عقيل حسين
بحساسية شديدة تعامل وفد الشخصيات العلوية، الذي التقى بممثلين عن الحكومة الروسية في جنيف الاسبوع الماضي، مع نشر محضر جلسة اللقاء، ما يشير ربما إلى حساسية الملف والتوقيت.
ومنذ منتصف حزيران/يونيو، أطلقت موسكو برنامجاً لحوار أولي مع ممثلين عن أطياف المعارضة السورية، بهدف تحقيق اختراقة حقيقية في الجدار الصلب بين المعارضة والنظام، مع الفشل الواضح لمسارات التفاوض الجارية بينهما رسمياً، والتي تعبر عن إرادات وتكتيكات اقليمية ودولية، أكثر مما تعبر عن إرادة السوريين ومواقفهم الفعلية، حسب الكثير من المعارضين.
ورغم عدم وجود اختلافات واضحة بين النسخة التي سرّبت للإعلام لفحوى الجلسة بين الروس والشخصيات العلوية، والتي عقدت في جنيف، في 15 حزيران، وبين النسخة التي نشرها المتحدث باسم المجموعة العلوية، ابراهيم عيسى، إلا أن الطرف الأخير كان واضحاً في عدم تسامحه مع أي اختلافات يمكن أن توظف بشكل خاطئ أو تثير حساسية أي طرف.
وعليه، لجأ ممثلو الشخصيات العلوية المعارضة التي حضرت اللقاء الذي استمر ساعتين، مع سكرتير البعثة الروسية الدائمة إلى الأمم المتحدة في جنيف، إلى نشر نسختهم الخاصة والتي تضمنت أهم النقاط التي تم بحثها مع الجانب الروسي.
يستعرض محضر الاجتماع تاريخ سوريا الحديث وعملية تشكيلها كدولة غير مركزية، تحولت تحت حكم البعث، وخاصة مرحلة حافظ الأسد، إلى دولة محكومة من سلطة دكتاتورية استبدت بالسياسة والثروات والموارد، واستغلت فقر الطائفة العلوية وإهمال مناطق عيشها من أجل تجنيد شبابها في الجيش والأمن، واستقطاب عوائلها للعيش في أحزمة الفقر العشوائية حول دمشق من أجل حماية السلطة في أي مواجهة مع الشعب، وهو ما حصل مع الانتفاضة عام 2011 التي استجر مختلف أطرافها لنوع من التخندق الطائفي والقومي، حسب رأي الحضور.
المحضر أكد أن معالجة الواقع السوري يتطلب “توافق السوريين على عقد اجتماعي جديد، من خلال الحوار، على أن يُجسد ذلك في الدستور المستقبلي، وبشكل يلغي المظلوميات المفترضة من كل جانب، وفق مفهوم المواطنة دون أية محاصصة طائفية، مع قيام دولة لامركزية موحدة، ذات نظام ديموقراطي علماني يحقق إدارة جيدة للتنوع المناطقي والإثني والديني والتنمية المتوازنة بكل أنحاء الدولة”.
اللافت في اللقاء أن الشخصيات العلوية أكدت أن “المجتمع العلوي يفضل الوجود الروسي بمناطقه على الوجود الإيراني، بسبب نمط الحياة المتقارب مع الثقافة الروسية، على عكس الثقافة الإيرانية المنغلقة”، لكن هذه الشخصيات تحذر من “أن هذا الشعور بدأ بالإنحسار تدريجياً بسبب إحساس العلويين بأن التدخل الروسي جاء لمصلحة النظام أكثر من كونه لمصلحة السوريين والعلويين ضمناً، كون روسيا تأخذ موقفاً متحيزاً، فهي متحالفة مع النظام تماماً، ولذا فإن عدم قدرة النظام على الإصلاح، يهدد دور روسيا في سوريا، ويخاطر بوضعها العسكري في المستقبل”، ويضيف المحضر نقلاً عن الحضور العلوي أن التصريحات الروسية التي تشير إلى أنها لن تدعم رئيساً سنياً هي مثال على الخطاب غير المتوازن.
