د- عبد الناصر سكرية
أثار الانفجار المروع الذي دمر مرفأ بيروت وأحياء كاملة فيها، ذعرًا إنسانيًا عارمًا وغضبًا كما استنكارًا شاملاً وتضامنًا.. مما أعاد إلى واجهة الاهتمام واقع لبنان وما يمكن أن يتعرض له في مقبل الأيام. كما أعيد طرح مسألة نفوذ ” حزب الله ” وحقيقة دوره فيه. فيما يرجح الكثيرون أن تكون مخازن أسلحة مكدسة في المرفأ وعائدة للحزب وانفجرت بفعل فاعل، الأغلب أن يكون عدوانًا إسرائيليًا جويًا..
وإذ يتساءل آخرون عن العوامل التي مكنت ” حزب إيران في لبنان ” من أن يكون صاحب الصلاحيات الواسعة والسلطات الفعالة والتي فرضت نفسها على الواقع اللبناني بحيث أصبح ذاك الحزب الطرف الأقوى والأفعل الذي يحسب الجميع حسابه ولا يستطيع أحد تجاوزه أو التصدي له ؟؟ هل أمتلاكه للسلاح هو الذي مكنه من هذا كله ، أم هناك أسباب أخرى ظاهرة أو خفية سهلت ورعت سلطته المحلية التي أسماها البعض : ” دولة داخل الدولة “..
١ – قبيل عودته إلى لبنان زار العماد ميشال عون أمريكا ومعه جبران باسيل لعدة أشهر إلتقى خلالها أعضاء في الكونغرس وشخصيات صهيونية ؛ نشر وقتها أن مكتبا للعلاقات العامة قريبا من الإيباك هو الذي نظم تلك الزيارة.. وبعيد عودته إلى لبنان تحالف مع ” حزب الله ” فيما عرف بإتفاق مار مخايل الإستراتيجي بين ” التيار الوطني الحر ” (( العماد عون )) والحزب..فشكل هذا الإتفاق غطاء لأمرين مهمين :
– الأول : تغطية مسيحية للحزب الإيراني سيما وان العماد عون كان يتمتع بتأييد شعبي ملحوظ نظرا لوعوده الدائمة بمحاربة الفساد وإزالة آثار ” الإحتلال السوري ” كما كان يسميه..
– الثاني : عودة المتعاملين مع العدو الصهيوني بمن فيهم المنضوين في جيش لبنان الجنوبي الذي أنشأته دولة الإسرائيلي في جنوب لبنان أثناء الحرب اللبنانية ..وكان هذا الإتفاق سبيلا لعودة معظم هؤلاء والإفراج الفوري بعد محاكمة شكلية ثم عودة العسكريين منهم الى القوى العسكرية اللبنانية بكامل حقوقهم ورواتبهم..كما كان سبيلا للإفراج اللاحق عن كل من تبين له علاقة سرية بالأجهزة الصهيونية أو تعامل معها ..وفي هذا السياق كان الإفراج عن العميل عامر فاخوري مؤخرا بمعرفة وتسهيل وسكوت الحزب والسلطات الرسمية اللبنانية ..
## في حين أن العسكريين الذين إلتحقوا بجيش لبنان العربي آنذاك لم يسمح لهم بالعودة الى الجيش وحرموا من جميع حقوقهم ورواتبهم ..وإلى اليوم ..##
٢ – في غمرة انتصارات المقاومة الشعبية العراقية ضد الاحتلال الأمريكي ، بدءا من معارك الفلوجة ٢٠٠٤ وما تلاها من صمود ومعارك كبدت الأمريكيين خسائر فادحة ،
اختطف مسلحون لبنانيون ينتمون إلى حزب إيران جنديين إسرائيليين تجاوزا خط الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة ، لا يحملان سوى سلاحهما الفردي في دورية – كما قيل – تشبه النزهة..فباشرت قوات الإسرائيلي عدوانا شاملا تدميريا على لبنان فيما عرف بحرب تموز ٢٠٠٦..وتوقفت الحرب باتفاق سلام بين ” حزب الله ” والعدو الصهيوني برعاية الولايات المتحدة الأميركية بواجهة الأمم المتحدة ، تضمن تعهد الحزب بضمان أمن حدود لبنان الجنوبية واستقدام قوات دولية تشغل المنطقة الحدودية وتحمي الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة..بالمقابل تعهدت أمريكا بإدخال الحزب طرفا فاعلا مشاركا في السلطة اللبنانية..وهذا ما كان فأصبح طرفا رئيسيا شريكا في مؤسسات الدولة ومقررا أساسيا في فعالياتها وتوجيه سياساتها وضبط توجهاتها..
