عبد الحفيظ الحافظ
وقف ابن العاشرة فاتحًا فاه أمام (الماكينة) الكبيرة المتسخة ممسكًا قطعة قماشٍ مبللة، وانهمك بالمسح. صرخ به رجلٌ يطلُّ من فتحةٍ في أعلى الآلية؛ محذرًا، وطالبًا منه الابتعاد، لكن الطفل كان يمسح الآلية بسرعةٍ وبنشاط. تأمله الرجل، وطلب منه مسح المصابيح الأمامية فحسب. فتح الطفل راحة كفه، فأمره الواقف فوق السطح المعدني الدائري الكبير بالابتعاد: – الله يخليك لأمكَ أعطني عشر ليرات. – قلتُ لكَ ابتعد. – أريد عشر ليرات لأشتري الخبز لأمي وأختي، الله يخليك. أخرج الرجلُ طلقةً من شريط رشاشٍ يعلو برج الدبابة، وقذفها للطفل: – خذها وبعها، واشتر بها الخبز. – لا أريدها، أعطني عشر ليراتٍ. الله يوفقك. هزَّ الرجلُ رأسه، وانحنى بجذعه الطويل من فوق البرج وقال: – ما عندي – اليوم لم أسترزق، لا أحد غيركَ في الشارع. قال الرجل وهو يلتفت حوله: – هيّا اصعد، لأريك ما بداخل هذه (السيارة)، ما رأيك؟ تسلق الطفل بصعوبةٍ سلاسل معدنية فرحًا، وفتح له الرجل غطاء كغطاء الطنجرة، وأنزله إلى جوفها، أصيب الطفل بالذهول من البطن الكبير لهذه الآلية، فرأى قطعًا كبواري المدفأة، ومنظارًا، ومدفعًا مغلقًا فمه بإحكام. في زحمة فرحته شعر بالبرد، وتذكر أمه، فتسلق البرج، وخرج منه فاتحًا راحة كفه على اتساعها صارخًا: – أريد أجرتي، أعطني – الله يخليك لأمك – عشر ليرات. أخرج الرجل (جواله) من جيبه: – خذه، بعه، اشتر خبزًا وبيضًا وكل ما تريد أمك. تردد الطفل، تأمل وجه الرجل، ناشده باكيًا: – يا عم. أعطني عشر ليرات، لا أريد الجوال. – قلتُ لك: خذْه وبعْه. أخذ الطفل الجوال، تأمله وهو يهبط بمساعدة الرجل سأل: – هل يصور؟ – هزَّ الرجل رأسه بالإيجاب، فقال الطفل: – صورني مع ماكينتك حتى تصدقني أمي. – وقف الرجل تحت المدفع الطويل، بعد أن تلفت كثيرًا، ووقف الطفل أمام الدبابة واضعًا قطعة القماش على رأسه. بعد أن صوره، توجه الى دبابة أخرى يجرب حظه معها. فأصابته طلقة قناص.