فتحي رشيد
الحدود من الناحيتين التاريخية والقا نونية :
من المعروف أن مسألة ترسيم الحدود بين الدول القومية والوطنية على نطاق العالم هي مسألة حديثة ,بدأت مع انهيار الإمبراطوريات القديمة في أوربا بعد الثورة الفرنسية وتوقف غزوات نابليون بونابرت عام 1815 .ثم راحت تعم العالم خاصة الشرق بسبب عمليات توسع الدول الاستعمارية للإ نفراد بالمناطق المتنازع عليها .
وكما يرى د.”ألفت عبد الله” في كتابه “مشكلات الحدود العربية ” ( أن الحدود بين الدول العربية لم يكتمل ترسيمها من قبل الدول الاستعمارية إلا بعد الربع الأول من القرن العشرين . لتحقيق أطماعها الخاصة بما كان يتناسب حينها مع قوتها العسكرية ولاقتصادية بالتوافق مع القوى المنافسة لها على نطاق العالم ومدى قدرتها على كسب قوى محلية أكثر إلى جانبها .( ويشير أنه بعد بروز الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لمناطق معينة في تلك الدول ولوضع حد للنزاعات فيما بينها كان لابد من ترسيم تلك الحدود ,ومن ثم تثبيتها وإعطائها صفة قانونية . ولكي تثبت تلك الحدود استخدمت الدول المنتصرة بعد الحربين العالميتين كلا من عصبة الأمم المتحدة عام 1918 والأمم المتحدة عام 1946 القانون الدولي لترسيخ تلك الحدود واعتبرت كل من يتعدى عليها يشكل خطرا على السلام العالمي تتوجب معاقبته عسكريا واقتصاديا .لكن ذلك لم يحصل خاصة فيما يتعلق بفلسطين .
القانون الدولي وفلسطين :
من يتابع أهم ما صدر عن هاتين المنظمتين الدوليتين يجد أنهما هم من أعطى شرعية لقيام ما تسمى دولة “إسرائيل ” على أراض ليست لها كما غضت النظر عن تجاوزها لتلك الحدود التي رسمتها لها .وهذا ما يدفعنا إلى لفت الأنظار إلى حقائق جرى تجاهلها من قبل أغلب الباحثين في الصراع الجاري في المنطقة وتحديدا على فلسطين .
أولا : مع أن وعد بلفور لم يشر إلى وجود أي علاقة تاريخية أو قانونية تربط ما بين فلسطين واليهود في العالم إلا أن عصبة الأمم المتحدة قامت عام 1922من خلال ما عرف بصك الانتداب على فلسطين بالربط بين حق الانتداب البريطاني على فلسطين وبين حق إقامة دولة لليهود على أرضها من خلال تأكيده على وجود علاقة تاريخية بين اليهود وفلسطين .
وقبل أن نسترسل في البحث أذكر بأن مزاعم كلا من الحكومات الاستعمارية أو اليهود أو الحركة الصهيونية أو بعض العرب من أنه كان لليهود في يوم ما قبل ذلك (وسواء قبل أفي أو ثلاثة آلاف عام ) دولة أو مملكة على أرض ما تعرف اليوم ب فلسطين ( وسواء عليها كلها أو على جزء منها ) .ليس له أي أساس جغرافي أو تاريخي أو قانوني باعتبار أن فكرة وقيام الدول والممالك ورسم حدود بينها( كما بينا ).هي فكرة حديثة لم تكن موجودة في ذلك التاريخ . وبأن القول أو التسليم بوجود مثل هذه الدولة سواء في الماضي أو الحاضر ما هو إلا تخرصُات سياسية بخلفية هلوسات أيديولوجية لا تستند على أية حقائق أو وقائع تاريخية أوإثنية أو آثارية أو جغرافية أو ثقافية.