وقد أسفرت حرب تموز عن نتائج أخرى، إضافة إلى اتفاق السلام وحماية الحدود ثم إدماج الحزب في السلطة اللبنانية ، عن تضامن شعبي لبناني وعربي واسع مع ” حزب الله ” باعتباره تصدى وصمد أمام العدوان الإسرائيلي..
هذا فيما عدا صرف انتباه واهتمام الجميع عما يجري في العراق وصمود المقاومة الشعبية العراقية ؛ فكان أن استفردت أمريكا مستعينة بإيران وأدواتها وحرسها ” الثوري ” للانقضاض على المقاومة وتفجير العراق من الداخل ونهبه وإفقار شعبه وفرض سلطة فاسدة عميلة عليه..
وكان أن تفرغ الكيان الصهيوني أكثر لتدمير العراق وإقامة الكيان الكردي …
وهكذا تحققت لحزب إيران في لبنان إستجابة شعبية مهدت لتقبل مشاركته في السلطة بسلاسة ويسر..
٣ – يلاحظ منذ ذلك الوقت تغير خطاب ” حزب الله ” ليصبح خطابا سياديا وكأنه صاحب الأمر والنهي فيما يخص لبنان ..
وراح يمد شبكة علاقاته وإمتداداته في النسيج الاجتماعي والإعلامي والأمني اللبناني وسط سكوت وقبول ورضى جميع أطراف السلطة اللبنانية بما فيها القوى الأمنية..
كما يلاحظ تعاون وتسهيل القوى والشخصيات التي تحسب تاريخيا على النفوذ الأجنبي فيما دل بوضوح إلى الرعاية الأمريكية لدخوله إلى السلطة ثم تسلطه عليها..في ظل هذه الأجواء بدأ الحزب ببناء مؤسساته الخاصة به لتكون بديلا له عن الدولة بحجة عدم الثقة بأطراف السلطة..
– فقام بمد شبكة اتصالات هاتفية سلكية خاصة به وحفر لها ومدها تحت الأرض على مرأى وسكوت الجميع وبحماية القوى الأمنية اللبنانية ..مستغلا رصيده الشعبي الذي تشكل بعد حرب تموز على أنه قاوم عدوانا إسرائيليا..-
والمعروف أن الجيش اللبناني على علاقة طيبة مع أمريكا التي تزوده بخبرات تدريبية وتأهيلية وبأسلحة متنوعة منذ سنوات ولم تتوقف..هذا الجيش ذاته الذي غض الطرف عن استيلاء ” حزب الله ” على المرافق الحيوية الأساسية للدولة اللبنانية.
ورغم تواطؤ الحزب مع مسلحي ” داعش ” في جرود عرسال على حساب الجيش اللبناني، إلا أن هذا الجيش سكت على مضض لأن قوى أكبر من الجميع تفرض ذلك ..
أما تأييد وتغطية وتبرير كل أعمال ومواقف الحزب من قبل ألتيار الوطني الحر ( عون وباسيل ) فيبين بوضوح مدى الرعاية الأمريكية – الغربية لتسلط الحزب على السلطة اللبنانية..
فيما اقتصرت معارضة بعض القوى الأخرى على المواقف الكلامية ، مع مشاركته عمليا في إقتسام منافع السلطة وتوزيع حصصها والتحالف الإنتخابي أو النقابي هنا أو هناك ..( القوات اللبنانية ، المستقبل وسعد الحريري وجنبلاط والكتائب..)
٤ – في هذه الأجواء استولى ” حزب الله ” على جزء من مرفأ بيروت وعلى جزء آخر من مطار بيروت كذلك على الحدود البرية للبنان مع سورية..بحث صارت هذه المرافق الحيوية الأساسية ؛ تحت الوصاية الأمنية المباشرة للحزب إياه دون تدخل أو مساءلة من أحد ودون اعتراض أحد أيضا..
