نادر فوز
بينما تقف مكوّنات السلطة على بعد ساعات من تكليف مصطفى أديب رئيساً للحكومة، كان لـ35 مجموعة وحزباً وتجمّعاً من ثورة 17 تشرين محطة لإطلاق بديل سياسي واقتصادي عن مشروع السلطة، المنبعث من الانهيار والفشل والموت الاقتصادي والسياسي والفعلي. على بعد مئات الأمتار من مسرح جريمة 4 آب، شيّد مسرح آخر. أول الجمهور الواصل إليه كان العشرات من أنصار “شيعة شيعة”. كأنّ قدر هذه الساحة حتمي بحضور الشبيحة في كل مناسبة. برايات عاشورائية، وهتافات الشيعة المزدوجة، انقضّ هؤلاء على مكان التجمّع ظهراً.
تخزين الغضب
كسّروا ما فيه من تجهيزات بصرية وصوتية، وغادروا بعد أن أثبتوا من جديد بلطجيّتهم. كما اعتدوا على عدد من الشبان الذين كانوا يعملون على تجهيز الساحة، بالعصي والشفرات. قضاء وقادر، صادر عن المرجعيات السياسية التي دعت إلى تخزين الغضب لاستخدامه في زمان ومكان مناسبين. ومذاك الحين، لا ينفكّ التنفيس عن هذا الغضب، في اللوبيا وخلدة والبقاع وبيروت. فتخزين الغضب، على ما يبدو، شبيه بتخزين الأمونيوم. قنبلة موقوتة ستفجَّر، تحت وابل التهويل والترهيب. لكن على الأرجح، لم تدرك القيادات نفسها أنّ بإمكان كل الفئات والمكوّنات قادرة على تخزين الغضب، وتخزنّه. وأنّ في نفس كل مواطن ومواطنة غضب سينفجر بشتّى الوسائل، هجرة ويأساً قاتلاً أو انتفاضة أو قتلاً حتى. تخزين الغضب، مقدمة يتمّ التلويح بها لفصل جديد من الحرب الأهلية يكون فيها السلاح متاحاً للجميع.
زلّة رجل ولسان
بعد الغزوة الأولى، حضرت إلى الساحة مع انطلاق الإعلان عن المبادرة السياسية والاقتصادية، مجموعة أخرى من الشبان. أولاً حاوطوا التجمّع، ثم توزعوا فيه، حتى أنّ بعضهم جلس على الكراسي كمشاركين ومهتّمين بالطرح التغييري. وخلفهم كانت سيارات رباعية الدفع، سوداء بزجاج داكن، تجول في المكان. جاؤوا بنفس حشري؟ للاستطلاع؟ أمّ رجلهم زلّت إلى الساحة؟ المهم أنّ الرسالة وصلت، فشمس التشبيح والبلطجة لا تغيب. غادرت المجموعة هذه مع انتهاء المحامي والناشط واصف الحركي من كلمته. والأخير، أقدم على زلّة لسان متكرّرة. قصد السلطة فقال الثورة، قصد الثورة فقال السلطة، أكثر من مرة. هل أربكه قفل الضيوف المذكورين أعلاه؟ ربما، لكن الأكيد أنّ زلّة اللسان هذه تحمل في طيّاتها الرغبات الباطنية والمشاعر الدفينة. بالثورة أم بالسلطة؟ واحدة وسيلة للأخرى. وطالما أنّ الثورة ليست هدفاً، فإنّ السلطة مبتغى مشروعٌ وطبيعي.
انسحابات اللحظة الأخيرة
حمل البرنامج سقفاً سياسياً عالياً وواضحاً وطرحاً اقتصادياً متقدماً. وعلى الرغم من ذلك، انسحب بعض المجموعات قبل ساعات من الإعلان عنه. شكّل شكل الإطلاق أزمة، إذ تمّ التخلّي عن التصوّر الذي تم الاتفاق عليه. فكان من المفترض أن يطلق البرنامج في مهرجان لا بمؤتمر صحافي، يظهر حجم الناس والمجموعات الداعمة لا وجوهاً محددةً. ينطلق من شهادات أهالي ضحايا 4 آب أولاً، ويظهر فيه مواطنون عاديون من مناطق ومجموعات مختلفة. لكن قبل ساعات من ذلك تغيّر المشهد، وبدا بالنسبة لبعض المنسحبين أن المؤتمر الصحافي يهدف إلى تظهير وجهين أو ثلاثة على حساب البقية. وفي ذلك تهديد بالعودة إلى نقطة الصفر، في أزمة التواصل بين المجموعات وتحديد لا قيادتها ولا حصريتها ولا ادعائها التمثيل، واستمرار الخوف المتبادل من “التسلّق” ومنطقه.
الميليشيات وفائض القوّة
قدّم البرنامج سقفاً سياسياً مرتفعاً، فأشار إلى أنّ “ميليشيات الحرب والسلم تتقاتل وتتحالف على حساب حياتنا من دون احترام حقنا بالحقيقة والعدالة في محاكمة من يقتلنا.. مع عنف اجتماعي ممنهج وقوانين بالية وتغليب منطق الميليشيات والمحميات واستخدام السلاح وفائض القوة لحماية مصالح المنظومة السياسية”. مع التأكيد على واقع أنّ سيادة البلاد “مرتهنة للخارج لطبيعة النظام السياسي وارتباط أحزاب السلطة الطائفية بمرجعيات إقليمية ودولية.. واحتكار قوى طائفية حق الدفاع عن الأرض”. كما اعتبرت الوثيقة السياسية أنّ “الشرعية الشعبية لهذه السلطة سقطت منذ لحظة 17 تشرين ودفنت تحت رماد 4 آب”. مع التشديد على عدم الاعتراف بجميع الحكومات التي تشكلها المنظومة الحاكمة، بغض النظر عن شكلها، ورفع مطلب تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات تشريعية استثنائية تعبر إلى الدولة المدنية وانتخابات نيابية.
وحدّد البرنامج 8 عناوين، سبق ونشرتها “المدن” السبت تبدأ بمحاسبة المنظومة المجرمة على مختلف الجرائم المرتكبة، بدءاً بمجرمي تفجير 4 آب، مروراً بالمال المنهوب واستخدام العنف المفرط بحق المتظاهرين، وصولاً إلى كشف الحقيقة ومصير مفقودي الحرب. كما أنه من بين العناوين الأخرى وقف الانهيار المالي وإطلاق خطة استجابة وتأمين الرعاية والتأمينات الاجتماعية وإعادة تأسيس الاقتصاد وتشكيل السلطة عبر قانون انتخابي جديد.
وبـ58 نقطة، يطرح البرنامج خطة العمل الإنقاذية، يمكن الاطلاع على كاملها أدناه.
وأخيراً، كان النداء للعودة إلى الميدان مجدداً: “أول 100 سنة من عمر لبنانكم قطعوا.. صار دورنا نبني لبنان الدولة، اللي بيشبهنا بعيد عن فسادكم وطائفيتكم ومشاريعكم وحروبكم.. لبناننا بنبنيه بساحات الثورة. لاقونا الثلاثاء 1 أيلول الساعة 4 على ساحة الشهدا #بداية_وطن”.
المصدر: المدن