منصور حسين
لا يبدو أن فترة عيد الأضحى قد حققت النتائج الاقتصادية التي كان ينتظرها الصناعيون والتجار السوريون، الذين استمروا في الشكوى من حالة الركود التي تعاني منها الأسواق المحلية، على الرغم من تحسن سعر صرف الليرة خلال الأسبوعين الماضيين.
تحسن لم ينعكس على حركة السوق، التي ظلّت دون الحد الأدنى من التوقعات، بعد التفاؤل الذي ساد قبل أسبوع من حلول العيد مع ارتفاع عدد الحوالات الخارجية، لكن هذه الحوالات لم تسهم في انتعاش الأسواق، رغم تأثيرها الايجابي على سعر صرف الليرة أمام العملات الصعبة.
أسباب مباشرة وغير مباشرة
العديد من الأسباب والمعطيات ساهمت في تكريس الواقع السلبي الذي يعاني منه الاقتصاد السوري، بينها ما هو غير مباشر، مثل ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وانخفاض القدرة الشرائية وتفشي الفقر، ومنها المباشر، كعدم استقرار سعر صرف الليرة والارتفاع غير المبرر في الأسعار.
محمد. ع، صاحب مصنع ومتجر متوسط لبيع ملبوسات الجينز في حلب، قال ل”المدن”: “استبشرنا جميعاً بارتفاع سعر الليرة، خاصة وأن أحد أسباب هذا التحسن هو زيادة عدد الحوالات المرسلة من المغتربين إلى ذويهم في الداخل، الأمر الذي يعني زيادة معدلات الشراء، لكن ذلك لم يحدث، فلا زلنا نعاني من الكساد مع بقاء المعدلات في أدنى مستوياتها، الأمر الذي شكل صدمة للكثير من التجار والصناعيين. وقد بات جزء كبير يفكر بالإغلاق التام، خاصة العاملين في مجالي الألبسة والأحذية والكماليات، بشكل عام”.
ويضيف أنه “حتى بعد توفر السيولة بين يدي الناس، إلا أن الغالبية العظمى من المستهلكين باتت تقتصر في الصرف على شراء السلع الأساسية، وبالطبع فالمواد الغذائية تأتي على رأس الأولويات، أما الكماليات فلم تعد من اهتمامات المواطن السوري حتى في فترة المواسم والأعياد، وللأسف الأمور تسير من سيء إلى أسوأ، وفي موسم عيد الفطر كانت الأمور أفضل، أما خلال عيد الأضحى فقد تراجعت حركة السوق بشكل كبير”.
وتتفق الشهادة السابقة مع متابعة “المدن” للحركة التجارية في الأسواق السورية. فعلى الرغم من الازدحام الذي شهدته معظم الأسواق خلال الأيام الثلاثة التي سبقت حلول عيد الأضحى، إلا أن حركة الشراء ظلت محدودة.
وفي تعليقه على تذمر التجار من حالة الركود، يؤكد أبو حسان أن “المستوردين والتجار هم المسؤولون عن تفاقم هذه الظاهرة، بسبب جشعهم الذي تجاوز كل الحدود”.
ولا ينفي الرجل الأربعيني، ورب العائلة المكونة من ستة أشخاص، أنه توجه بالفعل مع زوجته وأولاده الأربعة إلى الأسواق في دمشق من أجل شراء ألبسة وأحذية جديدة، بعد أن استلم حوالة وردته من شقيقه اللاجئ في الدانمارك، لكنه صُدم بأن الأسعار هي ذاتها التي كانت عليها عندما كان سعر صرف الدولار مقابل الليرة 3700، فاكتفى بشراء بعض المواد الغذائية والحلويات.
ويشعر السوريون الذين استفادوا من حوالات عيد الأضحى بالغبن الكبير جراء ارتفاع سعر صرف الليرة، وحصر تسليم الحوالات بأسعار الصرف الرسمية، التي تختلف بنسبة كبيرة عن سعر السوق السوداء، ما يعني خسارة أكثر من نصف قيمة المبلغ المنتظر، بينما يشترك الجميع في الشعور بالامتعاض جراء عدم انخفاض الأسعار رغم تحسن سعر صرف العملة المحلية.
مسؤولية من؟
ورغم تأكيدهم على عدم منطقية التمسك بالأسعار القديمة المقدرة على أساس سعر صرف الدولار بضعف قيمته الحالية، إلا أن الخبراء الاقتصاديين يرون أنه ليس بامكان التجار البيع وفق سعر الصرف الجديد.
