أمين العاصي
لم تزل مشاهد عشرات آلاف النازحين والمهجرين نتيجة التدخل الروسي المباشر في سورية، في سبتمبر/ أيلول من عام 2015، حيّة في الذاكرة السورية، إذ دفع القصف الجوي الروسي ملايين المدنيين إلى النزوح القسري من مدنهم وبلداتهم وقراهم إلى الشمال السوري، ونجح عدد كبير منهم بالعبور إلى الأراضي التركية، بينما لا يزال العدد الأكبر يعيش ضمن ظروف صعبة في ريفي حلب وإدلب.
وفي أحدث تقرير لها، أشارت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إلى أنه “كان لحجم العنف المتصاعد الذي مارسته القوات الروسية الأثر الأكبر في حركة النُّزوح والتَّشريد القسري”، مضيفة: ” أسهمت هجماتها بالتوازي مع الهجمات التي شنَّها الحلف السوري الإيراني في تشريد قرابة 4.5 ملايين نسمة، معظم هؤلاء المدنيين تعرضوا للنزوح غيرَ مرة”.
ومنذ الأيام الأولى للتدخل الروسي إلى جانب قوات النظام بدأت موجات النزوح وخاصة مع بدء ارتكاب المقاتلات الحربية الروسية لمجازر بحق المدنيين في ريف حمص الشمالي وريف حماة الشمالي. وفي بدايات عام 2016، وفر الطيران الروسي غطاء جوياً للوحدات الكردية في ريف حلب الشمالي للتقدم على مناطق كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة، وخاصة مدينة تل رفعت وقرى في محيطها، ما أدى إلى تشريد عشرات الآلاف.
وفي تقرير له، أشار فريق “منسقو الاستجابة” المعني بتوثيق أرقام النازحين والمهجرين في الشمال السوري، إلى أنه سجل نزوح 704184 مدنياً نتيجة العمليات العسكرية والهجمات على المناطق الآمنة من عام 2016 إلى عام 2018.
وخلال هذه السنوات اضطرت فصائل المعارضة السورية إلى إبرام اتفاقات “مصالحة” مع النظام تحت إشراف روسي، هجرت المعارضين لها من عسكريين ومدنيين إلى الشمال السوري.
وكانت روسيا هجرت عشرات الآلاف من أحياء حلب الشرقية أواخر عام 2016 إلى محافظة إدلب نتيجة اتفاق لتسليم هذه الأحياء لقوات النظام والمليشيات الإيرانية عقب معارك ضارية لم تستطع فصائل المعارضة الصمود فيها نتيجة القصف الجوي الروسي الذي تسبب بمقتل المئات من المدنيين الذين كانوا يقبعون تحت الحصار.
وبيّن الفريق أنه سجل خلال هذه الأعوام تهجير 218459 تهجيراً قسرياً وخاصة من العاصمة دمشق وريفها ومن درعا والقنيطرة وحمص، نتيجة الاتفاقات مع الجانب الروسي. وأبرز المناطق التي هُجر أهلها أحياء جنوب دمشق، ومدينتا داريا والمعضمية في غرب وجنوب غرب العاصمة، وحي القابون الدمشقي ومنطقة وادي بردى وقدسيا والتل والهامة ورنكوس في ريف دمشق، إضافة إلى غوطة دمشق الشرقية والقلمون الشرقي ومناطق في ريف حمص الشمالي، ومن محافظتي درعا والقنيطرة جنوبي سورية.
وفي أواخر العام الماضي، وفّر الطيران الروسي غطاء جوياً لقوات النظام والمليشيات الإيرانية والتي تقدمت في أرياف حماة وحلب وإدلب وهو ما أدى إلى نزوح أكثر من مليون مدني باتجاه الشمال السوري، وخاصة من ريف حماة الشمالي ومن مدن خان شيخون ومعرة النعمان، وسراقب التي تضم عشرات آلاف المدنيين.
وتؤكد مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد”، أنّ هناك نحو 900 ألف مدني في مخيمات محافظة إدلب، ونحو 250 ألفاً في منطقة “درع الفرات” في ريف حلب الشمالي.
ونتيجة للعمليات العسكرية والقصف الجوي الروسي، باتت محافظة إدلب من أكثر المحافظات اكتظاظاً بالسكان حيث تقدر مصادر محلية وجود نحو 4 ملايين مدني في بقعة جغرافية ضيقة في ظل ظروف معيشية سيئة للغاية.
ولا يزال الجانب الروسي يرفض إعادة هؤلاء المهجرين إلى مدنهم وبلداتهم ضمن اتفاق مع الجانب التركي، وهو ما يعمق مأساة النازحين والمهجرين في الشمال الغربي من سورية.
المصدر: العربي الجديد