ومع ذلك قامت الأمم المتحدة عام 1947 بتثبيت ذلك الحق قانونيا من خلال القرار 181 حيث أقرت الأمم المتحدة لأول مرة في التاريخ حق قيام دولة يهودية على 55%من أرض فلسطين .ومع أن هذا الكيان اليهودي لم يقم على 55% بل على 78 %من أرض فلسطين (خلافا للقرار ) .ومع أنه حكومتها المؤقتة زعمت في الطلب المقدم من قبلها للجمعية العامة للأمم المتحدة أنها سوف تلتزم بما جاء في القرارين 181 و194 إلا أنه تم الاعتراف بها من خلال القرار 273 الذي اعترف بما تسمى دولة إسرائيل كما هي . بما يفهم منه أن الالتزام بالقرارين وبالحدود التي رسمت لهذا الكيان والتي كان يجب أن تكون أساسا لاعتراف أي دولة به . إلا أن بعض الدول اعترفت بهذا الكيان واعتبرته عضوا في الأمم المتحدة بعد خمس دقائق من الإعلان عن قيامه كما فعلت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية .وهذا ما شكل ومازال يشكل مخالفة لميثاق الأمم المتحدة وللقرارات الصادرة عنها وهو ما شجع حكومات دولا أخرى على الاعتراف به وكرت السبحة حتى طالت بعض حكومات الدول العربية ومن يزعمون أنهم الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني . ومع ذلك فنحن نرى أن كل ذلك لن يدوم لأننا نعتقد أنه يتناقض مع الحقوق التي أقرتها جميع القيم والمبادئ الدينية والإنسانية والأممية . ونؤكد على أن أي اعتراف حصل أو سيحصل بهذا الكيان استنادا لوضعه الحالي والذي تثبت بالقوة بعد حرب عام 1948 هو غير قانوني وغير شرعي ومناقض للحق وللتاريخ وللمنطق .من هنا وجب التأكيد على ذلك كي لا يقع لبنان في هذا الخطأ الذي وقع فيه غيرها بعد أن قرر البحث في ترسيم الحدود مع هذا الكيان الغريب والشاذ يوم 14 أو كتوبر .وهو ما يدفعنا للتذكير ببعض الحقائق :
ثانيا : حتى تاريخ إنشاء هاتين المنظمتين العالميتين لم يكن في العالم او المنطقة العربية كيان اسمه دولة إسرائيل .ما يعني أنه الكيان الوحيد في العالم الذي نشأ بناء على قرار دولي فرضته الدول الاستعمارية . بما يفهم منه ويؤكد من ناحية أولى ,على أنه كيان مفتعل ومختلق لا أساس جغرافي أو تاريخي أو قانوني له لا يجوز الاعتراف به أو التسليم بوجوده بأي شكل من الأشكال .ومن ناحية أخرى يفترض بكل من يرغب الاعتراف به إذا أراد أن يلتزم بالقرارات الدولية التي شرعت وجوده , بمعنى أنه يتوجب عليه أن لا يعترف به وبحدوده الراهنة إلا إذا طبق القرارين 181 و194 .بمعنى أن على من يريد إبرام اتفاق سلام مع ما تسمى إسرائيل . أن يعترف فقط بالحدود التي رسمتها لها قرارات الأمم المتحدة (على 55% من أرض فلسطين فقط { دون القدس } وبالشروط ذاتها (بقاء جميع أبناء فلسطين على أراضيهم ) .أوبتثبيت حق عودة من طردوا من بيوتهم وقراهم ومدنهم . مع الحق بالتعويض عن كل ضرر مادي أو معنوي لحق بهم .
ولهذا اعتبرنا ونعتبر اعتراف كلا من حكومات مصر والاردن والبحرين والإمارات و منظمة التحرير الفلسطينية (وليس الشعب الفلسطيني ) بما باتت تسمى ” إسرائيل ” كما هي اليوم هو مخالفة صريحة وفاضحة لكل المبادئ والقيم التي قامت عليها البشرية والدول والمواثيق الدولية وبخاصة ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان عدا عن قيم جميع الأديان والأخلاق .وبخاصة من يزعمون أنهم ثوريين .
أبعاد وآفاق التفاوض على الحدود في الناقورة :
ثالثا : بما أننا بصدد تقييم اللقاء الذي تم بين وفد لبناني ووفد صهيوني في الناقورة يوم 14 أوكتوبر لعام 2020 لابد من العودة للتذكير بعدد من الأمور المتعلقة بأصل ونشأة الحدود بين ما تسمى إسرائيل ولبنان وسوريا .
أ: من يرجع لما جرى قبل وبعد الحرب العالمية الأولى . يجد أن من احتل كلا مما تعرف اليوم بمصر وفلسطين وشرق الأردن وسوريا والعراق كانت بريطانيا و فرنسا استنادا لاتفاقية أبرمها الجنرالين سايكس وبيكو عام 1916 بالتوافق مع حكومات كلا من روسيا وإيطاليا . وبأن الحدود التي رسمت بينهما كانت تعطي لفرنسا حق الانتداب والتصرف في أراض تمتد شرقا من الموصل ووسط تركيا وسوريا مرورا لبنان وفلسطين من بلدة بيسان جنوب بحيرة طبريا حتى حيفا في الغرب .(المادة الخامسة من الاتفاقية تؤكد على أن ميناء حيفا هو مخصص لتجارة فرنسا ومستعمراتها والبلاد الواقعة تحت حمايتها {يعني لبنان وسوريا }.) والمادتين التاسعة و العاشرة تؤكدان على أنه ( لا يجوز للدولتان الحاميتان للدول العربية أن تجري أية مفاوضات في أي وقت للتنازل عن حقوقهما وان لا تعطي ما لكل منهما من حقوق لغيرهما ,وأن لا تسمحا لدولة ثالثة أن تمتلك أراضي أو اقطار سوى للدولة أو حلف الدول العربية .).
