جهاد عدلة
حينما بدأ أولادي بالنزول إلى الحي للعب مع أقرانهم، سريعا طرحوا أسئلة ظاهرها بسيط، لكن جوهرها معقد، وينطوي على ضمير حي عند الأطفال، ومحاكمة عقلية. قال الأولاد: ابن الجيران يكذب، فكيف هو مسلم ويكذب؟! سؤال معقدة جدا، وينشأ التعقيد من القدرة على تمرير إجابة مقنعة لمن هو في عمرهم بأن المسلمين دائرة كبيرة وموسعة وهي تضم الصالح والطالح، والمستقيم والمنحرف، والأمين والخائن، والصادق والكاذب.
وتمرير هذه الإجابة بطريقة تجيب فيها عن سؤالهم الاستنكاري، وتهذب ثائرة رفضهم، بما يناسب عقولهم، قد يكون صادما لعقول تصمم على أن الإسلام هو المثال الأعلى في الوجود، وأن المسلمين يجب أن يكونوا أهلا لهذا المثال، والأفضل بين البشر أخلاقا وعلما وعملا واستقامة، وأي تبرير لفعلة بعض أبناء الحي، بطريقة غير مقنعة، قد تهدم المثَل في عيونهم ووجدانهم، ويثير شكوكا حول كل شيء من حولهم.
الأمر المؤلم في مسألة التعامل مع الأطفال في مجتمعاتنا، هو غفلة الأهل تماما عن إرواء جانب الروح والنفس في أطفالهم، هذا العطش النفسي والروحي يتجسد في فنون الشتائم التي يتقاذفونها فيما بينهم، والألقاب التي يتنابذون بها، بطريقة مقززة.
كل هؤلاء الأولاد من رواد المساجد، لكن كسب جوارحهم، يؤكد أن الجزء المتعلق بالإسلام من تلقيهم عن آبائهم، شعائري بحت، خال من التهذيب بغايات الإسلام من أن يكون المرء مسلما، وبمقاصد بعض العبادات، فيكفي الأب حتى تطمئن نفسه، أن يرى أولاده يصلّون ويحفظون آيات القرآن، حفظ بصم لا فهم.
ولا أدري ما الإضافة التي سيقدمها أولياء الأمور في ساحة الإسلام الدامية، وهم يرون حفظة القرآن في ليبيا يستميتون دفاعا عن مجرم مثل خليفة حفتر، وآلافا من المصلين في سورية يشاهدون ما يحصل عندهم، من اجتماع فجار العالم ومجرميه على مسلمي بلادهم، ومنهم جيرانهم وأقرباؤهم، مشاهدة محايد لمباراة في المصارعة، ببلادة منقطعة النظير، وملايين أخرى من حفظة القرآن والعبّاد في مصر والسعودية يتمرغون في وحل الذل والعبودية لأولياء أمورهم!
ألا يرى الناس أن هذه الأمة صارت قبلة للعابثين، ومشاعا للمفسدين، ومكانا رحبا يفرغ فيه الحاقدون، من الأمم، أحقادهم في أجساد المسلمين وأرواحهم وأعراضهم؟!
ألا يرى الناس هذا الخراب الكبير في الأجيال، الذي أنتج لنا قطيعا من المتدينين بلا دين، وجيوشا من المتعلمين بلا علم؟!
ألم يقتنع الناس بعدُ، أن الحل بالعمل على التغيير من أسفل، بعد إخفاق كل محاولات التغيير من أعلى؟!
وهل هناك قاعدة يمكن بناؤها ورعايتها وتقويتها أكثر من الأطفال سعيا للخلاص من هذا التيه الذي نعيشه؟!