بالمقابل، فإن أهم النقاط التي أثارها ممثل الجانب الروسي في اللقاء، سيرغي ميتوشين، كان التأكيد على رواية موسكو الدائمة والتي تقول إن التدخل الروسي في سوريا جاء من أجل الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة، وأن موسكو تدرك مدى انخفاض قبول هذه المؤسسات شعبياً بسبب الفساد، ولذا فهي تعمل على مختلف مسارات الحوار بين المعارضة والنظام من أجل تجاوز الحالة المستعصية حالياً.
وحسب المحضر المنشور، فإن المندوب الروسي شدد على ضرورة “تمكين دولة قوية في سوريا، قادرة على إرساء سيادتها ضمن حدود القواعد والقانون الدولي، في مواجهة الفظاعة ومحاولات الغرب إملاء أجندته الخاصة على السوريين” وأن “روسيا تدعم المحادثات الدبلوماسية وعمل اللجنة الدستورية، كذلك ينظر الاتحاد الروسي إلى المحادثات في جنيف كمنبر للسوريين من أجل مناقشة المسائل الصعبة خارج الدستور، وإقرار الاعتراف المتبادل”.
لكن مرة أخرى، تلقي موسكو باللائمة على الغرب في تعطيل كل ما سبق، حين يؤكد مندوبها في اللقاء أن “القوى الغربية التي دعمت المسار الدستوري الذي كانت روسيا صامدة وراءه، وأكدت التزاماتها تجاه تدابير بناء الثقة، قامت بفرض عقوبات من جانب واحد على سوريا، أو رفضت المشاركة في بعض خطوات تخفيف العقوبات”.
بشكل عام كانت ردود فعل المعارضة ايجابية تجاه هذا اللقاء، مع تحفظات متوقعة حول الأساس الطائفي الذي جرى بناؤه عليه، بينما لم يستبعد البعض أن يكون هدف موسكو إعادة أحياء ما يعرف باسم “المجلس العلوي”.
ويعتقد الكثيرون أن هذا المجلس الذي كان جزءاً من اتفاقيات تشكيل الدولة السورية خلال فترة الانتداب الفرنسي، قد تم تقويضه على يد حافظ الأسد، والذي قام بتعيين بدلاً منه ضباط علويين عن كل عشيرة، لكن المعارض ورجل الاعمال فراس طلاس يؤكد ل”المدن”، أن “هذا المجلس لم يكن موجوداً عند تسلم الأسد الأب السلطة، بل انتهى بخروج فرنسا من سوريا منتصف القرن الماضي”.
ولم يبدو طلاس متحمساً لنتائج مهمة يمكن أن تثمر عن هذا اللقاء، على الرغم من “أن الشخصيات العلوية التي حضرته هي شخصيات محترمة ووطنية، لكن الفاعلية على الأرض وفي المجتمع العلوي اليوم هي بيد العسكر”.
ومع ذلك فإن راتب شعبو، وهو معارض للنظام من الوسط العلوي، يرى في حديث مع “المدن”، أن “لقاء الروس مع السوريين بوصفهم أبناء اقليات أو أكثريات مذهبية أمر يتعارض مع فكرة الوطنية””.
وأضاف “لا يوجد مجموعة مذهبية في سوريا لها ممثلين يتكلمون باسمها، حتى لو كان هناك افتراض أن الحديث عن جماعات مذهبية ككتل سياسية مبرر، إلا أنه غير مبرر من وجهة نظري، فنحن في سوريا اليوم بحاجة لمن يعلي الفكرة الوطنية لا لمن يهمشها وينخرها”.
حساسية مركبة يثيرها اللقاء مع الجانب الروسي بالنسبة لشخصيات علوية معارضة، ترى أنها ستثير حفيظة الوسط العلوي من جهة، وبقية المكونات، وفي مقدمتهم السنّة، من جهة أخرى، لذا فإنها كانت حريصة جداً على نشر المحضر الكامل للاجتماع الذي لا يستطيع أحد في النهاية تقدير حقيقة الهدف الروسي من عقده.
المصدر: المدن