منهل باريش
في 20 كانون الأول (ديسمبر) 2019 عطلت روسيا والصين تجديد الآلية الأممية لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام من خلال إدخال المساعدات عبر المعابر الحدودية، وهي: باب السلامة وباب الهوى مع تركيا ومعبر اليعربية مع العراق ـ والمنشأة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2165 لعام 2014 والذي كان يشمل درعا والقنيطرة عبر معبر الرمثا (الجمرك القديم) الحدودي. وتم إيقاف المساعدات مع سيطرة النظام على جنوب سوريا قبل ثلاث سنوات من الآن وتحولت حصة المساعدات تلك عن طريق العاصمة دمشق مباشرة.
ومكنت الآلية الدولية وكالات الأمم المتحدة وشركائها المنفذين من إرسال أكثر من 30 ألف شاحنة من المساعدات الإنسانية عبر الأردن والعراق وتركيا لمساعدة المحتاجين في مناطق سيطرة المعارضة السورية في الجنوب وشمال غربي سوريا وشرقها. وخففت الآلية من الوضع الإنساني المزري مقارنة بالمناطق المحاصرة في الغوطة والزبداني ومضايا وداريا ومدينة حمص وريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي، حيث أعاق النظام عمل الوكالات الدولية ومنع وصول المساعدات بحرية مستخدما تجويع المدنيين سلاحا في حربه ضد المعارضة.
وامتنعت روسيا والصين عن تجديد القرار أو تمديد عمل الآلية مدة ستة أشهر من كامل المعابر، في حين وافقتا على تمديد الآلية، مدة ستة أشهر فقط، عبر نقطتين حدوديتين فقط، هما معبر باب السلامة وباب الهوى، وإدخال المساعدات عبر معبر اليعربية مع العراق ابتداء من 11 كانون الثاني (يناير) الماضي. حسب القرار الجديد رقم 2504 والذي امتنعت أمريكا وبريطانيا عن التصويت عليه تعبيرا عن غضبهما من تقليص المدة والمعابر، صوت باقي أعضاء مجلس الأمن لصالح قرار مجلس الأمن الجديد.
وفي مطلع تموز (يوليو) الجاري، بدأ المجلس مشاوراته من أجل تمديد عمل الآلية والذي لاقى اعتراضا روسيا صينيا مرة أخرى. حيث اعترضت روسيا والصين، في السابع من تموز (يوليو) على مشروع قرار قدمته ألمانيا وبلجيكا وكان من شأنه إعادة تفويض معبري باب السلام وباب الهوى لمدة 12 شهرا. وفي اليوم التالي، رفضت دول مجلس الأمن مشروع قرار عممته روسيا، وكان يدعو إلى إعادة تجديد الآلية الدولية لإدخال المساعدات الإنسانية من معبر حدودي واحد، هو باب الهوى، لمدة ستة أشهر فقط، حيث حصل على أربعة أصوات فقط لصالحه (روسيا والصين وفيتنام وجنوب أفريقيا) وصوتت سبع دول أعضاء ضد القرار، هي: بلجيكا، الدومينيكان، إستونيا، فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، فيما امتنعت أربع دول هي إندونيسيا، النيجر، سانت فنسنت وجزر غرينادين، وتونس.
في 10تموز (يوليو) اعترضت روسيا والصين مرة أخرى على مشروع قرار ثالث لألمانيا وبلجيكا، يدعو إلى إعادة تفويض معبري باب السلام وباب الهوى لمدة ستة أشهر، وقد حظي القرار بتأييد جميع أعضاء المجلس الآخرين.
وفي مساء اليوم نفسه، فشل مشروع القرار الروسي الثاني، والذي دعمته الصين، وجنوب أفريقيا وفيتنام، ولاقى القرار رفض بلجيكا وجمهورية الدومينيكان وإستونيا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وأمريكا، فيما امتنعت أربع دول عن التصويت هي: إندونيسيا، النيجر، سانت فنسنت، جزر غرينادين وتونس.
في نهاية الاجتماعات، يوم 11 تموز (يوليو) الجاري، صوت الجميع على مشروع القرار رقم 2533 الذي نص على تجديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود، لكن عبر معبر واحد وهو معبر باب الهوى التركي ولمدة سنة واحدة، وطالب القرار الأمين العام للأمم المتحدة بأن يقدم تقريره على الأقل مرة كل ستين يوما لمجلس الأمن حول سير عمل الآلية.
وكان القرار 2156 الذي وافق عليه مجلس الأمن في 10تموز (يوليو) 2014 وينتهي العمل به باليوم نفسه من كل عام، يجدد تلقائياً، وجدد أربع مرات حتى بعد التدخل العسكري الروسي من دون اعتراض منها أو من الصين، ويتجاوز القرار دور النظام السوري وتكتفي الأمم المتحدة “بإخطاره” بدخول المساعدات.