ويتفق المحللون على أن رفع سعر صرف الليرة الذي حصل مؤخراً لم يتم بأدوات اقتصادية، بل جاء نتيجة إجراءات قسرية فرضها النظام، مستفيداً من حركة التحويل التي تنشط خلال موسم الأعياد، أما التاجر أو الصناعي الذي استورد البضائع والمواد الأولية بسعر الدولار السابق، فإنه إذا أراد البيع بالسعر الجديد فستكون خسارته كبيرة.
وفي تصريح ل”المدن”، يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن أنيس إن “ثلاثة عوامل ربما تكون سبب عدم انخفاض الأسعار خلال فترة عيد الاضحى، وبالتالي استمرار حالة الركود في الأسواق، يأتي في مقدمتها ضعف الإنتاج المعروض وارتفاع كلفته، وتخبط تسعير المنتج بسبب عدم استقرار أسعار الصرف، وفقدان الثقة بالليرة السورية رغم ارتفاع قيمتها”.
ويضيف أن “السبب الثاني هو احتكار بعض رؤوس الأموال استيراد السلع الأكثر طلباً في السوق، وتقاسم الحصص مع أشخاص نافذين في النظام من أجل ضمان استمرار هذا الاحتكار، ما يعني تغييب المنافسة وفرض الأسعار التي يراها المحتكر مناسبة للكلفة التي تحمل أعباءها، مضافاً إليها نسبة الربح بطبيعة الحال”.
أما السبب الثالث، فهو غياب آليات الرقابة الحكومية تماماً عن الأسواق، وحالة الشلل والعجز التي تعاني منها أجهزة المحاسبة أمام حيتان الأسواق ونفوذهم المخيف، مما يسبب مخالفات كبيرة بحق تجار التجزئة لا يستطيع أحد معالجتها.
محاولات حكومية فاشلة
حاولت حكومة النظام وغرف الصناعة والتجارة إيجاد مخارج لهذه الأزمة قبل عبد الأضحى، فلجأت إلى إحياء “مهرجانات التسوق” التي تسهم عادة في تنشيط الحركة التجارية خلال المواسم، إلا أن التجربة منيت بالفشل.
ونقلت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية عن عضو غرفة صناعة دمشق وريفها، محمود الزين أن “الطلب كان ضعيفاً حتى في مهرجانات التسوق، وحالة الجمود ضربتها كما كل الأسواق، فمهرجانات التسوق تحولت إلى جولات ترفيهية فقط بالنسبة للمواطنين، لا أكثر ولا أقل، لأن الركود هو سيد الموقف، لذا لا يوجد أي مبرر لمثل هذه المهرجانات وسط الظروف الحالية والانتشار الكبير للمواد المهربة”.
لكن الكثيرين من المواطنين أكدوا في تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، عدم رضاهم عن البضائع المعروضة في مهرجانات التسوق. ونقلت وسائل إعلام موالية شهادات لمواطنين أكدوا فيها على رداءة السلع المعروضة وارتفاع أسعارها، بالإضافة إلى أن أكثرها لا علاقة له بمسلتزمات العيد، وأغلب البضائع المعروضة هي اكسسوارات الموبايل ومواد التنظيف.
وبالإضافة إلى ما سبق، يعتبر الادخار أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض حركة الشراء في الأسواق السورية، خاصة مع الشعور العام الذي بات سائداً بين السوريين بأن القادم سيكون أسوأ على الأغلب، على عكس التفاؤل الذي ساد مطلع العام الحالي، مع توقف العمليات العسكرية الكبيرة، والتوجه الذي ظهر نحو الحلول الديبلوماسية للصراع.
لكن تطبيق قانون العقوبات الأميركي الجديد “قيصر”، وعودة القرع على طبول الحرب في منطقة إدلب، بالإضافة إلى التفشي الحاد لوباء كورونا، كلها أسباب جعلت الكثيرين من السوريين يلجأون إلى التقليل من مصاريفهم حتى الحد الأدنى، ونسبة كبيرة منهم تجاهلت موسم العيد، مفضلة الاحتفاظ بالسيولة التي بين يديها تحسباً للقادم.
لا يبدو أن الحلول الاسعافية أو العوامل المساعدة التي تطرأ بين الحين والأخير، مثل الأعياد ومواسم الحوالات الخارجية من العملة الصعبة، مفيدة لتجاوز الاقتصاد السوري محنته المزمنة التي يعاني منها، والتي تحتاج لحلول جذرية ليس هناك ما يدل على أن النظام بوارد العمل عليها حتى الآن.
المصدر: المدن