ميشيل كيلو
أكد رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، ووزير خارجيته الجنرال أشكنازي، أن الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي على تبادل التمثيل الدبلوماسي والتطبيع أملاه مبدأ السلام مقابل السلام، وتم من دون شروط مسبقة. ليس مبدأ السلام مقابل السلام سياسة إسرائيلية جديدة، فقد بلورته تل أبيب بعد عدوان يونيو/ حزيران 1967 واحتلال أراضي ثلاث دول عربية، وكان القصد منه فرض السلام على جيرانها من دون الانسحاب من أراضيهم، في مقابل تبنّيهم جميعهم مبدأ “الأرض مقابل السلام”، عدا النظام الأسدي الذي تخلى عن الجولان لمحتلّيه، واعتمد مبدأ لا أرض ولا سلام، لإدراكه أنه سيسحق في أي حرب، وأن السلام يوجِد الشروط الضرورية لانتهاء خدماته، ويمهد لسقوطه.
عند الإعلان عن العلاقة بين إسرائيل والإمارات، قالت الأخيرة إنها اشترطت تخلي إسرائيل عن ضم ثلث أراضي الضفة الغربية، بينما أكد نتنياهو أن الضم تأجل، وكرر أقواله الجنرال أشكنازي، الذي نفى وضع شروطٍ مسبقةٍ لإقامة العلاقات بين الدولتين، وكرّر أنها قامت بفضل مبدأ “السلام مقابل السلام”، الذي لن يطبّق على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يحول بالتالي بين إسرائيل وضم ما سمحت واشنطن لها بضمه منها، متى قرّرت ذلك، وبالطريقة التي تختارها.
هل صحيحٌ أن مبدأ السلام مقابل السلام سيطبّق على علاقات إسرائيل والإمارات مع إيران، أم نحن على مشارف بيئةٍ سياسيةٍ تحالفية بين الطرفين، لن يكون هدفها السلام مع ملالي إيران العدوانيين والشرسين، بل تحسين شروط الصراع معهم، وصولا إلى حالٍ هي نقيض السلام، وتضمر احتمالاتٍ صراعية قد تنقلب إلى حربٍ ستخوضها دولة الإمارات إلى جانب إسرائيل التي أطلقت رصاصة الحرب الأولى منذ أعوام، وستكون سعيدةً بتلقي دعم خليجيٍّ من دولٍ لا مصلحة لها في رفع درجة توترها مع جارتها الشرقية إلى المستوى الإسرائيلي الذي سيستخدمها أداةً تعزّز موقعه من الصراع مع إيران، ليس لأنه راغبٌ في حماية الخليج والعرب من حرس طهران الثوري، بل ليخوض معركةً ضد طهران، ترغمها على الانضواء في نظام إقليمي جديد، يعترف بأولوية دور إسرائيل ومكانتها في المشرق والخليج، وما وراءهما إلى أعماق بعيدة. وتحجّم دور الملالي الراهن فيهما، وصولا إلى إقامة تنسيقٍ تقوده تل أبيب ضد عدوهما المشترك (العرب)، عقب بروز تل أبيب قوة عابرة للمنطقة، إثر نجاح الأسدية في تدمير سورية دولةً ومجتمعا، وتدمير العراق واحتلاله على يدي طهران وواشنطن، وسقوط مصر في بئرٍ لن تخرج منها في زمن قريب، والانهيار الشامل للوضع العربي في كل قُطر ومصر، وما ترتب عليه من بيئةٍ جديدةٍ تضمن أمن إسرائيل من جهة، وتحول بين الدول العربية منفردةً ومجتمعة، وبين مجرّد التفكير بتحدّي دورها الضابط لجوارها، العابر للإقليم الذي يفيد من الإستراتيجيتين، الأميركية والروسية، وكذلك بين إيران ودورها الراهن في جوارها الذي يعني استمراره تعاميها عن الواقع الجديد الذي ينقذ نظامها بقدر ما تقبله.
هذا ما تعمل له واشنطن وإسرائيل، فما هي مصلحة الخليج في تقسيم عمل إيراني/ صهيوني موضوعه بلدانه، فهو تقسيم عمل ضده، وسيطرة إسرائيل على العالم العربي ستطول، بعد تدمير المشرق وإخراجه من معادلات القوة فترة مديدة، فضلا عما تواجهه مصر من تحدّيات تأتيها عن جنوبها وغربها، في إطار انتقال واشنطن إلى مرحلة جديدة في سياساتها العربية والخليجية، وتصميمها على إرغام أطرافه على الاعتراف بدور إسرائيل الجديد، المهيمن على المنطقة، وعلى الاستقواء بها ضد إيران اليوم، وتركيا لاحقا، كأنما قرّرت دوله الانخراط في مغامرة خطيرة، ليست هي من يقرّر مجرياتها ومآلاتها.
أي سلامٍ يمكن أن تقدّمه إسرائيل للخليج، إن كان غرضها زجّه في صراعها على زعامة المنطقة مع إيران وغير إيران. ألا يرى عقلاء العرب ما فعله صراع هذين العدوين بالمشرق؟
المصدر: العربي الجديد