جمال عبيدي
كما يقال، يكمُن الشيطان في التفاصيل. وهذا ما قد ينطبق على الاتفاق النووي السيئ السمعة بين المجتمع الدولي وإيران عام 2015. فعلى ما يبدو، لم يتوقع موقعو هذا الاتفاق، وأولهم الرئيس أوباما، أن يأتي اليوم الذي تحدث فيه تجاذبات حول الآلية التي ستعيد فرض العقوبات مجدداً على إيران، فلربما – بحسن نية – لم يتوقع أن تخلف إيران بتعهداتها! أو لربما جعل هنالك تعقيداً متعمداً – بسوء نية – لكي لا تفرض تلك العقوبات، فكانت آلية فض النزاع أو ما يعرف بـ”سناب باك” والتي تضع النواظم الضابطة لمعاقبة إيران في حال خرقها للاتفاق.
وفي هذا السياق، وصفت صحيفة “جوان”، التابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني”، في تقرير لها آلية “سناب باك” بأنها إحدى الثغرات القانونية في الاتفاق النووي، وأن الولايات المتحدة الأميركية من خلال تفعيلها تهدف إلى المزيد من الضغط الاقتصادي والمعيشي على المواطنين الإيرانيين لإجبار السلطات الإيرانية على التفاوض مع الإدارة الأميركية.
ما هي آلية “سناب باك” (Snapback) ؟
في الورقة التي وزعتها وزارة الخارجية الإيرانية بعيد توقيع الاتفاق النووي، تظهر “سناب باك” كآلية مدمجة في الاتفاق النووي بهدف فض أي نزاع محتمل بين إيران والدول الموقعة على الاتفاق. بعبارة أخرى، هي آلية لإعادة عقوبات مجلس الأمن التي فرضت على إيران قبل الاتفاق النووي الرقم 2231 في عام 2015 في حال عدم التقيد ببنوده. ووفقاً للمادتين 36 و37 من الاتفاق النووي، يجوز لأي من الأطراف في الاتفاق (إيران ومجموعة 5+1) تقديم شكوى إلى اللجنة المشتركة (والتي تتشكل من الدول الأوروبية الثلاث بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، والصين، وروسيا، والولايات المتحدة ،إضافة إلى إيران).
أمام هذه اللجنة، بعد تقديم الشكوى، خمسة عشر يوماً لحل الإشكال الذي طرأ. وإذا لم يحل، تحال القضية إلى وزراء خارجية الدول المشاركة في الاتفاق النووي لحلها خلال فترة أقصاها خمسة عشر يوماً أيضاً. في حال لم تحل المشكلة مجدداً، فإن أمام اللجنة المشتركة خمسة أيام لوضع حد لها. أي أن هذه العملية تستغرق خمسةً وثلاثين يوماً. وفي نهاية المطاف وبعد استنزاف كل ما ورد سابقاً وفي حال لم يتم التوصل إلى صيغة ترضي (الطرف الشاكي)، فبإمكانه حينها أن يتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن باعتبار أن هناك انتهاكاً كبيراً في الاتفاق النووي.
وفي هذه الحالة، يجب على مجلس الأمن أن يعدّ مشروع قرار للتصويت خلال ثلاثين يوماً لإعادة تمديد إلغاء العقوبات من عدمه. وفي هذه الحالة فإن العضو الشاكي بمقدوره أن يستخدم حق النقض (الفيتو)، ما عدا ألمانيا التي ليست من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. وعليه، فإذا ما تعذر انعقاد مجلس الأمن، لأي سبب من الأسباب، فإن العقوبات المفروضة على إيران قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015 ستعود بشكل تلقائي.
أوروبا تفعل آلية “سناب باك”:
نظراً لما سمّته “عدم التزام أوروبا بتعهداتها تجاه الاتفاق النووي”، لا سيما عدم قدرة الدول الأوروبية على حماية شركاتها وبنوكها من العقوبات الأميركية بعيد الانسحاب الأميركي من الاتفاق عام 2018، قامت طهران بتقليص التزاماتها النووية تدريجياً في ما عرف بالخطوات الخمس، بدءاً من أيار (مايو) 2019 وانتهاءً بآخر خطوة في كانون الثاني (يناير) 2020 والتي تلت مقتل قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني في مطار بغداد. بعد إعلان إيران عن خطوتها الأخيرة، والتي شملت رفع كل القيود على عملياتها النووية، بما فيها تخصيب اليورانيوم، ردت الترويكا الأوروبية في بيان لها بتاريخ 14/1/2020، بتفعيل آلية فض النزاع في الاتفاق النووي، وقالت إنه نظراً للسلوك الإيراني، لم يكن أمامنا أي خيار سوى أن نعرب اليوم عن مخاوفنا من أن إيران لم تعد تفي بالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA).
