أمين العاصي
مع دخول “قانون قيصر” الأميركي، الذي يهدف إلى عزل النظام السوري ومحاصرته اقتصادياً، حيّز التطبيق منذ أيام، برزت إلى الواجهة تساؤلات عن طبيعة العلاقة التي ستربط النظام والإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر من خلال “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) على المنطقة الأغنى بالثروات في سورية، والتي يعتمد النظام عليها في النفط والقمح والقطن ومحاصيل استراتيجية أخرى. وبات من الواضح أن تداعيات “قانون قيصر” لن تبقى حبيسة المناطق التي يسيطر عليها النظام، في ظلّ تداخلٍ اقتصادي كبير بين مختلف مناطق سورية، ولا سيما بين منطقة شرق الفرات ومناطق النظام، الذي من المرجح أن يلجأ إلى التحايل على القانون من خلال عمليات تهريبٍ للنفط والسلع الغذائية اعتماداً على وسطاء. ولطالما لجأ النظام إلى هذه السياسة، لسدّ حاجات مناطقه منذ عام 2014، الذي شهد سيطرة تنظيم “داعش” على قسم كبير من المنطقة الشرقية في سورية، التي يُنظر إليها على أنها “سورية المفيدة”، وآلت بعد هزيمة التنظيم إلى “قسد”، المدعومة من التحالف الدولي.
واستثنت الولايات المتحدة المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، والتي يهيمن عليها الأكراد، من عقوبات “قيصر”، وفق ما أكد المبعوث الأميركي إلى مناطق شمال وشرق سورية، وليام روباك، الذي أشار أخيراً إلى أنه “سيكون هناك عمل وتنسيق مشترك في إطار برامج الدعم الأميركي”.
لكن الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، بيرفان خالد، أكدت من جهتها، أن “قانون قيصر ستكون له تداعيات على مناطق شمال وشرق سورية، لكونها جزءاً من سورية، وتتعامل بالعملة السورية”، داعية خلال اجتماع محلي إلى “اتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير لمواجهة هذه الأزمة”. كذلك طالبت “الإدارة الذاتية” بـ”مساندة التحالف الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة، للإدارة الذاتية لمواجهة تداعيات سابقة لتطبيق قانون قيصر، لجهة تدني قيمة العملة السورية مقابل القطع الأجنبي وارتفاع الأسعار”.
وقال أنور مسلم، الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي، أبرز أحزاب الإدارة الذاتية، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه “سيكون هناك تأثير لقانون قيصر في مناطق هذه الإدارة، لكوننا جزءاً من سورية”، مشيراً إلى أن الإدارة “تخطط لتخفيف التبعات السلبية للقانون”، وفق قوله. وشاطر مسلم الرأي سلمان بارودو، الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية شمال شرقي سورية، إذ قال في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن “شمال شرقي سورية جزء أساسي من سورية، وما زلنا نتعامل بالليرة السورية، وهناك تصدير واستيراد بيننا وبين مناطق النظام”. وأضاف أنه “على الرغم من أن الإدارة الأميركية صرحت بأنها تستثني منطقة الإدارة الذاتية من تطبيق القانون، إلا أنّ من المؤكد أنه سيكون له تأثير بالشمال الشرقي من سورية”.
وتعتمد الإدارة الذاتية الكردية على بيع النفط للنظام السوري، إضافة إلى محاصيل زراعية استراتيجية مثل القمح والقطن، وتعد منطقة شرق نهر الفرات أغنى المناطق السورية بالثروتين النفطية والزراعية. وبسبب وجود مصفاتي نفط وحيدتين في البلاد (بانياس وحمص)، تضطر “قسد” إلى بيع النفط للنظام ليعاد تكريره في هاتين المصفاتين. ونصّ “قانون قيصر”، الذي دخل حيّز التطبيق الأربعاء الماضي، على أن “أي قرار يتبناه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يقضي بفرض عقوبات في ما يتعلق بتعمد البيع لسورية أو تزويدها بنفط خام أو مكثفات، أو منتجات نفطية مكررة، أو غاز طبيعي مسال، أو منتجات بتروكيميائية بقيمة سوقية تبلغ 500 ألف دولار أو يزيد، أو تلك التي تصل قيمتها السوقية الإجمالية إلى مليوني دولار أو يزيد خلال 12 شهراً”.
