زيد سالم، عدنان عبد الرزاق، ريتا الجمّال
حلّت الدول العربية التي تعاني من حروب واضطرابات في صدارة البلدان الأكثر نهبا للمال العام في المنطقة، إذ تكونت فيها شبكات فساد التفّت حول الأنظمة، ما منحها تسهيلات كبيرة لسرقة المليارات واستنزاف أكبر قدر من ثروات تلك البلاد. وفي المقابل ازدادت معاناة شعوب تلك الدول وأصبحت على حافة المجاعة رغم امتلاك بلادها ثروات وإمكانيات هائلة.
وتخوض حكومات هذه الدول حربا واسعة لمكافحة الفساد في محاولة للحد من تداعيات هذا الملف المتشابك الذي تورط فيه مسؤولون كبار داخل الأنظمة أو من أنصارهم، إلا أن مراقبين يؤكدون أن هذه الحملات شكلية ولتجميل وجه هذه الحكومات التي تشارك في نهب المال العام. وفي هذا التحقيق نستعرض 3 نماذج عربية ضمن هذا الإطار، وهي سورية والعراق ولبنان.
سورية: فساد وتجويع
زاد ظهور رئيس مجلس الوزراء السابق بحكومة بشار الأسد، عماد خميس، أخيرا، يدلي بصوته الانتخابي، من خيبة السوريين، الذين عوّلوا على ما يسمى “حملة مكافحة الفساد” التي طاولت خميس بعد اتهامه باختلاس وتبديد مال عام مقدر بنحو 400 مليون دولار، حسب ما نشرت مواقع سورية.
وينقل الاقتصادي السوري، علي الشامي، نبض وخيبة السوريين بقوله: صراحة استبشر البعض خيراً منذ العام الماضي، وقت أصدرت وزارة المال بشهر يوليو/ تموز، قرار الحجز الاحتياطي على مسؤولين ومتنفذين، بينهم وزير التربية هزوان الوز، المقرب من أسماء الأخرس زوجة بشار الأسد، وتبعت ذلك القرار حجوزات على رجال أعمال ومقربين من الأسد وزوجته، كابن خاله رامي مخلوف وقريب أسماء طريف الأخرس وآخرين. لكن، حسب حديث الشامي لـ”العربي الجديد”، تأكد السوريون أن الحملة والحجوزات إنما صدرت لتسويق أسماء الأسد وقيادتها لحملة مكافحة الفساد، ولم تتطور الأمور والملاحقة إلا بحق رامي مخلوف، لكن السوريين يعلمون أن الخلاف أسري وسياسي والأموال التي ستسترد ستذهب لحساب أسرة الأسد”.
من جهته، يرى الاقتصادي السوري محمود حسين، أن “أساس الفساد بسورية هو نظام الأسد، الذي يعيش عليه، فكيف يمكن تصديق نظام نهب أموال السوريين وبدّد ثرواتهم أنه سيكافح الفساد؟”، ويلفت حسين خلال حديثه لـ”العربي الجديد”، إلى أن السؤال هنا: كيف انعكست الأموال المستردة على حياة السوريين؟ هل تم رفع الرواتب والأجور؟ هل استخدمت لتحسين سعر الصرف؟ هل تم استيراد سلع ومنتجات غذائية؟ وأكد أن عدد الفقراء ارتفع إلى أكثر من 90%، وتهاوت الليرة وتراجعت قدرة السوريين الشرائية. وأضاف: ربما هناك فساد منظّم يتعلق ببيع وتأجير ثروات السوريين عبر سماسرة وعمولات، وخاصة النفط والغاز لروسيا وإيران، وهو مرئي وموثق باتفاقات، وهناك فساد أصغر يتعلق ببيع حتى غذاء السوريين لحلفاء النظام. وكانت سورية قد احتلت، العام الماضي، المركز قبل الأخير في قائمة التقرير السنوي لمؤشرات “مدركات الفساد”، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية. وصنفت “منظمة الشفافية الدولية” في تقريرها السنوي، سورية في المرتبة 178 برصيد 13 نقطة، تلتها جنوب السودان والصومال في المرتبة الأخيرة، برصيد تسع نقاط.
