عماد كركص
يعود الاقتتال الفصائلي في مناطق النفوذ التركي، شمالي سورية وشرقها، ليؤرق المدنيين ويمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، مع مواجهتهم مخاطر متعددة في تلك المناطق، تبدأ بالتفجيرات والمفخخات التي حصدت وتحصد الكثير من الأرواح، مروراً بحوادث الخطف والقتل، وليس انتهاءً بالاقتتال الفصائلي. آخر تلك الحوادث، الاقتتالان اللذان نشبا في مدينتي رأس العين التابعة لمحافظة الحسكة، وتل أبيض بريف الرقة، شرقي سورية، وكلا المدينتين سيطر عليهما “الجيش الوطني” المعارض، الحليف لتركيا، خلال العملية العسكرية التركية التي شُنّت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد طرد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) منهما.
في السياق، شهد يوم الجمعة الماضي، اندلاع اشتباك عنيف بين عناصر يتبعون لفصيلي “الحمزات” من جهة، و”السلطان مراد” من جهة أخرى، واستخدم عناصر الفصيلين أسلحة خفيفة ومتوسطة خلال الاشتباك، الذي أشارت إليه مصادر على أنه اندلع على خلفية خلاف عشائري، فيما أفادت مصادر أخرى إن عناصر الفصيلين اشتبكوا بعد الخلاف على أحقية الاستحواذ على منزل يعود لأحد أهالي المنطقة. وقُتل مدنيَان خلال المواجهة، وفق مصادر محلية، فيما قتل أربعة عناصر من الفصيلين. وتسبب الاشتباك أيضاً بتوقف محطة كهرباء علوك عن العمل، التي تغذي كامل المنطقة بالتيار الكهربائي، بالإضافة للخسائر المادية التي لحقت بممتلكات المدنيين. وكشفت مصادر لـ”العربي الجديد”، أن الجيش التركي وفصائل من “الجيش الوطني” تدخلت لوضع حد للاشتباك.
ولم تمض ساعات على هدوء المواجهة في رأس العين، حتى اندلعت مواجهة أخرى في تل أبيض بين فصيلي “الجبهة الشامية” و”فيلق المجد”، على خلفية قيام الفصيل الأول بنصب حواجز داخل مناطق سيطرة الفصيل الثاني ضمن المدينة، وعلى الرغم من أن الأنباء الواردة من تل أبيض لم تشر إلى وقوع ضحايا بين المدنيين، إلا أن حالة من الذعر انتشرت بين أهالي المدينة خشية تمدد المواجهة.
ويؤرق الفلتان الأمني والوضع الأمني والمعيشي المدنيين في تلك المناطق، ويشير محمد، وهو اسم مستعار لناشط إعلامي من مدينة رأس العين فضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، إلى أن المدنيين يتوجسون بشكل كبير من هذا الحوادث، وهو ما يمنع الكثيرين منهم حتى من الرجوع إلى المنطقة بعد إبعاد “قسد” عنها، فالاقتتال يشعر الناس بعدم الأمان، لتيقنهم أن لا سلطة تنفيذية واحدة تأخذ على عاتقها ضبط الوضع الأمني، سواء بمكافحة مسألة المفخخات الخطيرة ووضع حد للصوصية بالإضافة إلى رد المظالم، بل على العكس، فإن الاقتتال الفصائلي بات يزيد من معاناتهم نتيجة وقوع مدنيين أبرياء جراء هذه المواجهات، ولا يزال الكثير من المدنيين يفضلون عدم العودة في ظل هذا الوضع الأمني السيئ.
وعن دور الجيش التركي في كل ذلك، يقول في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “الأتراك يتحمّلون جزءاً كبيراً من المسؤولية، فهم دعموا تشكيل الجيش الوطني والاتحاد بين الفصائل ضمن هذا الجيش، لكن هذه الفصائل حافظت على استقلالية كبيرة داخل الفيالق التابعة للجيش الوطني. وبالتالي فإن نفوذ قيادة الجيش على الفصائل ولا سيما القضاء العسكري والقيادة، ضعيف جداً ويكاد يكون صُوَرياً، وهذا ما نجده عند محاسبة المتجاوزين وحماية الكثيرين منهم من قبل قادة فصائلهم، ولا بد لتركيا من الضغط بشكل أكبر لتفعيل حالة الدمج الحقيقي بين الفصائل لتكوين جيش حقيقي”.
وعن ضعف دور النشاط المدني والمجتمعي داخل هذه المناطق، يلفت محمد إلى أن “هناك مبادرات لتحريك الجانب المدني من خلال المجالس المحلية وحتى الحكومة المؤقتة أدخلت بعض أذرعها المدنية إلى هناك، لكن لا يزال النشاط المدني خجولاً وفي مرتبة ثانية، نظراً لتوغل الوجود العسكري في مناطق المدنيين، ولا بد من ضبطه لتحقيق نشاط مدني فاعل”.
من جهته، يلفت مصدر عسكري من “الجيش الوطني”، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “هناك خطوات جدية وحازمة لضبط الوضع الأمني والعسكري في مناطق سيطرة الجيش الوطني، سواء في ريف حلب أو شرق الفرات، والتي ستأتي بنتائج جيدة خلال الشهرين المقبلين”، مشيراً إلى أن “من الصعب ضبط الوضع الأمني ووضع حد لتمادي الفصائل في فترة زمنية قصيرة من عمر الجيش الوطني، لا سيما أننا نعيش ضغوطاً داخلية وخارجية، ونمرّ بظروف استثنائية. وما نعمل عليه كحل مؤقت هو تحويل المتجاوزين إلى القضاء العسكري مهما كانت مكانتهم سواء قادة فصائل أو عناصر. كما نحضّر لإجراءات استراتيجية وطويلة المدى لضبط الفصائل وتنظيم الجيش الوطني”. ويشرح أن “إدارة التوجيه المعنوي ضمن الجيش الوطني كثّفت من نشاطها أخيراً لتوجيه الفصائل والعناصر بالتوعية على ضبط السلاح والتصرفات، في محاولة لوضع الجيش على الطريق الصحيح”.
وكانت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة قد أعلنت وبالتزامن مع العملية التركية، تشكيل لجنة عسكرية برئاسة معاون وزير الدفاع العقيد حسن حمادة، لمتابعة التجاوزات والمخالفات المرتكبة من قبل قادة الفصائل في “الجيش الوطني” خلال المعركة. وحققت اللجنة في الكثير من التجاوزات وأحالت مرتكبيها إلى القضاء، إلا أن دورها بدأ يتلاشى مع انتهاء العملية. وفي 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت تركيا بدء عمليتها العسكرية بالمشاركة مع “الجيش الوطني السوري” المدعوم من قبلها، بهدف طرد “قسد” من شرق الفرات، وتوقفت العملية في 17 من الشهر ذاته بعد السيطرة على مساحة 4400 كيلومتر مربع، بين مدينتي رأس العين بريف الحسكة وتل أبيض بريف الرقة.
المصدر: العربي الجديد