منهل باريش
من غير المستبعد أن يلجأ النظام إلى سياسة فتح الباب لتنظيم “الدولة” في سلمية وتسهيل ارتكاب مجزرة في قراها الشرقية، على مبدأ اضرب الصغير يخاف الكبير.
العودة إلى “حضن الوطن أو داعش بانتظاركم”. عادت هذه العبارة إلى التداول من قبل شبيحة النظام وبعثييه في السويداء خلال المشادات الحاصلة هنا وهناك، المترافقة مع المظاهرات اليومية في مركز المحافظة الدرزية جنوب سوريا. وتكررت العبارة في مدينة سلمية شرقي حماة.
وتعرضت المنطقتان إلى اختبار بالسكاكين والرصاص الحي في هجوم سابق لتنظيم “الدولة الإسلامية”على أريافهما الشرقية، ما يجعل ذلك التخويف ليس مجرد كلام في الهواء، وإنما حقيقة قابلة للتنفيذ مع ازدياد نشاط التنظيم في البادية السورية المفتوحة على المنطقتين. ويؤكد ذلك النشاط إصدار التنظيم لشريط مصور لعملياته في نيسان (ابريل) في مناطق عدة في البادية السورية، حيث تنشط الخلايا الأمنية، وإعادة ضخ إعلامي كبير لمقاطع وصور متنوعة من إصدار “غزوة الاستنزاف” الذي بثه التنظيم في حزيران (يونيو) 2019.
ويسعى النظام إلى تكريس الفصل بين جمهور الثورة السورية والسويداء الدرزية وسلمية الإسماعيلية، وهو ما عمل عليه منذ اليوم الأول بالصاق صفة “الإخوانية” على الثورة و “العراعير” على نشطائها، ولاحقا إرهابيين وجبهة نصرة و”دواعش”.
بالطبع فإن المنطقتين أمام تحدٍ كبير للغاية، مرة أخرى، وخصوصا منطقة سلمية على اعتبار أنها منطقة صغيرة ومحاصرة، ولا إمكانية للمقاومة فيها والسلاح فيها محصور بيد ميليشيات مقربة من المخابرات الجوية، أسسها نائب مدير إدارة المخابرات الجوية، اللواء أديب سلامة، عندما كان رئيس فرع المخابرات الجوية في المنطقة الشمالية. وأشرف عليها أخوه مصيب سلامة، إضافة لميليشيا عضو مجلس الشعب فاضل وردة ابن رئيس المجلس الشيعي الإسماعيلي الأعلى في سوريا السابق.
سهل النظام عملية الهجوم على قرية المبعوجة في ريف حماة الشرقي في 31 آذار (مارس) 2015 وقتل داعش 46 شخصا بينهم أطفال دون سن الثالثة مع العمر، فيما قتل 6 عناصر من الدفاع الشعبي المحلي من أبناء القرية المختلطة التي يقطنها إسماعيليون وسنة.
خلال الأسابيع الأخيرة، شهدت منطقة شرقي سلمية تحركا كبيرا لعناصر “الدولة” في مثلث طهماز، والعلباوي، والشيخ هلال، شمل إعادة تجمع وهجمات متفرقة في منطقة طهماز.
وهاجم التنظيم قرية الروضة، وقتل ثلاثة عناصر من ميليشيا محلية في طهماز، يتزعمها طلال المدري، وجيه عشيرة الفنير وهي إحدى أفخاذ قبيلة الموالي. وسحب النظام الميليشيات المحلية من هذه القرى إلى الغرب باتجاه سلمية، حسب ما أفادت مصادر محلية في المنطقة لـ “القدس العربي”.
ومع انسحابات النظام الحالية أصبح تنظيم “الدولة” أكثر قدرة على الوصول إلى القرى المختلطة التي يسكنها البدو والإسماعيليون، خصوصا بعد سحب عناصر الميليشيات من القرى البدوية إلى الشرق التي طالما شكلت جدار حماية لريف سلمية الشرقي. إن عملية الانسحاب بحجة إعادة الانتشار هي السيناريو نفسه الذي كرره النظام سابقا في محيط المبعوجة عندما سحب حواجز اللجان الشعبية من شرق المبعوجة وسهل الطريق لدخول عناصر التنظيم إليها، وقام بالمذبحة الشهيرة في السويداء بعد انهيار منطقة درعا وفرض المصالحة باتفاق أمريكي روسي، حاول النظام إعادة فرض سيطرته على المحافظة المتروكة من خلال إعادة تجنيد أبنائها الدروز في جيش النظام. وأجرى النظام مفاوضات برعاية روسية مع رجال الكرامة، لكنها فشلت ولم يتم التوصل إلى اتفاق، وأصدرت حركة رجال الكرامة بيانا حذرت فيه من “أي اعتداء على أي شاب من شباب الجبل هو إعلان للحرب، التي كنا وما زلنا أهلاً لها”.
