منصور حسين
تعتبر المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري في محافظة دير الزور شرق سوريا إحدى أكثر المناطق سخونة في الحرب الباردة والتنافس المستعر بين إيران وروسيا للسيطرة على موارد البلاد ومواقعها الاستراتيجية.
وتصاعدت في الأسابيع الأخيرة حدة التوتر هناك بين المليشيات التابعة للحرس الثوري الايراني والفرقة الرابعة من جهة، والقوات الروسية والمليشيات المحسوبة عليها من جهة أخرى.
وعلى مدى الشهرين الماضيين لم يكد يخلو يوم من الاشتباكات بين الميليشيات التابعة للطرفين، في محاولة لفرض النفوذ على المناطق الاستراتيجية بريف دير الزور، إذ يسعى الحرس الثوري من خلال القوات التابعة له للضغط على منافسيه لإجبارهم على الانسحاب من بادية المحافظة التي تضم آباراً نفطية وحقول غاز، بالإضافة إلى تأمين الشريان البري الوحيد الواصل بين العراق وسوريا، في حين تدعم القوات الروسية حلفاءها من جيش النظام والمليشيات المحلية للسيطرة على كامل الجزء الخاضع لسيطرة النظام شرقي نهر الفرات.
تهديدات
ومع تزايد وجود القوات الروسية في البادية السورية خلال الأسابيع القليلة الماضية بحجة مواجهة تنظيم “داعش”، وتسييرها دوريات عسكرية على طول الشريط الحدودي الخاضع لسيطرة الحرس الثوري من الجانبين، بدءاً من منفذ البوكمال (معبر القائم) وصولاً إلى الحدود الاردنية السورية (التنف)، الأمر الذي اعتبرته إيران تهديداً مباشراً لنفوذها بالمنطقة وخاصة خطوط الإمداد ما دفع ميليشياتها إلى اعتراض دوريات روسية مرات عدة.
وما فاقم من حدة الأزمة الحشود العسكرية التي استقدمتها روسيا مؤخراً من البادية الجنوبية وريف حمص إلى المنطقة، بالتزامن مع عقدها اجتماعاً ضم قياديين في الفرق العسكرية التابعة لجيش النظام في مدينة دير الزور الاسبوع المنصرم، بهدف ترتيب الأوضاع الأمنية والعسكرية في المدينة، وإعادة تفعيل المؤسسات الخدمية، بينما كثفت من تسيير الدوريات في مناطق تواجد مليشيا “لواء القدس” الموالي لها بريف مدينة البوكمال، رداً على العمليات الاستفزازية لمسلحي الحرس الثوري والمقاتلين المحليين التابعين له، بالإضافة إلى التضييق على الأرتال التجارية التابعة للنظام.
وكنتيجة حتمية للتوترات المتصاعدة والحشود العسكرية من طرفي النزاع في منطقة البادية الجنوبية والشرقية، كان الصدام العسكري متوقعاً، حيث شهد حقل الورد النفطي بريف مدينة البوكمال اشتباكات وتبادل سيطرة بين الفوج 47 التابع للحرس الثوري من جهة، ومليشيا الدفاع الوطني والحرس الجمهوري من جهة أخرى، انتهت بتثبيت نقاط عسكرية تضم جنوداً روس ومقاتلين محليين لتأمين الحقل النفطي.
وقال الناشط الاعلامي محمد الناصر المتواجد في مدينة دير الزور ل”المدن”، إن “روسيا تسعى جاهدة لبسط نفوذها على كافة النقاط الحيوية في المنطقة متمثلة بحقلي التيم والورد، وجسر المريعية، والحواجز العسكرية الرئيسية عند مداخل المدن والمعابر المائية، من خلال استقدام تعزيزات عسكرية من المقاتلين المحليين المنتشرين في مناطق البادية الجنوبية والشرقية مثل مليشيات فراس عراقية وحسن الغضبان، إضافة إلى تكثيف التواجد الأمني في المدن التي تتقاسم السيطرة عليها مع المليشيات الايرانية واللبنانية مثل الميادين والموحسن والبوكمال.
وأضاف أن هذه التغيرات دفعت بالمليشيات الطائفية إلى الزحف ومحاولة السيطرة على بعض النقاط الاستراتيجية في المنطقة، إلا أن الروس الذين تمكنوا مؤخرا من استقطاب مليشيا لواء القدس في دير الزور وضمها إلى القوات المحلية التابعة لها، باتوا هم الأقوى عسكرياً بسبب سيطرتها على الدفاع الوطني وقوات النظام، ما دفع الإيرانيين إلى شن هجمات متفرقة تستهدف نقاط جيش النظام تارة وتارة أخرى تستهدف المدنيين لبث الرعب والخوف والبرهنة للروس بأنهم غير قادرين على حماية المنطقة وحدهم.
تحركات إيرانية موازية
وتدرك ايران حجم المخاطر المحيطة بها جراء التحركات الروسية المتسارعة التي تهدف إلى تضييق نفوذها على المعابر والمنافذ التجارية، وإبعادها عن المناطق السكنية التي تمثل اليوم خزاناً بشرياً تعتمد عليه في تجنيد المقاتيلين وإرسالهم إلى جبهات القتال تحت رايتها، الأمر الذي دفعها إلى شن غارات منفصلة على نقاط المليشيات المنافسة بريف مدينة البوكمال تحت غطاء مواجهة تنظيم “داعش”.
كما تحاول إيران السيطرة على كامل بادية الشام والمناطق الاستراتيجية، بما في ذلك حقل التيم أكبر حقول النفط الخاضعة الخاضعة لسيطرة النظام عبر مليشيا لواء القدس، وحقل الورد، إضافة إلى الطرق التجارية ومحطة “t2” المُسيطر عليها من قبل مليشيا القاطرجي، والتي شهدت العديد من الاشتباكات والمناوشات بين المليشيات المسيطرة وعناصر تابعين لإيران، إضافة إلى اصرارها على عدم تواجد أي قوات مسلحة لا تنتمي لها في منفذ القائم وكامل الشريط الحدودي.
وتحولت دير الزور إلى مركز اقتصادي وتجاري مهم بالنسبة إلى النظام وحلفائه، تمر عبر قنواته المائية المستحدثة التي يتقاسم السيطرة عليها مع المليشيات الايرانية، المخدرات وخزانات النفط الخام والمحاصيل الزراعية فضلاً عن باقي أصناف التهريب، ما جعل من المحافظة سوقاً استهلاكياً مستقلاً لتوريد وتصدير البضائع، إضافة إلى الأهمية العسكرية والسياسية بالنسبة لإيران تحديداً.
المصدر: المدن