منجد الباشا
بدت مساهمة الاستاذ ابراهيم ملكي في مبادرة (معا في مواجهة خطاب الكراهية بين السوريين) التي أطلقها اللقاء الوطني الديمقراطي وكأنها منفصلة تماما عن واقع الشعب السوري وخاصة في العقد الاول من القرن الواحد والعشرين.
هذا العقد الذي شكل بالنسبة للسوريين ذروة في نمط وطبيعة حياتهم التي اتسمت بأثقال من القهر والاستعباد والاذلال والافساد والافقار، كل ذلك كان قد مورس عليهم وخاصة من عصابة آل الأسد العميلة، الامر الذي دفعهم الى تفجير ثورتهم العظيمة والتي لمّا تنتهي فصولها بعد.
ولعل ما يدفع الى الكتابة عن هذه المبادرة، ثورية الاستاذ ابراهيم ملكي المعهودة وانتمائه الى حزب الشعب الديمقراطي السوري المعروف تاريخيا بانحيازه للشعب وكذلك الفكرة المضللة التي تبثها هذه المبادرة والتي كانت بمثابة دس السم في العسل أو كمن يرتق جرحا لازال مجرثما رتقا تجميليا ويعلن شفائه.
من البديهي ان شعبنا الذي دفع اكبر ضريبة من القتل والتدمير والتهجير واعادة تشكيل في كيانيته الديموغرافية واستهدافه في وجوده.
ان يكون بحاجة الى خطاب وفضاء من المحبة والتسامح والغفران والتشارك والاعتراف بالآخر واحترام الحريات العامة والخاصة، لكن حاجته هذه لا يمكن ان تستقر وان يستقيم امرها الا بعد ان ينتزع انتصار ثورته وان يعيش لحظات انهزام جلاديه وان يشعرَ كلَ سوريٍ ان الضريبة التي دفعها في سبيل نيل حريته وكرامته لم تذهب هدراً ولم تزهق سدى.
والغرابة في الامر ان تأتي هذه المبادرة التي يكون حصيلتها بمثابة صك غفران وعفو عن الجلادين ومساواةٍ بين الجلاد والضحية من قبل نخب عُرفت تاريخيا انها تمثل الشعب السوري والثورة السورية.
اما عن المبادرة نفسها فقد جاءت نظرياً وكأنها تهدف الى تمرير رسائل ثلاث:
ونقتبس ما يلي:
الأولى .. ان خطاب الكراهية البغيض يخلق من التعايش المجتمعي حالة غير قابلة للاستمرار والاستقرار والمؤهلة دائما للانفجار والاقتتال، الامر الذي ينبغي تجاوزه وتخطيه.
الثانية.. الاشارة الخجولة لحالة الاستثمار في هذا الخطاب من قِبل نظام الاستبداد وكذلك القوى الاقصائية في المجتمع السوري كالقوى القومية والقوى الدينية المتطرفة.
أما الثالثة .. فتقول بالرد على هذا الخطاب بخطاب اخلاقي انساني يرفع من قيم العلم والفكر والعيش المشترك مُعززاً بثقافة السلم الأهلي والاعتراف بالآخر وبناء وعي وفكر متقدم لمفهوم المواطنة واشاعة ثقافة التنوع والتعدد والابتعاد عن خطاب المظلومية التي لحقت (بالجميع)
وذلك كله من خلال بوابة سياسية وقانونية ودستورية تُلزم السوريين كافة من اجل اعادة التلاقي في رحاب دولة المواطنة….
انتهى الاقتباس
اللافت هو ما لم تتوقف عنده هذه المبادرة وهو بيت القصيد أي البوابة السياسية التي تشير اليها والتي يقع على عاتقها اقامة دولة المواطنة والقانون والتي تشيد فضاء وخطاب التسامح والمحبة وتثبيت مرتكزات السلم الأهلي.
والسؤال المشروع هنا من هي الجهة او الفئة من الشعب السوري التي ستطلق هذه البوابة أو من هي الجهة التي ستمسك السلطة السياسية التي ستطلق هذه البوابة.
