عبد الحفيظ الحافظ
” لأتذكر ماذا يحوي صندوق سيارتي، فأمامي أربع سيَّاراتٍ؛ حتى يأتي دوري للتفتيش قبل دخولي المدينة، لدي حقيبة كبيرة تحوي ملابس أحملها منذ تسعة أشهر، ألبسة داخلية وخارجية، وألبسة للغسيل ومكواة صغيرة، فأنا في حال مهاجر دائم». «لا أتوقع أن فيها ما يدينني، أو يستفزُّ عناصر الحاجز، لكن ماذا لدي أيضًا؟ آه هناك حقيبة رياضية مهجورة، فقد كنت بالفريق الأول في مدينتي لكرة الطاولة، فيها مضرب تنس الطاولة، ولباس رياضي، يا الله هناك مادة قابلة للاشتعال نستعملها من أجل لصق أوجه المضرب وفكها. لن أخاف، أستطيع إقناع الرجل بأنني مسالم، وأغراضي منسجمة مع رجل لا يمكن عدّه خطِرًا». «ماذا لدي؟ ماذا لدي؟ فصندوق السيارة مملوء، لدي حقيبة دبلوماسية فيها أعدادٌ من رسالتي في الماجستير بإدارة الأعمال، لم أستطع توزيعها على الأصدقاء؛ لأن الانتفاضة بدأت، وأصبحت هذه الشهادة لا قيمة لها، وهي تبحث في ملاءمة المستشفيات إداريًا للمتغيرات الجديدة في عالم الأعمال الطبية الحديثة. فالحقيبة الدبلوماسية -هي كذلك- آمنة، وخاصةً أن أوراقها معتمدة من وزارة التعليم العالي». «المشكلة في الصندوق الذي يرتاح خلفي، أنا قلق من شيءٍ أجهله، آه لدي علبة أدوات جراحية أستعملها في أثناء تنقلي بين المستشفيات، فليس كل المستشفيات مجهزة بها. يا إلهي هنا الطامة الكبرى، أخشى عدّ وجودها أنني ممن يعالجون الجرحى في ميادين غير رسمية، وخارجة عن السيطرة الأمنية، ماذا سأقول له؟ أخذ قلبي يرتجف، وأشعر بتنميل يجتاح جسدي من رأسي حتى أخمص قدمي، الآن تذكرت مجسم العمود فقري، فماذا أجيب عن سؤال: لمَ العمود الفقري في سيارتك؟ وتذكرت المصابين بالشلل من جراء الإصابات بالعمود الفقري؛ ما يجعل الحاجة ماسة إليه». وصل الدور للسيارة التي أمامي، وهي سوزوكي، تحمل غسالة أتوماتيكية، ويبدو أنها مأخوذة للصيانة، فتشها الضابط بدقة، وكانت دقات قلبي تدق بسرعة، فتح بابها، وفتش حوضها (الستانلس) وخرطومها، قلت في نفسي: – الغسالة واضحة، وجرى لها هذا التدقيق، فماذا سيفعل بسيارتي، وهي وطني الضائع، تتقاذفني المدن والشوارع والحواجز والمستشفيات؟ يا خوفي. تذكرت حاسوبي المحمول (اللابتوب) والغليون (البايب)، وبالتأكيد رؤية الغليون في سيارتي سيشير إلى (غليون؛ الرجل الذي سيستفز الضابط القاسية ملامحه). – ماذا أتى بك من مدينتك إلى هذه المدينة الملعونة؟ – ماذا تريد أن تفعل هنا؟ فوجئت بأسئلته، مرّ أمامي شريط الطفل الملقى على سرير العناية المشددة، الذي جئت لكي أبدل ضماده، ورأسه المتفجر بطلق ناري، وقد أجريت له عمليةً جراحيةً مساء البارحة، وأخرجت قطعًا عظمية متسخةً ومتفتتةً، وكان أبوه وأمه ملتصقين بباب غرفة العمليات ثلاث ساعات، وكم ابتهجا برد الطفل عليهما بعد غيابه أيامًا عن الوعي. سيطرتُ على انفعالي، وهذا أمر بتنا جميعًا نحترفه، وقلت: – أنا طبيب، ولم يعد العيش ممكنًا فيها، جئتُ أبحث عن عيادة هنا. – ما الفرق هنا عن مدينتك؟ أسكتني سؤاله لحظةً، ثم قلت: – انصحني أين أذهب لأمارس مهنتي في هذا البلد، فما زلتُ أرفض السفر للخارج؟ – خذ هويتك، لكن لا أنصحك بالعمل في هذه المدينة أيضًا، انصرف فهناك رتل طويل من السيارات خلفك ينتظر