مع رفض خضوع المحافظة لسلطة النظام كما كانت قبل 2011 حاول النظام اخضاعها بالقوة من خلال فتح الباب أمام تنظيم “الدولة”. وتكرر مشهد سحب الحواجز الذي حصل في سلمية قبل سنوات، فشن التنظيم هجوما مزدوجا على مدينة السويداء وعلى ريفها من عدة محاور في تموز (يوليو) نتج عنها وقوع مذبحة في قرية الشبكي وخطف 30 مدنيا أغلبهم من النساء والأطفال والرجال. وبعد أسبوع على الهجوم، أخرج النظام سراً 500 مقاتل من جيش “خالد بن الوليد” المبايع لتنظيم “الدولة” الإسلامية إلى بادية السويداء.
وتوصل النظام برعاية روسية إلى اتفاق على إجلاء تنظيم “الدولة” من مخيم اليرموك، ونقل النظام 1600 من مقاتلي التنظيم وعوائلهم إلى البادية في أيار (مايو) قبل ثلاثة أشهر من الهجوم على السويداء أيضا.
وشكلت العملية حجة للنظام لتعزيز وجوده العسكري في المحافظة، إذ دفع بقوات من الفرقة الأولى المدرعة والفرقة العاشرة والفرقة الحادية عشرة، وعدد من الميليشيات الرديفة بهدف طرد التنظيم من الريف الشرقي. وأدت العملية إلى إعاقة المفاوضات مع التنظيم، ومع رفض الدروز الانصياع للنظام لم يتوان التنظيم عن قتل شابا عمره 19عاما من المختطفين ذبحاً. في النهاية أعلن النظام تحرير مختطفي السويداء بعملية نوعية من دون الإفصاح عن تفاصيلها، واحتفى النظام رسميا بتحرير المختطفين.
اليوم، ومع اشتعال جذوة الاحتجاجات في السويداء، تعتبر “ورقة داعش” من أكثر الأوراق استحضاراً في حال فشل النظام بقمع الحركة بالطرق القمعية المعتادة من اعتقال وملاحقة للنشطاء ومضايقات الشبيحة. وتدعم الحركة الاحتجاجية الصغيرة في حلب ودمشق مع اختلاف حجمها ومطالبها، الحراك في السويداء.
وينظر النظام بحذر شديد إلى انتفاضة السويداء ويخشى من التواصل بينها وبين مدن درعا التي تعيش حالة غليان دائمة رغم مرور عامين على المصالحة. ولإخماد نار الاحتجاجات، يفضل النظام استخدام “ورقة داعش” على القمع الأمني الواسع، كون الحل الأمني سيزيد من ضراوة المواجهة وسيكون مكلفا لأنه سيحرض على استعادة العلاقة بين المحافظتين درعا والسويداء.
ومن غير المستبعد أن يلجأ النظام إلى سياسة فتح الباب لتنظيم “الدولة” في سلمية وتسهيل ارتكاب مجزرة في قراها الشرقية، على “مبدأ اضرب الصغير يخاف الكبير” ويكسب النظام من هذا الهجوم على عدة جهات، فيقطع الطريق على حركة احتجاجية محتملة الوصول إلى سلمية كونها من تمردت باكرا في 2011 ضد النظام. وهي من أكثر المدن السورية فقرا بسبب إهمال النظام المتعمد لها، وجعل سلمية عبرة لكل الأقليات حتى لا تفكر بإعلاء صوتها حول المسألة الاقتصادية وتداعيات انهيار الليرة السورية.
ومع فرض قانون قيصر والعقوبات الأمريكية على النظام، فمن المفيد له التذكير بـ “خطر داعش” والتذكير بأنه نظام يحمي الأقليات المهددة في الشرق الأوسط.
كل ذلك، يرجح اننا سنشهد إعادة استخدام النظام لـ “ورقة داعش” قريبا، في سلمية أو السويداء.
المصدر: القدس العربي