ميشيل كيلو
تتضارب آراء من تابعوا قانون قيصر واجتهاداتهم، فمن قائل إن الهدف الوحيد للقانون معاقبة الشعب السوري، إلى قائل إنه (القانون) لن يترك أي أثر على السوريين. وفي الحالتين، تتم مناقشته من خارج رهانه الرئيسي الذي ليس اقتصاديا، بل هو محض سياسي، وإن استخدم وسائل وأدوات اقتصادية، لاعتقاد من أصدروه أنها كافية لتحقيق هدفهم السياسي: تطبيق القرار 2254 في الحل السياسي الذي وافق مجلس الأمن الدولي عليه بالإجماع، وأعلن الأسد قبوله، لكنه رفض تنفيذه والالتزام بجداوله الزمنية، ولو قبل بتنفيذه، لتحقق السلام منذ ثلاثة أعوام، ولما خسر السوريون مئات آلاف الأرواح، وعانت ملايينهم التهجير والتجويع، ويتحمل بشار الأسد وحده المسؤولية عن قتلهم وموت أطفالهم جوعا ومرضا. وكان حله الحربي قد غدا وهميا، والقرار الأممي كان يلزمه بوقف إطلاق نار مدته ستة أشهر، توصف بأنها جزء من عملية السلام يمنع انتهاكه لأي سبب، لكن الأسد انتهكه، واعتبره منعدم الصدور، لأن بنوده تخدم جميعها الشعب السوري، على العكس مما يدّعيه مناهضوه الذين يزعمون أنه يستهدف الشعب، كأن إطلاق سراح المعتقلين ضد مصلحة الشعب السوري، ومثله إيصال المساعدات الإنسانية إلى من يحتاجونها من دون قيود، بغض النظر عن أماكنهم ومواقفهم، أو رفع الحصار عن مناطق يعيش فيها ملايين السوريين، وكتب جيش الأسد على أسوارها: الجوع أو الركوع، أو وقف قصف المناطق المدنية بجميع أنواع الأسلحة، وخصوصا الكيميائية منها، أو تفتيش السجون بحثا عن مئات آلاف المفقودين أو إحالة القتلة إلى محاكم دولية … إلخ.
يتجاهل الذين يدّعون أن الشعب هو المستهدف بقانون قيصر هذه الحقائق التي لو طبقت لكان الأسد خارج السلطة اليوم. ويتجاهلون أيضا أن آلام الشعب لن تبدأ مع القانون الذي يستثني المواد الغذائية والطبية من عقوباته، ومناطق تضم سبعة ملايين سوري لا يخضعون للأسد، ويتجاهلون أخيرا ما تعرّض له الشعب الذي يدّعون الدفاع عنه من قصفٍ وتدميرٍ وتهجير واعتقال وتعفيش خلال الأعوام العشرة الماضية، في ظل “قانون بشار” الذي دمّر دولة سورية ومجتمعها، وكان من جديد مآثره إحراق مساحات شاسعة من حقول القمح في السويداء، ردا على مظاهراتها ضده، ومثلها في دير الزور، ونشر آلاف الحواجز المخابراتية والعسكرية في كل مكان من سورية، لنهب السوريين على الطالعة والنازلة، إلى جانب تحكيم الفاسدين والتافهين فيهم، بشهادة أبناء الساحل الذين اتهموهم في لقاء مع قناة الجزيرة بوضع سورية في جيوبهم بالفساد، ومصّ دمها. ومن يتأمل أسماء الأثرياء الجدد الذين اغتنوا، بعد تجويع ملايين المواطنين وتهجيرهم، يصاب بالذهول لكثرة عددهم، ولما يمتلكونه من ثرواتٍ بالشراكة مع أسرة الفساد الحاكمة، التي تعتبر الدولة مزرعة لها، والسوريين عبيدا يحق لها انتزاع لقمة الخبز من أفواه أطفالهم.
يتحمل الأسد وحده المسؤولية عن السنوات الخمس من الجوع والموت، والتي رفض خلالها تنفيذ قرار دولي أعلن قبوله ببيان رسمي. وسيتحمّل من الآن نتائج قانون قيصر الذي منحه مهلة ستة أشهر ينفذ خلالها قرار مجلس الأمن 2254، فلا يطبق القانون عليه، لكنه أهدرها لاعتقاده أنه سيتمكّن من احتواء آثاره، برميها اقتصاديا ومعيشيا على الشعب، وبجني عائدٍ سياسيٍّ منها عبر تقديم نفسه للسوريين مظلوما مثلهم، يستهدفه مدبّرو “المؤامرة الكونية” التي لا تستهدفه وحده، وتعرّضهم لعقوبات ظالمة لا يستحقونها. وبينما يتحامى به، يسير على نهج أبيه الذي أورثه سياسةً كان قد عبر عنها خلال سجال طالبه بإرخاء قبضته عن عنق الشعب، بقوله: إن نالوا الحرية ثاروا.. وأضاف: جوّع شعبك يتبعك، مستبدلا كلمة “كلبك” بكلمة “شعبك”.
المصدر: العربي الجديد