واستبقت الإدارة الذاتية الكردية تطبيق القانون، بمنع تصدير أو إخراج مادة القمح خارج حدود مناطق سيطرتها في سورية، متوعدة في بيان لها مطلع شهر يونيو/ حزيران الحالي، المخالفين بالمساءلة القانونية. وأكدت مصادر في الإدارة الذاتية، لـ”العربي الجديد”، أن هناك تعليمات مشددة بمنع وصول القمح إلى منطقة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، على الرغم من أنها تحت سيطرة “قسد”، للحيلولة دون تهريب هذه المادة الرئيسية إلى مناطق سيطرة النظام.
ويعتمد النظام السوري على عدد من الوسطاء، في مقدمتهم “مجموعة القاطرجي”، في استجرار النفط والقمح من مناطق “قسد” إلى مناطقه، لذا من المرجح أن يلجأ إلى “التحايل” على القانون الأميركي من خلال عمليات تهريب واسعة النطاق، خصوصاً أن الحدود الجغرافية بين مناطقه ومناطق سيطرة “قسد” طويلة، ويصعب بمكان ضبطها. وأكدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن مجموعة القاطرجي بدأت تتحرك بالفعل من أجل الالتفات على “قانون قيصر”، من خلال تهريب النفط والقمح والشعير من منطقة شرق نهر الفرات إلى مناطق النظام.
ويسعى النظام وداعموه الروس إلى تخفيف تداعيات “قانون قيصر” من خلال فتح الطريق الدولي “إم 4” شرق نهر الفرات، الذي يربط بين محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية ومحافظة حلب في شمال البلاد، حيث يُعَدّ هذا الطريق شرياناً اقتصادياً مهماً للتبادل التجاري بين المناطق السورية. ويعتمد النظام على طرق تهريب من مناطق “قسد” إلى مناطقه في شرقي سورية، حيث يهرّب أشخاص كميات من النفط عبر نهر الفرات في ريف دير الزور الشرقي. لكن من المرجح أن تتشدد “قسد” في قمع هذه العمليات مع بدء تطبيق “قانون قيصر”.
وترتبط مناطق “قسد” بمناطق النظام على طول أكثر من 250 كيلومتراً، بدءاً من الحدود السورية شرقاً، إلى آخر نقطة تسيطر عليها المليشيات الكردية غرباً ليس بعيداً عن مدينة الطبقة غربي الرقة، منها حدود برية وأخرى نهرية. ويفصل نهر الفرات ما بين مناطق “قسد” والنظام السوري غربي الطبقة، وصولاً إلى بلدة الخفسة في ريف حلب الشمالي الشرقي، بطول أكثر من 60 كيلومتراً. وفي غرب نهر الفرات، تتصل مناطق “قسد” بمناطق النظام في ريف مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، التي تسيطر عليها “قسد” وترتبط بمنطقة شرق الفرات من خلال جسر بلدة قره قوزاق. لذا، من المرجح أن يعتمد النظام على هذه الحدود البرية والنهرية في تهريب النفط والمحاصيل الزراعية من مناطق سيطرة “قسد” عبر الوسطاء الذين اعتمد عليهم في السابق.
ومن المستبعد أن تكون “قسد” طرفاً مباشراً في عمليات التهريب، كي لا تواجه غضب واشنطن التي تبدو أنها لن تتساهل في تطبيق هذا القانون الذي يهدف إلى عزل نظام بشار الأسد ومحاصرته، حتى يرضخ للإرادة الدولية التي تسعى إلى حلٍّ سياسي للقضية السورية، لا يزال النظام يرفضه.
المصدر: العربي الجديد