جهاد عدلة
جاءنا ابننا الصغير قبل أيام طالبا شراء جوال له، لأن رفيقه من أبناء الحي ذا السبع سنين، لديه جوال خاص به، محتجا علينا بأن من بلغ السبعة أعوام يجب أن يحمل جوالا.
الحقيقة آلمني أن يقول ابني، ذو الخمسة أعوام، هذا الكلام، لأنه يتضارب مع الرؤية التي أنشئه عليها، وهي الاهتمام بعظائم الأمور، لا أشكالها ولا سفاسفها، مع إدراك حقيقة أن الجوال، بشكل عام، صار من لوازم الحياة، وأمر مهم إذا ما استعمل بطريقة بناءة وذات منفعة متعدية.
الحقيقة المؤلمة أن ابن الجيران الصغير يحمل جوالا، من دون حاجة إليه، وشقيقه الذي يكبره ببضع سنين، يحمل جوالين، وهو إشارة واضحة إلى أن جارنا الكريم، والدهم، تقوده، في تنشئة أبنائه، عاطفة جامحة تزين له أن حب الأولاد والاعتناء بهم، يكمن في توفير احتياجاتهم، الكمالية منها والأساسية، بدون حدود.
أما أنا فأرى أن هذا الأسلوب في التعامل مع الأطفال تغيب عنه أسس التربية الصحيحة، وتقود الأولاد، بعد حين، إلى الإحساس بالعدمية، أو بغياب الهدف، ذلك أن كل ما يريده يوفره له والده، بدون أدنى جهد منه.
ما كان ابني ليفكر بهذه الطريقة لولا احتكاكه بأبناء الجيران، بعدما سمحت له بذلك أخيرا طلبا للاحتكاك بأطفال آخرين، والتقاط مهارات أخرى، وتنمية ملكة التواصل المجتمعي في حياتهم.
والآن أجدني أمام تحد حقيقي وهو إنفاذ رؤيتي التربوية لأولادي، والقاضية في أحد وجوهها، بأن لا يمكن أن يحصل ابني على حاجاته الثانوية، وأحيانا بعض حاجاته الأساسية، إلا بعد أن يحقق إنجازا يؤهله للحصول على ما يريد، وهذه الإنجازات موجودة ضمن قائمة منزلية مثل حفظ جزء كامل من القرآن، أو قراءة كتاب صغير بالنسبة لأختيه الكبيرتين، أو القيام بواجباته المنزلية ضمن عمل جماعي مع الوالدين، وهكذا، وهدفي من ذلك تكوين أولاد يتمتعون بحس المسؤولية، والإقدام، وحب العمل، والإيجابية، أقول أجدني أمام تحدٍّ في إنفاذ هذه الرؤية التربوية وسط محيط يبدو لي أن أولياء الأمور فيه ينحصر فهمهم للتربية في طعام وشراب ولباس فقط للأولاد.