بما يفهم منه أن أراضي الدول التي كانت تحتلها هاتين الدولتين هي أراض لدول وشعوب عربية لا يجوز أن تتنازل هاتين الدولتين الاستعماريتين عن أي جزء منها لدولة ثالثة . بما يؤكد على أن قيام ما تسمى دولة لليهود الأغراب على أرض فلسطين يشكل مخالفة صريحة للأساس القانوني لاتفاقية “سايكس بيكو” التي تم على أساسها احتلال هذه البلاد وتقسيمها والانتداب عليها .ما يجعل قيام هذا الكيان حتى على أساس اتفاية سايكس بيكو باطل وغير مشروع . ولتفسير ما جرى على أرض الواقع حتى وصلنا إلى مانحن عليه اليوم نذكر ب:
ما جرى بعد الحرب في مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس عام 1919 ومن ثم عام 1920في لوزان ومن ثم عام 1922 و1923 (اتفاقية بولية نوكامب ) يؤكد استنادا لما ذكره كثير من المؤرخين والباحثين الغربيين وفي مقدمتهم المؤرخ والبحث الأمريكي “وليم إنغدال ” في كتابه قرن على الحرب “أن كلا من بريطانيا وأمريكا تحت ضغط الحركة الصهيونية أرغمتا فرنسا على التراجع عن الأراضي المخصصة لها في فلسطين تدريجيا لبريطانيا (من شمال حيفا حتى رأس الناقورة . ومن بيسان جنوب طبريا وبحيرتها بما فيها بحيرة الحولة وسهولها الغنية حتى شنير ودان شمالا لبريطانيا ) كما أرغمت فرنسا عام 1921 على التنازل عن اثنتي عشر قرية (1) كان يسكنها الشيعة (المتاولة ) وأرغمتهم على الهجرة إلى جنوب لبنان ومن ثم في عام 1926 تنازلت فرنسا عن سبع قرى (2) كانت جزءا من دولة جبل لبنان الكبير وكان جزء كبير منهم يحملون الجنسية اللبنانية بتوقيع الحنرال غورو (3) وهو ما يفهم منه
أولا : أنه يتوجب على أي مفاوض لبناني أن يطالب باستعادة جميع تلك القرى وعودة سكانها إليها . وثانيا أن لا يقع حاليا تحت الضغوط ذاتها فيخطأ ويرتكب جرما .فالتاريخ لن يعذر للبنانيين الشرفاء قبول أي كان (شخصيات عابرة مثل بري وعون أن تعين شخصيات تقوم بالتنازل عن حقوق تاريخية وجغرافية وثقافية مقدسة تحت ضغط الأزمة الاقتصادية الراهنة التي يمر بها لبنان والتي كان لهاتين الشخصيتين دور في فرضها على اللبنانيين لإرغامهم على القبول بترسيم الحدود مع كيان غاصب ومعتدي وآثم .
ب: إذا عدنا لاتفاقية” بوليه نوكامب “(4) الموقع عليها عام 1923 من قبل حكومتي بريطانيا وفرنسا (والتي يستند عليها كثير من المنظرين اللبنانيين لترسيم الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني {لاحاجة بي لذكر تفاصيل الاتفاق ولا تفاصيل ما جرى بعد ذلك من تغييرات فعلية على الحدود ومن اتفاقيات لم يشر لها سوى الدكتور ياسين زكريا في كتابه المذكور آنفا }) يجد أن من رسم الحدود بين لبنان وفلسطين هما طرفان خارجيان استعماريان كان يعملان بوعي على تحقيق مصلحة طرف ثالث غريب عن البلدين وعن شعبيهما .