العراق: وعود حكومية
وفي العراق، حمل رئيس الحكومة الحالي، مصطفى الكاظمي، ملف مكافحة الفساد ضمن وعوده التي أطلقها للمواطنين عموماً والمتظاهرين خاصة، ولا سيما أنه جاء نتيجة استقالة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، الذي شهدت فترته صعود المليشيات المسلحة إلى هرم السلطة وإدارة الدولة عبر الأحزاب الدينية المقربة من إيران، إلا أن مراقبين يؤكدون أن الكاظمي حاله كحال غيره، لن يتمكن من محاسبة الفاسدين. ولا توجد تقارير عراقية واضحة بشأن الأموال المهدورة منذ سنوات في البلاد، بسبب تشظي التصريحات وعدم اعتماد الحكومة على هيئة محددة تتكفل بهذا الملف.
ولكن تقارير دولية، منها ما صدر عن منظمة الشفافية، الشهر الماضي، أشار إلى أن العراق خسر أكثر من 300 مليار دولار بسبب الفساد خلال السنوات الماضية، مبيناً أن العراق من أكثر دول العالم فساداً. نائب في البرلمان العراقي ومقرب من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، قال إن الأخير لا يملك وقتا ولا أدوات لفتح كل ملفات الفساد كونه، بلا كتلة سياسية تحميه وحكومته مؤقتة لكنه عازم على تقليص حجم الفساد، حسب تصريحاته. وأضاف النائب في حديثه مع “العربي الجديد” شرط عدم ذكر اسمه، أن فتح هذه الملفات سيورط الكاظمي مع أحزاب وفصائل مسلحة ويمس شخصيات مهمة بالعملية السياسية، أبرزها نوري المالكي، لذلك هو يعمل على سد الثغرات التي تُمارس، منها عمليات الفساد المالي والسيطرة على مقدرات وموارد الدولة، عبر شنّ حملة واسعة وغير مسبوقة للسيطرة على المنافذ الحدودية البرية بين العراق وجيرانه من أجل تجفيف منابع نهب الأموال، لأن المنافذ تُعد شرياناً مالياً مهماً للأحزاب.
وكان البرلمان العراقي قد تعهد بإقرار حزمة تشريعات تتعلق بعمل هيئة النزاهة واسترداد أموال الدولة، إضافة إلى إيجاد حلول لمشكلة المشاريع الوهمية والمتعثرة، التي تشمل مدارس ومستشفيات وطرقا وغيرها، جاء ذلك خلال فترة اشتداد التظاهرات الشعبية التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قبل استقالة المهدي، إلا أن الواقع العراقي لم يشهد تطبيق أي من هذه القرارات. من جانبه، اعتبر عضو مجلس النواب علي البديري، أن هناك “خللاً في عمل البرلمان”. وقال البديري، لـ”العربي الجديد”، إن “ملفات الفساد هي الأكثر تعقيدا في العراق، ولعل التظاهرات التي خرج فيها الشباب في ساحة التحرير ببغداد ثم امتدت إلى كل محافظات وسط وجنوب البلاد كانت تطالب بمحاسبة الفاسدين الذين سرقوا العراق، لذلك تتهرب منها السلطات عبر الإعلانات والبيانات واللجان التحقيقية التي تشكلها، ولا تصدر أي قرارات عنها، وإذا صدرت فلا يتم تنفيذ أي منها، لأن القضاء العراقي مكبل بالهيمنة الحزبية والتأثيرات السياسية”.
ومع استمرار الفساد في الحكومات العراقية، تتصاعد نسب الفقر والجوع في البلاد، كما أن جائحة “كورونا” التي تأثر بها العراق كبقية البلدان، كانت قاسية على حياة المواطنين. الناشط المدني والمتظاهر في ساحة التحرير علي العبايجي، أكد لـ”العربي الجديد”، أن “الثقة انتهت بأي حكومة عراقية تتحدث عن ملفات الفساد، ولم تعد أي من الأوساط العراقية الشعبية والجماهيرية تترقب الخطابات إنما تترقب الأفعال”.
