عدنان أحمد
مع تداول أخبار عن سماح أجهزة النظام السوري الأمنية بعودة بعض العائلات المهجرّة إلى مخيم اليرموك، جنوبي دمشق، بعد أكثر من عامين من سيطرة قوات النظام على المنطقة، تفيد المعلومات بأن العائلات التي سمح لها بالعودة غالبيتها تخص مقاتلين في مليشيات عسكرية موالية للنظام، سورية وفلسطينية.
وذكر موقع “صوت العاصمة” المحلي، أمس الخميس، أن الأفرع الأمنية أعطت الإذن لـ150 عائلة للعودة إلى المخيم، معظمها عوائل لعناصر من الأمن العسكري والفرقة الرابعة، ومقاتلين في فصيلي “الجبهة الشعبية- القيادة العامة” و”فتح الانتفاضة” وغيرها من الفصائل الفلسطينية التي قاتلت إلى جانب النظام.
يأتي ذلك بعدما بدأت محافظة دمشق مشروعاً لإعادة تمديد خطوط المياه والكهرباء إلى مخيم اليرموك، حيث وصلت الخطوط إلى الأحياء الواقعة خلف سينما النجوم في المخيم، من جهة حي التضامن، بحسب الموقع.
وكانت محافظة دمشق قد أعلنت في 25 يونيو/حزيران الماضي، تسلّمها المخطط التنظيمي لـ”منطقة اليرموك” من قبل الشركة العامة للدراسات الهندسية، بمراحله الثلاث. ويتضمّن المخطط إعادة تنظيم للمنطقة الأكثر تضرراً، إضافة إلى تأمين الخدمات للمناطق الأقل ضرراً بما يساهم بإعادة أكثر من 40 في المائة من الأهالي، حسب مدير التخطيط والتنظيم العمراني في المحافظة إبراهيم دياب.
وقد وافق مجلس المحافظة على إعلان المخطط التنظيمي التفصيلي رقم (105) لمنطقتي القابون واليرموك. ونشرت صحيفة “الوطن” السوريّة القريبة من النظام، ما سمته “المخطط البدائي”، ناقلةً عن رئيس مجلس المحافظة خالد الحرج قوله إن “المخططات مطروحة للمواطنين لمدّة 30 يوماً، لتقديم الاعتراضات من قبلهم، إذا وجدت”، مضيفاً أنه في حال وجدت اعتراضات “فإنّها تدرس من قبل اللجنة الفنية، ويتم مرة أخرى إعلان المخططات، ويتم كذلك تلقي الاعتراض النهائي ومن ثم تعرض على اللجنة الإقليمية التي تصدقها أو تعيدها إلى اللجنة الفنية”.
وقسم المخيم، البالغة مساحته 220 هكتاراً، وفق المخطط إلى 3 مناطق، الأولى صنفت على أنها عالية الأضرار وتبلغ مساحتها 93 هكتاراً، والثانية متوسطة الأضرار ومساحتها 48 هكتاراً، أمّا الثالثة فقد صنفت كخفيفة الأضرار ومساحتها 79 هكتاراً.
وأثار الإعلان عن المخطط التنظيمي البدائي موجة من التساؤلات عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وبعضها مقرّبة من النظام السوري، حول مصير ممتلكات 60 في المائة من سكّان المخيم، حيث إن المخطط سيتيح فقط إعادة أهالي المناطق الأقل ضرراً والبالغة نسبتهم 40 في المائة، وفق ما جاء في الإعلان.
من جهتها، رفضت لجنة المتابعة لتحالف القوى الفلسطينية، خلال اجتماع لها في دمشق، هذا المخطط، واعتبرت أنه ستكون له آثار سلبية على قضيّة اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة إلى فلسطين، في حين أشار الأمين العام المساعد لفصيل “الجبهة الشعبية-القيادة العامة”، “إلى جهود تبذل مع الجهات المسؤولة من أجل تذليل الصعوبات وتحقيق عودة أبناء مخيّم اليرموك إلى منازلهم”، وفق قوله.
مصير المخيم
وكان مخيّم اليرموك قد تعرّض لعمليات تدمير واسعة، جرّاء القصف الجوي والبري من قوات النظام السوري وحلفائه وبدعم جوّي روسي اعتباراً من إبريل/نيسان 2018، بحجة محاربة تنظيم “داعش”، ما تسبب في تدمير شامل للمخيم، دون دواع عسكرية، بحسب الناشطين، لتعقب ذلك حملات نهب و”تعفيش” لبيوت وممتلكات المخيم، ما زالت مستمرة حتى الآن.
وبين الفينة والأخرى، تثار قضية مصير مخيم اليرموك وعودة أهله إليه، والذين بات أكثر من نصفهم خارج سورية، بالتزامن مع تصريحات مبهمة تصدر عن بعض مسؤولي النظام السوري بشأن إعادة إعمار المخيم، وعودة الأهالي.
وفي الأيام الأخيرة، قالت وسائل إعلام مقرّبة من النظام، إنه بعد اجتماع ضمّ وزير الإدارة المحلية، حسين مخلوف، ومحافظ دمشق، عادل العلبي، والمدير العام لمؤسسة اللاجئين، علي مصطفى، بدأت اللجان الفنية المكلّفة من المحافظ بعملية مسح لبيوت المخيم، وقسم المخيم إلى 12 قاطعا، تشرف عليه لجنة من أجل تحديد البيوت الصالحة للسكن والتي بحاجة لترميم، وبعدها يتم العمل في البنية التحتية، ومن ثم تنظيم عودة الأهالي للمخيم.