ووفقاً للمادة 36 لآلية فضّ النزاع، فإننا نحيل هذه المسألة إلى اللجنة المشتركة. إلا أنه وبعد أيام من هذا الإعلان، سافر منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، إلى طهران، وصرح قائلاً: “إننا لا نريد أن نبدأ عملية تؤدي إلى نهاية الاتفاق النووي، بل نريد أن نحافظ على هذا الاتفاق”. وأضاف: “الغاية من تفعيل آلية فض النزاع، أن نشجع إيران أن تلتزم بتعهداتها النووية”.
أين الخلاف؟
اعتراض الجانب الإيراني على تفاصيل العمل بهذه الآلية جاء على اعتبار أنه يمكن تفعيل العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع الاتفاق النووي بمجرد وصول ملفها إلى مجلس الأمن لما للولايات المتحدة من حق استخدام النقض (الفيتو). إلا أن الجانب الأميركي أصر على اعتماد هاتين المادتين (36و37)، لأنها تمكن الجانب الأميركي من أن يضغط على الزناد بشكل مستقل.
وهذا ما أكده الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في تغريدة له على “تويتر”، بتاريخ 5/8/2015، عقب توقيع الاتفاق النووي، قائلاً: “إننا لسنا في حاجة إلى دعم أي من الأعضاء في مجلس الأمن، لأننا قادرون أن نضغط على الزناد بشكل مستقل”. كما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” في السادس عشر من الشهر الجاري، أن “مفاوضي باراك أوباما، أكدوا أن قرار مجلس الأمن باستخدام الزناد (سناب باك) مستقل تماماً عن الاتفاق النووي”.
واللافت في الأمر، أنه ورد في نص المادتين (36 و37) من الاتفاق أن من يستطيع تفعيل آلية فض النزاع (سناب باك)، هم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن وليس فقط الأعضاء المشاركون في الاتفاق النووي. وهذا ما يعطي الحق للولايات المتحدة بتفعيل هذه الآلية باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن.
لماذا ذهبت الولايات المتحدة الأميركية مباشرة الى مجلس الأمن لتفعيل آلية فض النزاع؟
كما هو معروف، فإن الولايات المتحدة كانت أعلنت انسحابها من الاتفاق في أيار (مايو) 2018. ونظراً الى المراحل التي ذكرت أعلاه، فهي غير قادرة على أن تتقدم بشكوى في إطار الاتفاق النووي. بالتالي، أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزير خارجيته مايك بومبيو، بإبلاغ مجلس الأمن الدولي، أن الولايات المتحدة تطلب تفعيل آلية “سناب باك”، لإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران نظراً الى انتهاك الأخيرة التزاماتها النووية.
ومن دون أدنى شك، سيشهد مجلس الأمن في قادم الأيام، مواجهة أميركية – إيرانية على تفعيل آلية “سناب باك” لإعادة العقوبات الدولية على طهران. لكن الأهم في الأمر، هل ستستطيع الولايات المتحدة فرض إرادتها في ظل المعارضة التي تشهدها في مجلس الأمن؟ وماذا عن أحقية الولايات المتحدة في تفعيل هذه الآلية بعد انسحابها من الاتفاق النووي وكذلك في ظل الانتقادات التي أتت حتى من أعضاء سابقين في الإدارة الأميركية الحالية كجون بولتون؟ والنقطة الأبرز هنا، ألم تعلم الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس ترامب أنه بانسحابها من الاتفاق لن تكون قادرة على تفعيل آلية فض النزاع، أما كان الوضع مختلفاً جداً لو قامت الولايات المتحدة بتفعيل هذه الآلية وهي لا تزال في الاتفاق!
لكن أهم ما في الأمر هو أن الولايات المتحدة عازمة على فرض عقوبات شاملة على إيران، إن كان عبر تفعيل آلية فض النزاع في مجلس الأمن، أم بغيرها. فرغبة الولايات المتحدة في تمديد حظر التسلح على إيران جاءت نتيجة لسلوك الأخيرة المخرب في منطقة الشرق الأوسط وتهديدها الأمن والسلم الدوليين، على الرغم من وقوف كل من روسيا والصين في طريقها، وكذلك أقرب الحلفاء الأوروبيين الذين لم يكونوا على قناعة بما تقوم به الولايات المتحدة، وهو ما بدا واضحاً من رد فعل بومبيو بعد تقديم الشكوى إلى مجلس الأمن: “لم يكن لدى أي دولة الشجاعة والقناعة لاتخاذ هكذا قرار سوى الولايات المتحدة، وبدلاً من ذلك، اختاروا الوقوف إلى جانب آيات الله”.
من ناحية أخرى، وفي حال اعتمادها، تستغرق مراحل تفعيل هذه الآلية أكثر من خمسة وستين يومياً على الأقل وقد تمدد لأشهر، وحينها سنكون قد دخلنا في فترة الانتخابات الأميركية. حينها فقط سيتوجب علينا النظر في ما إذا كانت طهران ستهرول للاتفاق مع ترامب في حال إعادة انتخابه لولاية ثانية أم أنها ستتنفس الصعداء وتسعى الى التفاوض من جديد مع إدارة جديدة … الجواب ليس ببعيد!
المصدر: النهار العربي