أمين العاصي
لم يحُل اتفاق موسكو المبرم بين الجانبين الروسي والتركي، والذي أرسى دعائم وقف إطلاق النار في الشمال الغربي من سورية، دون استهداف قوات النظام والمليشيات المساندة لها بقصف مدفعي لمدينة أريحا، التي تعد من أبرز مدن الريف الجنوبي لمحافظة إدلب، والتي تكتسب أهمية كبرى في الصراع الدائر بين هذه القوات وفصائل المعارضة السورية، التي تتبع استراتيجية الدفاع عن مواقعها التي انحصرت في بقعة جغرافية ضيقة تضم ملايين المدنيين.
وقالت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، إن قوات النظام السوري صعدت من قصفها المدفعي، صباح أمس الإثنين، على مدينة أريحا وبلدات إحسم والفطيرة وكفرعويد وسفوهن وفليفل في ريف إدلب الجنوبي. وأضافت المصادر أن القصف أسفر عن مقتل مدني وإصابة سبعة آخرين في أريحا، فضلا عن وقوع أضرار مادية في جميع المناطق. من جانبه، وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل مدنيين اثنين، أحدهما نازح والآخر مجهول الهوية، بالإضافة إلى وقوع 9 جرحى، جراء قصف صاروخي نفذته قوات النظام على الأحياء السكنية لمدينة أريحا.
ويأتي هذا التصعيد من طرف قوات النظام على مدينة أريحا ومحيطها، بالتزامن مع زيارة وفد روسي إلى دمشق، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء يوري بوريسوف، ويضم وزير الخارجية سيرغي لافروف، لإجراء مباحثات مع المسؤولين في النظام السوري حول تطوير التعاون الثنائي. ومنذ توقيع اتفاق موسكو، بين تركيا وروسيا في 5 مارس/آذار الماضي، والذي أرسى دعائم وقف إطلاق نار في شمال غربي سورية، تتعرض مدينة أريحا لقصف مدفعي متقطع من قبل قوات النظام، التي تؤكد معطيات ميدانية أن المدينة ستكون هدفها المقبل، نظراً لأهميتها في الصراع الدائر على محافظة إدلب ومحيطها والذي يأخذ بين فترة وأخرى أبعاداً جديدة. ولا تزال فصائل المعارضة السورية حريصة على استمرار هذا الاتفاق، حيث تكتفي بالتصدي لمحاولات التسلل المتكررة من قبل قوات النظام التي تستهدف السيطرة على كامل المنطقة الواقعة جنوب الطريق الدولي “أم 4″، بهدف جعل هذا الطريق عازلاً بينها وبين مناطق فصائل المعارضة الضيقة جغرافياً، والتي تضم نحو 4 ملايين مدني.
وتقع أريحا إلى الجنوب الغربي من مدينة إدلب، مركز المحافظة التي تحمل نفس الاسم، بنحو 15 كيلومتراً. وهي تتمتع بموقع حيوي، كونها تتموضع على سفح جبل الأربعين الذي يشرف على مساحات واسعة في محافظتي إدلب وحماة، ويقع إلى الجنوب الشرقي من أريحا. كما يمر بجانبها الطريق الدولي حلب – اللاذقية “أم 4” الذي يربط بين منطقة الساحل في غربي البلاد، ومدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري، من الطرف الشمالي للمدينة، ما يجعلها تتموضع جنوب الطريق، وهي المنطقة التي تحاول قوات النظام السيطرة عليها بشتى الطرق. كما تعد أريحا عقدة مواصلات بين جبل الأربعين وجبل الزاوية، ومدن إدلب وجسر الشغور وسراقب.
ومدينة أريحا التي كان عدد سكانها في عام 2011 نحو 50 ألف نسمة، تضم اليوم نحو 80 ألف مدني ما بين سكان ونازحين من مختلف المحافظات، وفق رئيس فريق “منسقو الاستجابة” في الشمال السوري محمد الحلاج. وأوضح، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المدينة “شهدت فترة هدوء نسبي بعد توقيع الاتفاق التركي الروسي”، مشيراً إلى أن “أريحا تعرضت لقصف منتصف يوليو/تموز الماضي، ما أدى إلى وقوع إصابات بين المدنيين”. وأضاف “لم تشهد المدينة حركة نزوح منذ توقيع اتفاق موسكو”.
ويدرك طرفا الصراع في الشمال الغربي من سورية أهمية أريحا في مجرى هذا الصراع، كونها بحسب القيادي في فصائل المعارضة السورية العقيد مصطفى البكور “مدينة كبيرة وذات موقع مهم، كونها المدخل إلى جبل الأربعين وجبل الزاوية”. وأشار، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن مدينة أريحا “حاكمة للطريق باتجاه منطقة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي”. وأوضح البكور أن أريحا “بوابة مدينة إدلب الجنوبية، ومن يسيطر عليها يتحكم بمساحات واسعة، كونها تتحكم بالطريق الدولي أم 4 وتفرعاته باتجاه منطقة جبل الزاوية”.
إلا أن أهمية السيطرة على أريحا بالنسبة للنظام تكمن في الوصول إلى أكبر المدن الواقعة على الطريق الدولي حلب – اللاذقية “أم 4″، الذي يلح النظام الروسي، بعد تسيير الدوريات مع الأتراك، على فتحه بأسرع وقت أمام الحركة الطبيعية والتجارية، في مسعى لمحاولة إنقاذ النظام اقتصادياً. وتشير المعلومات المسربة من أورقة الاجتماع بين الدبلوماسيين الروس والأتراك في موسكو، الأسبوع الماضي، إلى أن أنقرة لا تزال متحفظة على افتتاح “أم 4″، قبل حل مسألة السيطرة على طريق حلب – دمشق “أم 5” المار من إدلب، بعد أن سيطر النظام، مع الروس ومليشيات إيرانية، عليه، رغم أن المسافة التي يقطعها “أم 5” في إدلب تعتبر ضمن ما يعرف بـ”منطقة خفض التصعيد”، التي تعد تحت المراقبة التركية بحسب اتفاق سوتشي في سبتمبر/أيلول 2018.
وتعد أريحا من أجمل المدن السورية حيث تتمتع بطبيعة جغرافية جعلتها من أهم مناطق الاصطياف في الشمال الغربي من البلد. وتعرضت المدينة، التي سيطر عليها الجيش السوري الحر بشكل كامل أواخر 2014، لقصف جوي من قبل طيران النظام والمقاتلات الروسية على مدى أعوام الثورة السورية، ما أدى إلى مقتل وتشريد عدد كبير من أبنائها، إضافة الى تدمير جزء منها. ولا تزال فصائل المعارضة السورية تسيطر على ثلاث مدن كبيرة في محافظة إدلب، هي أريحا، وإدلب المدينة، وجسر الشغور، بعد خسارتها مدينتي سراقب ومعرة النعمان في فبراير/شباط الماضي، إثر حملة عسكرية واسعة النطاق من قبل قوات النظام، تحت غطاء جوي روسي. ومن الواضح أن فصائل المعارضة السورية تستميت في الدفاع عن المدن الثلاث، لأن سقوطها بيد النظام يعني خروجها عملياً من الصراع في الشمال الغربي من سورية.
المصدر: العربي الجديد