عماد كركص
من المتوقع أن تؤثر التطورات الإقليمية في إقليم ناغورنو كاراباخ وليبيا على التفاهمات التركية – الروسية في سورية، نظراً لتشابك الملفات على طاولة التفاوض وحتى جبهات القتال، إلا أنه من غير المنتظر أن تنسف تلك التطورات بما توافق عليه الروس والأتراك تحديداً شرقي الفرات وشمالي حلب. مع العلم أن المنطقة الأخيرة تشهد هدوءاً واستقراراً منذ حوالي أربعة أعوام، بعد خضوعها تحت النفوذ التركي برضى روسي ومباركة دولية. غير أن قيادياً في “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا كشف عن معلومات حول نوايا روسية لشنّ عملية عسكرية شمالي حلب وشرق الفرات، ما يعيد هذه المناطق إلى دائرة الأضواء من جديد في حال اشتعالها مجدداً.
مع العلم أن المناوشات العسكرية بين “الجيش الوطني السوري” والجيش التركي من جهة، و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) من جهة أخرى، لا تزال قائمة في مناطق شرق الفرات بعد العملية العسكرية التركية الأخيرة في مدينتي تل أبيض ورأس العين ومحيطهما. لكن منطقتي “درع الفرات”، التي تضم مدن الباب وجرابلس واعزاز ومحيطها، و”غصن الزيتون”، عفرين وريفها، تشهد استقراراً على جبهاتها منذ وضعها تحت النفوذ التركي وإدخال الخدمات التركية إليها. ولم تظهر نوايا روسية ولا حتى للنظام باسترجاعها في الفترة الأخيرة. في المقابل، يقتصر رد المجموعات الكردية على استهداف المعارضة والأتراك بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة.
وكشف رئيس المكتب السياسي في “فرقة المعتصم” التابعة لـ “الجيش الوطني” مصطفى سيجري على حسابه في “تويتر”، أنه تم “رفع الجاهزية العسكرية في مناطق عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، استعداداً لصدّ أي عدوان روسي محتمل على المنطقة، بعد ورود معلومات عن نية روسية شن عملية عسكرية ضد المنطقة الخاضعة لتفاهمات تركية روسية سابقة، تمنع العدوان وتجاوز الخطوط، في تصعيد خطير ومحاولة للضغط على تركيا”. وأوضح سيجري في حديث لـ”العربي الجديد” أن “معلوماته مؤكدة” حول النوايا الروسية، وأنها “وصلته من جهة إقليمية”، رافضاً الكشف عنها.
وعن الأسباب التي تدفع روسيا للتصعيد مجدداً شمالي حلب وشرق الفرات، أوضح سيجري: “من الواضح أن الخلافات أبعد من الملف السوري، وبطبيعة الحال دائماً ما جعل الروس من الأراضي السورية صندوق للرسائل النارية وورقة للضغط على الأتراك”، مضيفاً أن “الأوضاع في ليبيا والمتوسط وأذربيجان لا يمكن فصلها عن الملف السوري، هذه هي السياسة الروسية”.
وعن خيارات المعارضة المسلحة والأتراك في حال تأكدت المعلومات، أشار القيادي إلى أنه “اتخذنا الاستعدادات اللازمة، وأكد الأتراك وقوفهم إلى جانبنا، في حال ذهب الروس باتجاه التصعيد ونقض الاتفاق. وبالتأكيد لن يكون الطريق أمامهم مفتوحاً، وسيخسر الروس الأتراك باعتبارهم جهة ضامنة”.
وعلى الرغم من أن سيجري لم يؤكد أو ينفي شمول إدلب بدائرة التطورات والتصعيد الروسي في حال تحرك الروس إلى جانب “قسد” أو النظام شرقي الفرات، إلا أنه من المتوقع أن يكون الضغط الروسي على أنقرة في إدلب وجبهاتها. فقوات النظام ومليشيات مدعومة من روسيا ومليشيات إيرانية تحشد على خطوط التماس جنوبي إدلب وشرقها. وهو ما استعدت له أنقرة والمعارضة بزيادة تعزيزات الجيش التركي إلى إدلب في الشهرين الأخيرين، فضلاً عن إعادة تموضع المعارضة استعداداً للتطورات. وسبق للنظام أن أوحى مراراً بنيته إنهاء الاتفاق الروسي – التركي لوقف إطلاق النار في إدلب، المبرم في مارس/ آذار الماضي.
أما شرق الفرات فليس للنظام أو “قسد” القدرة العسكرية الكبيرة على مواجهة التواجد التركي والفصائل، حتى وإن حظي تحركهما بدعم روسي. فالنظام يوجد في بعض جيوب في الحسكة وريفها للمحافظة على بقعة صغيرة، لا تزال تحت سيطرته برضى من “قسد” التي تعمد دائماً إلى تقليصها، في حين أن الحضور الأكبر لقوات النظام في بلدة عين عيسى شمالي الرقة وفي جزء صغير من مطار الطبقة. وتُقابل تلك القوات ترسانة كبيرة من الجيش التركي شمالي عين عيسى، غير أن قوات النظام استُدرجت أخيراً إلى مستنقع البادية، التي باتت تشكل ما يشبه ثقباً أسود يبتلع الأرتال المتجهة إليها سواء من الغرب أو من دير الزور، بفعل خلايا “داعش” المنتشرة فيها.
أما بالنسبة لـ “قسد”، فقد برهنت معركتان سابقتان لها مع الجيش التركي وفصائل المعارضة المدعومة من قبلها، عدم القدرة على الصمود والمواجهة نظراً للتفوق العسكري والتقني للأتراك، براً وجواً. يُشار إلى أن الأتراك أخيراً طلبوا من فصائل “الجيش الوطني السوري” رفع الجاهزية في حلب وإدلب، رغم تأكيد قيادي رفيع في “الجيش الوطني السوري” لـ “العربي الجديد” حينها أن حالة الاستنفار ورفع الجاهزية التي نفذها “الجيش الوطني” في حلب وإدلب ليست سوى إجراء اعتيادي، دائماً ما يتم اللجوء إليه للتأكد من جاهزية الوحدات المقاتلة.
المصدر: العربي الجديد