وكان مخيم اليرموك يضم، بحسب التقديرات غير الرسمية، نحو 360 ألف فلسطيني قبل الثورة السورية، بينما تصنفه منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كمخيم غير رسمي، مشيرة إلى أن بداخله 144 ألف فلسطيني مسجلين لديها.
نزع صفة مخيم
وفي إطار سعي النظام لنزع صفة المخيم عن اليرموك، كان قد صدر قرار في وقت سابق بتشكيل دائرة خدمات خاصة ببلدية اليرموك تابعة لمحافظة دمشق حلت محل اللجنة المحلية لمخيم اليرموك، والتي هي كناية عن بلدية اليرموك.
وقبل هذا القرار، كان المخيم يُدار منذ عام 1964 بطريقة مستقلة إلى حد ما، وتتبع اللجنة المحلية التي تديره لوزارة الإدارة المحلية وليس لمحافظة دمشق، ويكون على رأسها عادة لاجئ فلسطيني من أبناء المخيم، وتدير شؤونه بالتعاون مع الإدارة المحلية ومع منظمة “أونروا”، والتي كان لديها الكثير من المشاريع والخدمات في المخيم.
وفي معرض إشارته إلى حالة الفوضى المتعمدة التي خلقتها سلطات النظام من خلال منع عودة الأهالي والسماح لآخرين من عناصر المليشيات وأقربائهم بالاستيلاء على بعض منازل أهالي المخيم، يقول عضو المكتب التنفيذي لقطاع الخدمات والمرافق ورئيس لجنة استلام منطقة اليرموك سمير الجزائرلي، إن “العديد من المواطنين سكنوا في منازل غير منازلهم، وإذا تم السماح للمواطنين بالعودة ستكون هناك مشكلة قانونية بالملكيات”.
ويضيف أنه يتم العمل على ترقيم العقارات القابلة للسكن وختمها ريثما يتقدم أصحاب العقارات بإثبات ملكيتهم فيتم تسليم العقار إليهم.
خطر ديموغرافي
وقال أحد سكان المخيم، الذي سيطر أحد عناصر المليشيات على منزله الواقع بالقرب من مدخل المخيم من جهة حي الزاهرة، وهو يقيم حالياً في بلد أوروبي، لـ”العربي الجديد”، إنه تواصل مع ذلك الشخص عن طريق أحد الجيران، فطلب منه العنصر أن يرسل إليه مالاً لترميم المنزل، وعند سؤاله عمن أعطاه الحق بالدخول إلى المنزل أصلاً، قال إن عليه أن يشكره لأنه قام بحماية المنزل.
والأخطر من ذلك، هي عمليات البيع الوهمية التي جرت للعديد من بيوت المخيم، حيث ترك كثير من الناس أوراق الملكية الخاصة بمنازلهم داخلها حين اضطروا للمغادرة على عجل تحت القصف والاشتباكات، فتم استخدام هذه الأوراق لبيع تلك المنازل.
كما يشمل حديث العودة مدينة الحجر الأسود، المجاورة للمخيم، والتي كانت تقطنها غالبية من أبناء محافظة القنيطرة النازحين من الجولان السوري المحتل، والذين ينظر إليهم النظام نظرة مشابهة للاجئين الفلسطينيين، من ناحية أنهم خطر ديموغرافي يستحسن إبعاده عن العاصمة دمشق، خاصة أن هذه المنطقة كانت من أولى المناطق التي شارك أبناؤها في التظاهرات المناوئة للنظام عام 2011.
ووفق موقع “صوت العاصمة”، فإنه تجري أيضاً إعادة تأهيل لطرقات الحجر الأسود، إذ تقوم المحافظة بتنظيف الشوارع وإزالة الأتربة، إضافة لإعادة حفر وإصلاح خطوط الصرف الصحي، عن طريق إعادة توصيل المنافذ الرئيسية، الواقعة في حي الزين، بالشبكة القديمة، على أن يتم بعد ذلك الضخ باتجاه عدرا، عبر أنابيب ومضخات جاهزة للاستعمال، وهي ذاتها التي استخدمها المقاتلون سابقاً للخروج باتجاه دمشق ومدن الغوطة، والتي لم تنجح بسبب معرفة النظام بالأمر فأغلقها بالكامل.
ومن المقرر أن يتم إيصال الكهرباء إلى مدن وأحياء جنوب دمشق، حيث تتم دراسة مشروع لمد الشبكات الهوائية من محطات القابون أو الزاهرة أو السيدة زينب إلى محطة الحجر الأسود، فيما زار وفد من المكلفين بمتابعة ملف التنسيق في منطقة الحجر الأسود المنطقة في وقت سابق، للاطلاع على أوضاع قاطنيها، بعد العديد من الشكاوى المقدمة ضد تجاوزات عناصر جيش النظام وأجهزته الأمنية، خاصة بشأن هدم المنازل واستخراج الحديد منها من قبل الفرقة الرابعة، وسوء الخدمات الأساسية، ولا سيما الصرف الصحي العائم في أحياء عدّة من المنطقة.
ووفق الموقع، فإنه تبين خلال معاينة اللجنة المكلّفة أن عمليات الهدم طاولت عدداً من المنازل السليمة التي لم تتعرض للقصف سابقاً، مشيراً إلى أن الاعتداء على الممتلكات طاول أبراج التوتر العالي الموجودة في المنطقة، والتي تم تفكيك أحدها بشكل كامل بهدف بيع المادة النحاسية فيه من جانب عناصر المليشيات.
المصدر: العربي الجديد