وراح الحزب يستخدم هذه المرافق المهمة ( وكانت مصدرا أساسيا للموارد المالية للدولة اللبنانية ) للتهريب والتجارة وإستيراد ما يريد وإخراج ما يريد في ممرات وطرق خاصة له لا يتدخل فيها أحد..أكثر من هذا راح يستوفي الرسوم ويجبي الأموال من التجار الآخرين الذين يستخدمون تلك المرافق لتجارتهم..
وبإمتلاك الحزب لهذه الإمكانيات والتسهيلات والرعاية الرسمية والدولية صار الطرف الأقوى في السلطة وصار يأمر وينهي في كثير من الأمور اللبنانية..
فوق كل هذا أنشأ ميليشيا رديفة باسم ” سرايا المقاومة ” عناصرها من” السنة ” مذهبيا باعتبار أنه لا يقبل في صفوفه غير العناصر ” الشيعة “..
فما هي وظيفة هذه السرايا وما الدور الذي يعد لها؟؟
٥ – وحينما اندلعت الثورة الشعبية في سورية؛ تكشفت أكثر وأكثر أبعاد إقليمية وعربية أوسع مدى ودور وظيفي أفعل ل ” حزب الله ” فكان دوره القتالي في سورية والعراق واليمن يبين بعدا آخر من ذلك الاتفاق الذي رعته أمريكا بعد حرب ٢٠٠٦ بحيث سمح له بهذا الدور بما يتوافق مع المشروع الأمريكي للمنطقة العربية بتفتيتها مذهبيا وطائفيا وعرقيا..
٦ – كان هذا الحال حين وقع الانفجار المروع في مرفأ بيروت والذي أدى إلى خسائر ضخمة جدا مما جعله يتسبب بنكبة حلت بلبنان علاوة على ما كان عند اللبنانيين من ويلات ومصائب ناتجة عن فساد السلطة وتخليها الكامل عن واجباتها لا بل وتعديها على الشعب بما ترتكبه من موبقات وجرائم وفساد. الأمر الذي أوصل اللبنانيين عموما إلى حالة من الإحباط وفقدان الأمل القاطع بجميع أطراف السلطة وجعلهم يعيشون حالة نفسية تنظر للتدخلات الدولية وكأنها قد تكون خشبة خلاص، سيما في غياب أي دور عربي فاعل يمكن الركون إليه..
٧ – يتضح من المعلومات المثبتة بالوقائع أن المادة التي تسببت بالانفجار الكبير ليست كل كمية نترات الأمونيوم التي أفرغتها السفينة المشبوهة التي حيكت حولها أكاذيب ملفقة لإخفاء حقيقتها.. مما يعني أن كميات كبيرة سحبت منها تباعا فيما يقول كثيرون أنها كانت تنقل إلى سورية وتستخدم في البراميل المتفجرة التي يلقيها النظام على الشعب السوري..
ولم يكن بمقدور أحد من مسؤولي المرفأ أو مؤسسات النظام التصرف بالمادة المخزنة لأن طرفا أقوى منهم جميعا هو الذي استقدمها ويحميها ويستخدمها. والوقائع والشهادات الكثيرة تشير إلى الذين كانوا يسيطرون على المرفأ، أي حزب إيران..وما نفي الحزب لأية صلة له بالمرفأ وما فيه ، إلا تأكيد على العكس..
٨ – خلاصة: إن مصير لبنان الحالي قد أصبح مرتهنا بالتدخلات الأجنبية، أكثر من أي وقت مضى. ومع وجود الغاز والنفط في البحر اللبناني، وغياب الدور العربي وعدم قدرة الانتفاضة الشعبية على فرض مطالبها، فإن هذه التدخلات التي ازدحمت فور وقوع الانفجار، لن تكون في مصلحة لبنان والمنطقة العربية..
ومما لا شك فيه فإن ترتيبات مريبة يتم الإعداد لها – دوليا – ذات صلة بمصير المشرق العربي والمنطقة كلها..
فهل كان الانفجار – النكبة مبررا لإخراج الأطماع الأجنبية إلى العلن وترسيم الحدود البحرية لمصلحة العدو الصهيوني؛ بتواطؤ من بعض القوى اللبنانية وأطراف السلطة ذاتها؟؟
وهل ينفجر الداخل اللبناني تحت ذريعة رفض تسليم السلاح للوصاية الدولية؟؟
المصدر: كل العرب