ولا يزال مستمراً، فقيمة الليرة السورية تتناقص تدريجياً. وأضاف أن كل ذلك يعني أن التحسن الحاصل في قيمة الليرة السورية، لن يدوم طويلاً، وهي متجهة تحو مزيد من الخسائر في الأشهر القليلة القادمة. يذكر أن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي كان بحدود الـ47 ليرة قبل اندلاع الثورة السورية.
المصدر: «القدس العربي»