لماذا باب الهوى؟
ترافق التعطيل الروسي مع تطورين عسكريين على الأرض أديا إلى تغير مناطق النفوذ والسيطرة بينها من جهة، وبين أمريكا وتركيا من جهة.
التطور الأول، جاء تتويجا للانتصارات الروسية بعد الهجوم على ريف حماة وإدلب الجنوبي التي بدأت في 261 نيسان (ابريل) 2019 وانتهت بالسيطرة على خان شيخون في آب (أغسطس) 2019. والثاني، مع بداية المرحلة الثانية من ذلك الهجوم، والتي كان هدفها السيطرة على طريق حلب – دمشق /M5 وانتهت بعملية قضم كبيرة جدا شملت أرياف حلب الشمالية والغربية والجنوبية وريف إدلب الشرقي ومدينتي سراقب ومعرة النعمان وحاس وكفرومة ومعرتحرمة وصولا إلى كفرنبل وأسفرت العمليتان عن نزوح نحو 1.2 مليون مدني، نصفهم من الأطفال.
ومع وصول النظام إلى شرق بلدة الأتارب، أصبح على مرمى حجر من باب الهوى الحدودي، وتبعد قوات النظام والميليشيات الإيرانية المتمركزة شرقي الأتارب نحو 14 كم عن دوار سرمدا، وهو عقدة المواصلات الحدودية ومنه تتفرع طرق المخيمات وطريق معبر باب الهوى، ويربط بين إدلب ومنطقتي عفرين وريف حلب الشمالي.
وفي حال قررت موسكو البدء بعملية قضم جديدة عقب التصعيد الذي حصل على طريق حلب-اللاذقية M4 يوم 14 تموز (يوليو) الحالي، من خلال تفجير سيارة مفخخة بالدورية الروسية التركية المشتركة في قرية مصيبين شرقي مدينة أريحا، فيرجح أن تتبع التكتيك نفسه الذي اتبع في المعارك الأخيرة وهو تجنب الهجوم المباشر على المدن والالتفاف عليها وتركها تسقط تلقائيا بسبب خوف فصائل المعارضة من حصارها.
ومع تحشيد فصائل المعارضة قواتها في محيط جبل الزاوية وطريق M4 فمن غير المستبعد أن تقوم روسيا بعملية التفاف كبرى على سائر محافظة إدلب من محور ريف حلب الغربي أعلاه، بين الأتارب ودارة عزة والبالغ طوله 15 كم فقط. فحصول أي خرق هنا سيؤدي إلى تقدم النظام باتجاه باب الهوى الحدودي وهو ما سيضع قرابة ثلاثة ملايين بخطر وجودي ويشكل أكبر عملية نزوح في تاريخ الحرب السورية، حيث يتوقع أن يتوجهوا جميعا باتجاه عفرين وريف حلب الشمالي بمن فيهم قرابة 300 ألف يقيمون في المخيمات الحدودية.
هذا السيناريو غير مستبعد بعد التحول الروسي باستخدام ورقة المساعدات الإنسانية كجزء من الحرب ضد خصومها، والتي بدأت في إغلاق معبر اليعربية بهدف الضغط على وحدات “حماية الشعب” الكردية إثر عملية إعادة الانتشار الأمريكي في شرق سوريا وانتهاء عملية نبع السلام، وهو في سياق ملء الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الأمريكي، وفرض التواصل بين الوحدات ودمشق والذي كان بدأ فعلا مع بدء العملية التركية في ريف الرقة الشمالي.
ويشكل قرار وقف المساعدات عبر باب السلامة الحدودية، ضغطا إضافيا من قبل روسيا على تركيا في ملف إدلب، حيث سترضخ أنقرة في النهاية إلى شروط موسكو بما يتعلق بالملف الإنساني، فمع إغلاق معبر باب السلامة وإغلاق معبر الغزاوية بين عفرين وإدلب بسبب انتشار فيروس كورونا، ستتحول المساعدات الإنسانية إلى قضية سياسية بامتياز، ستجبر تركيا في نهاية الأمر على الموافقة على اشتراطات روسية بإدخال قسم من المساعدات الإنسانية من مناطق سيطرة النظام إلى منطقتي عفرين وريف حلب الشمالي.
هذا خيار روسي يتم تداوله في أوساط الخبراء الروس كخيار تلجأ إليه موسكو لزيادة قوة النظام ومحاولة تعويض الخسائر الاقتصادية المتفاقمة بسبب قانون قيصر، والتحكم بالمساعدات الإنسانية يشكل تغذية لا بأس بها لجمهور النظام في مناطق سيطرته تخفف عنهم غلاء الأسعار الفاحش.
المصدر: القدس العربي