لبنان: خسائر كبيرة وفقر
يتحكّم الفساد في لبنان بجميع قطاعات المجتمع والمؤسسات الحكومية ويتفشّى بصورٍ مختلفةٍ، من الرشوة إلى المحسوبية والاختلاس وشراء الأصوات، ما وضعه عام 2019 في المرتبة 137 من أصل 180 دولة في العالم تبعاً لتصنيف مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.
يقول المدير التنفيذي لـ”الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية – لا فساد”، جوليان كورسون، لـ”العربي الجديد”، إن الجمعية تصدر سنوياً نتائج مؤشر مدركات الفساد في لبنان على نحو متزامن مع الفروع الأخرى في العالم، وللأسف فإنّ النتائج على الصعيد اللبناني سيئة جداً وتدلّ على أن موضوع مكافحة الفساد ليس أولوية على الرغم من المواقف والتصريحات السياسية والممارسات، لكن النتائج ليست على المستوى المطلوب في ظل الصعوبات التي تمرّ بها البلاد. وتربط “لا فساد” أسباب الفساد في لبنان بنقص الوعي، وعدم وجود مؤسسات لمكافحته، وضعف الإطار القانوني وغياب الآليات المناسبة للتنفيذ، بالإضافة إلى بنية الدولة في فترة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، التي أدت إلى صيغة تقاسم السلطة بين المجموعات السياسية والطائفية الناتجة عن تنافس هذه المجموعات على موارد الدولة.
وحسب “لا فساد”، فإنّ آثار الفساد هائلة تجعل العلاقة بين المواطنين والدولة هشة، فضلاً عن التكاليف الاجتماعية والاقتصادية، إذ يقول كورسون إنّ من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنقدية والمعيشية في لبنان بالشكل الذي نراه اليوم غياب الشفافية واستشراء الفساد.
ويشير كورسون إلى أنّ البنك الدولي يقدر كلفة الفساد وإهدار المال العام على الدولة اللبنانية بحوالي 5 مليارات دولار سنوياً، بغض النظر عن الخسائر غير المباشرة. وأعلن البنك الدولي عام 2019 أن لبنان وتبعاً لمؤشر الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، بات من الدول الخمسين الأكثر فساداً في العالم، معتبراً أن بإمكان الحكومة الجديدة أن تكسب المصداقية من خلال الإسراع في تنفيذ استراتيجية لإدارة الأزمة والدفع بإصلاحات قوية على صعيد الحوكمة تساعد على كسر سيطرة النخبة. ويشترط صندوق النقد الدولي كما الجهات المانحة على لبنان القيام بإصلاحات جذرية من أجل الحصول على مساعدات مالية من شأنها أن تنتشل البلد من الانهيار. ومن أهم الشروط إجراء الحكومة إصلاحات هيكلية لتحديث الإدارة ومكافحة الفساد والهدر العام، خصوصاً في قطاع الكهرباء، الذي يعد مسؤولاً بنسبة تتخطى الأربعين في المائة عن ديون لبنان التي تخطت ثمانين مليار دولار.
ويعيش لبنان واحدة من أسوأ أزماته الاقتصادية والمعيشية في تاريخه، في ظلّ ارتفاع معدّل الفقر إلى 45 في المائة، حسب البنك الدولي عام 2020، وانعدام القدرة الشرائية عند اللبنانيين وكذلك السوق التوظيفي مقابل تدهور قيمة العملة الوطنية نتيجة تفلت سعر صرف الدولار وخصوصاً في السوق السوداء، ما انعكس غلاءً في أسعار مختلف البضائع المستوردة والسلع الغذائية، والذي رافقه استغلال التجار للوضع القائم واحتكارهم للسلع بهدف تحقيق أرباح طائلة. وأدى الفساد المستشري في لبنان إلى انتفاضة شعبية في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 نجحت في إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري الذي استقال في 29 أكتوبر رغم البرنامج الإصلاحي الذي قدّمه لإرضاءً المحتجين، الذين رفضوه باعتبار أنهم فقدوا الثقة بالمنظومة السياسية التي جنت الثروات من خلال نهب المال العام وحقوق المواطنين وهرّبت المليارات إلى الخارج.
المصدر: العربي الجديد