ريان محمد
من جديد، أعاد النظام السوري، عبر ما يسميها بالـ”التسويات”، عصابة تأخذ من بلدة عريّقة في الريف الغربي من محافظة السويداء، جنوب سورية، مقراً لها، إلى ما يصفه بـ”حضن الوطن”، غاضاً البصر عن ارتكابهم عشرات الجرائم من خطف وتنكيل واغتصاب وقتل وسلب، مقابل تعهدهم له بعد ارتكاب مثل هذه الجرائم من جديد، الأمر الذي أثار سخطاً شعبياً في السويداء.
وكان مشهد التسوية مثيراً للسخرية بالنسبة لغالبية أهالي السويداء،بظهور عدد من ضباط وعناصر النظام من الأمن العسكري والفرقة 15، مع شخصيات من مجموعات مسلحة مرتبطة بالأمن وعدد من الأهالي، يحملون بضع بنادق حربية لا يتجاوز عددها الـ10 بنادق، إضافة إلى قاذف “أر بي جي” وبندقية صيد وبضعة صناديق ذخيرة لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة، في حين يعلم أهالي المنطقة والسويداء عامة، بحسب عدة شهادات محلية، أن العصابة كبيرة وتمتلك سيارات دفع رباعي وضعت عليها رشاشات متوسطة، ومضادات دروع ورشاشات وقناصات إضافة إلى بنادق حربية ومسدسات وقنابل يدوية، وغيرها.
وشملت التسوية 22 شخصاً من أصل 28، كان قد تم تداول أسمائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنهم مطلوبون للقضاء على خلفية ارتكاب جرائم خطف وسلب وقتل.
وبالرغم من التسوية التي تمت يوم أمس الخميس، والتي أشرف عليها فرع الأمن العسكري بالسويداء، إلا أن المدنيين في البلدة لا يزالون يشعرون بالخوف، بحسب مصدر محلي من أهالي البلدة، فضّل عدم الكشف عن هويته في حديثه مع “العربي الجديد”. وأشار المصدر إلى أن “هذه ليست التسوية الأولى التي يجريها النظام لعصابة متمرسة، ففي شهر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، أجرى الأمن العسكري تسوية لها، عبر فصيل محلي يتبع له، يسمى (حماة الديار) يقوده نزيه جربوع، فغالبية أفراد العصابة كانوا سابقاً إما ضمن هذا الفصيل وحصلوا على أسلحتهم من جهات أمنية، أو كانوا منضوين ضمن فصائل ولجان مرتبطة بجهات أمنية أخرى، تحولوا بعد توقف التمويل وتوقف خطوط التهريب باتجاه البادية ودرعا إلى الأعمال الإجرامية”.
وتابع المصدر نفسه أنه “عقب انتهاء مسرحية التسوية، خرجوا بسياراتهم في شوارع البلدة يطلقون النار بشكل كثيف”. وأضاف “بعيداً عن (الخردة) التي سلموها إلى الأمن العسكري على أنها أسلحتهم، واستنفار وسائل الإعلام العامة والخاصة وحتى بعض الصفحات الإعلامية الأمنية على وسائل التواصل الاجتماعي لنقل مجريات تلك التسوية، كان المشهد الأبشع كيف قام أفراد العصابة بتأدية (جوفية) ذات فحوى وطنية، وهو أحد أنواع الفلكلور الشعبي ويتمثل بغناء جماعي للرجال، حاملين العلم السوري المتعارف عليه من قبل النظام وصورة رئيسه بشار الأسد، وعقب انتهاء مسرحية التسوية، خرجوا بسياراتهم في شوارع البلدة يطلقون النار بشكل كثيف احتفالا بتلك التسوية”.
ولا يخفي المصدر ذاته الإحساس بالخذلان والخديعة من قبل النظام، فبعد أن أعلن عبر الأجهزة الأمنية في المحافظة أن هناك قرارا حاسما بتوقيف المتهمين بأعمال الخطف والقتل ومحاكمتهم، وجلب مئات من عناصره وآلياته الثقيلة ورفع سواتر وتحصينات وحواجز، ما جعل المدنيين يشعرون بأنهم تخلصوا من هذه العصابة التي أساءت لأبناء المحافظة وسمعتها الوطنية؛ مضيفاً بأنه “ما زالت عصابة عريقة تحتفظ بشخصين قامت بخطفهما مؤخراً، في حين أطلقت سراح مخطوفين آخرين قبل أيام مقابل مبلغ 18 مليون ليرة، إضافة إلى احتفاظها بالعديد من السيارات المسروقة”، مبيناً أن “عصابة عريقة تتعاون مع العديد من عصابات الخطف والسلب في محافظة درعا الواقعة على حدودها الغربية وفي السويداء، ومنها من كان يودع لديهم أشخاصا تم خطفهم بأماكن أخرى لتأمين حراستهم”.