الم يُسحق الشعب السوري طوال العقود الماضية بسبب الخلل القاتل الذي كان يصيب هذه المعادلة وبفعل ان السُلطة السياسية كانت بيد جلاديه وعملائه ومستثمريه.
ألم تنطلق الثورة من اجل اعادة هذه السلطة الى اصحابها الشرعيين أي الى الشعب السوري.
وهنا يتضح لنا بجلاء ان المبادرة إنما تهدف الى ملاقاة خطاب التسوية التي سيفرضها ساسة النظام العالمي المتوحش والتي لن تكون السلطة السياسية فيها بيد ابناء هذا الشعب وإنما ستكون بيد من يدور في فلك هؤلاء الساسة المستثمرين ولنا في تجربة العراق خير دليل على ذلك.
إذاً لا يمكن الركون الى رسالة هذه المبادرة التي تنفي وجود طرفين في معادلة الصراع الأخيرة … جلاد وضحية ، ظالمٌ ومظلوم ، ثائرٌ ينبغي الانتصار لثورته ، وجلادٌ مستعبدٌ متآمرٌ وعميل.
وكذلك لا يمكن غض الطرف عن مؤامرةٍ مافياويةٍ تستهدف اقتلاع هذا الشعب من أرضه التاريخية وإعادة إرساء كيان جديد له تنفيذاً لرؤية الصهيونية العالمية في منطقتنا وترسيخاً لوجود الكيان الصهيوني وتأبيداً لاستمراريته.
ويستحيل كذلك تقزيم الاحداث والتضحيات ولوي حركة الواقع والتاريخ كرمى لعيون تجار الحروب وأسياد المافيات المالية العالمية.
وعندما نقرأ في المبادرة الجملة التالية.. (اعتقد أن خطاب الكراهية عمّق الجرح النازف في خاصرة السوريين بعد أن تعثر المشروع الوطني الذي يعيد بناء هوية وطنية حديثة ومركبة…. الخ)
عندها لا بد أن نتساءل، هل أن تعثر المشروع الوطني إنما كان مجرد تعثر أو اعاقةٍ عابرة وهل كان بفعل قصورٍ او عجزٍ في الأدوات والوسائل الذاتية التي حاولت بناء المشروع الوطني.
يقول ياسين الحافظ .. بالاتكاء الى ماركس:
“ان معرفة الواقع بأدق تفاصيله وبناء وعي مطابق لهذا الواقع هو المقدمة الأولى لتغييره”
فهل توصيف فشل المشروع الوطني بالتعثر يحمل من الدقة ما يستوجب ان يحملها مثقفٌ ثوريٌ منحاز للشعب والثورة.
ان انحياز حزب الشعب الديمقراطي السوري الى الشعب المكافح والثورة اليتيمة والعظيمة في آن، والذي يُعتبر الاستاذ ابراهيم ملكي أحد كوادره، يملي عليه أمانة المضي قدماً في الانحياز للثورة والشعب.
فالمشروع الوطني لم يكن ليتعثر وانما تم تدميره بشكل ممنهج واستراتيجي في كل مرحلة كان قد يستقيم فيها.
وجميعنا يذكر محطات كل من …. بُعيد الاستقلال …. والانقلابات العسكرية …. والوحدة المصرية السورية ….. وحرب السابع والستين ….. وحرب المقاومة الفلسطينية في لبنان وتدميرهما ….. و….و….و….
ثلاثة أرباع القرن وعملية التدمير المباشر وغير المباشر تستهدف هذا المشروع أرضا وكياناً وبشراً، وها هو اليوم يتعرض للضربة القاضية في كلٍ من سورية والعراق واليمن وليبيا ولبنان ايضاً ثم نختصر كل ذلك بكلمة (تعثر) أيُ تعثرٍ هذا؟؟
إننا كشعوب ضعيفة نتعرض لأكبر عملية ابادة ناعمة في التاريخ وأبشع عملية احتلال واستعمار حديث ايضاً.
فلا بد أن نقف الى جانب شعوبنا ونخوض معها غمار المقاومة والدفاع عن الحرية والكرامة وبناء كياناتها المستقلة والحرة لا أن نُزيّن لها الركوع ونُجمّل لها الاستعباد والاستثمار والإذلال.