وعلم “العربي الجديد” من مصادر مطلعة، أن اللجنة الأمنية في السويداء، وعبر الأمن العسكري، قدمت ضمانات للعصابة بعدم ملاحقتها أو توقيف عناصرها على الحواجز العسكرية، مقابل تعهد العصابة بأن تتوقف عن أعمال الخطف والقتل والسلب، وتسليم الأسلحة التي تم عرضها، أما أفراد العصابة الذين قُدمت بحقهم دعاوي شخصية على خلفية أعمال الخطف والسلب، فيمكنهم متابعتها عبر القضاء عن طريق توكيل محام، في حين تم استبعاد من بحقهم دعاوى شخصية بجرائم قتل من التسوية، دون أن تبين على من تقع مسؤولية إلقاء القبض عليهم وتقديمهم إلى القضاء، علما أن الأجهزة الأمنية جزء من الضابطة العدلية التي لن تتعرض لهم بعد اليوم بحسب الاتفاق.
من جهته، قال مصدر أمني، طلب عدم ذكر اسمه، إن “التسوية لعصابة عريقة، جاءت نتيجة وساطات من شخصيات سياسية واجتماعية محلية، تحت مبرر حقن الدماء، في حين تم الاتفاق على قبول انتشار الجيش والأجهزة الأمنية في المنطقة”، مبيناً أن “التسوية ستشمل العديد من المطلوبين خلال المرحلة المقبلة في البلدات المحيطة ببلدة عريقة”.
وأثارت تسوية النظام مع عصابة عريقة استياءً واسعاً بين أهالي السويداء. ويقول أبو مهند معروف (65 عاما)، وهو أحد أهالي المدينة، إن “النظام قَبِل إجراء التسوية وعودة المجرمين، الذين لم يتركوا عملاً مشيناً إلا وارتكبوه، من خطف واغتصاب وسلب؛ ما يزال يعتقل 7 ناشطين سلميين، كل ما فعلوه أنهم خرجوا إلى الشارع وعبروا عن رأيهم مؤخرا، وأضيفوا إلى العديد من الناشطين المغيبين قسرا في معتقلاته إلى اليوم”.
ويضيف في حديثه مع “العربي الجديد”: “قبل أسابيع وتحت شعار مكافحة العصابات، استخدم أحد الفصائل المسلحة، يتزعمه مهران عبيد، سلطته نتيجة ارتباطه بأجهزة الأمن ليقتل ويعتقل عددا من أبناء مدينة صلخد في ريف السويداء، وهنا لا نقول إن هؤلاء غير متهمين بجرائم خطف وقتل، لكن كما تبين لنا فيما بعد، أن الهدف الحقيقي تحييد هؤلاء عن طريق بعض المرتزقة الذين يعملون بتهريب المخدرات إلى الأردن بإشراف حزب الله اللبناني، فمن استخدموا كأدوات معروفون لدى الناس والنظام أنهم يعملون في تجارة المخدرات، وهؤلاء ليس لهم تسوية أيضاً، ما يؤكد أن التسوية إما أن تكون على مقاس الأجهزة الأمنية، أو مفروضة عليهم من قبل الروس كما حدث في درعا”.
واعتبر أن “الأجهزة الأمنية تشكل غطاء للمجرمين في السويداء، وقد سبق أن طالبت القوى الاجتماعية والسياسية في السويداء، بسحب البطاقات الأمنية من هؤلاء المجرمين، وإغلاق أبواب الجهات الأمنية بوجههم، والتوقف عن تشغيلهم وإعطائهم دور الوسيط ما بين المجتمع والدولة، على حساب ناشطي المجتمع المدني والمثقفين الذين غالباً ما يكونون ملاحقين أمنياً، وحتى على حساب المرجعيات الدينية والاجتماعية”.
يشار إلى أن السويداء شهدت في السنوات القليلة الماضية وقوع العديد من عمليات الخطف بقصد طلب الفدية والسلب والقتل، اتهمت بارتكابها مجموعات مسلحة محلية، مرتبطة بالأجهزة الأمنية، في حين نفت الأخيرة ذلك، مدعية أنها سحبت البطاقات الأمنية ممن كان يحملها وتورط في أعمال خارج القانون.
ويحاول النظام خلط الأوراق في المحافظة، بعد اندلاع احتجاجات فيها مطلع الشهر الماضي على خلفية تردي الأوضاع المعيشية، إلا أن المحتجين رفعوا شعارات ضد النظام ورئيسه ودعوا إلى سقوطه، ما جعل النظام يعتقل عددا من النشطاء الذين قادوا الحراك، ما أوقف الاحتجاجات لحين وضوح مصير المعتقلين.
المصدر: العربي الجديد