( وبما أن الدكتور ياسين زكريا قد أكد لي بعد تقصي قام به تبين له أن المهندسان اللذان كانا يقومان بوضع حجارة الديكسترو او الرجوم على أرض الواقع {خلافا للخرائط } كانا مهندسان عسكريان يهوديان منتميان للحركة الصهيونية أحدهما بريطاني والآخر فرنسي يرافقهما مهندسان لبنانيان وعدد من العمال والفلاحين { راكموا في موقعين تلين من الحجارة بارتفاع عدة أمتار على الأرض لترى من الطرفين . تم فيها أكل (ضم ) 192 كم مربع تعود للبنان إلى فلسطين خلافا للخارطة المتفق عليها } مايعني ويفهم منه أن من رسم تلك الحدود على الأرض إنما كان اليهود الصهاينة بما يلبي مستقبلا مصالح عسكرية واقتصادية لدولة ستقوم لهم على حساب أراض ومياه تقع في فلسطين ولبنان وسوريا . بما يعني أن التقيد بهذه الحدود التي رسمتها تلك الاتفاقية يعني مراعاة الأهداف العسكرية والجيوسياسية لما ستسمى إسرائيل لاحقا .وبأنها بالتالي ضد مصلحة جميع حكومات وشعوب المنطقة . وبما يعني أنه لا علاقة لشعبي البلدين أو من يمثلونهما أو يتحدثون بإسمهما في أية مفاوضات بتلك الاتفاقية ولا بتلك الحدود ولا يجوز اعتبارها حدوداً نهائية أو منزلة من السماء لا يجوز اللعب بها أو تغييرها . لا يجوز الاستناد عليها مطلقا في ترسيم الحدود بين البلدان الثلاثة (فلسطين ولبنان وسوريا ) كون من قام برسمها طرفان غريبان لايمتان بصلة لشعوب هذه البلدان .
ج: من يعود لخارطة الدولة العربية (الفلسطينية ) المحددة بالقرار 181 يجد أن 80%من حدود لبنان الجنوبىة يجد أنها حدود مع الدولة العربية التي ستقام في فلسطين وليست مع هذا الكيان الغاصب المسمى “إسرائيل ” . لذلك لا يجوز اعتبار هذه الأراضي في أي وقت من الأوقات ولا في أي مفاوضات أو اتفاقيات جزءا من الكيان الصهيوني لمجرد أن العصابات الصهيونية قامت باحتلالها وطرد شعبها اللبناني والفلسطيني منها عام 1948 . ولا يجوز التباحث مع من يمثلون هذا الكيان حولها بل يفترض أن يصروا على أن أي تباحث حولها يجب أن يكون مع من يمثلون الفلسطينيين المتمسكين بحقوقهم في تلك المناطق وسواها .
وكما بينا سابقا (وهذا ما يعرفه القانونيين والسياسيين اللبنانيين الوطنيين والشرفاء ) فإن على كل من يتحدث أو يفاوض باسم للبنان حاليا أن يطالب أيضا (استنادا للقرارات الدولية والقرارين 181 و194ب وقرار الاعتراف بها 273 ) أن تنسحب القوات العسكرية الإسرائيلية عن كل المنطقة الشمالية من فلسطين والتي تضم أضافة لمنطقة الجليل وعاصمته مدينة الناصرة صفد وعكا وحيفا .باعتبارها حدودا بين لبنان والدولة العربية الفلسطينية (حسب القرارات الدولية ) وليست حدودا بين لبنان وما تسمى إسرائيل .
د:لهذا نلفت النظر إلى أن مجرد قبول المفاوض اللبناني الجلوس على طاولة واحدة مع المفاوض الصهيوني وسواء أكان عسكريا فقط أو عسكريا ومدنيا وسواء أكان برعاية أمريكا وحدها او الأمم المتحدة لترسيم الحدود الدولية الرسمية بين ما تسمى إسرائيل ولبنان يعني اعتراف الوفد اللبناني بإسرائيل باعتبارها وريثة لفلسطين وشعبها .وموافقة غير مباشرة على اعتبار ممثلي العصابات الصهيونية يشكلون بديلا عمن يمثلون الشعب الفلسطيني الذي لم يقل كلمته النهائية بعد .
ونلفت نظر الشرفاء في لبنان وفي جميع البلدان العربية الملاصقة لفلسطين إلى أنه عندما يتم جلوس أي منهم مع إسرائيليين للتباحث في مسألة ترسيم الحدود فهذا بحد ذاته يعتبر تعديا على حقوق الفلسطينيين في وطنهم التاريخي وبخاصة في المناطق المخصصة لهم في الأراضي الملاصقة والمتداخلة مع جنوب لبنان أو الجولان أو سيناء أوالبحر الميت وجنوبه و خليج العقبة .
ه: كما نلفت نظر أخوتنا اللبنانيين إلى أن خط الهدنة الذي رسم في 23 آذار عام 1949 بين لبنان وما تسمى اليوم إسرائيل لم يكن يومها ولا حتى ايوم خطا لحدود دولية ولا رسمية . بل خطا لإعادة انتشار القوات العسكرية بين الطرفين المتحاربين (لذلك كان التفاوض يجري بين عسكريين فقط ) لوقف إطلاق النار . وحيث تم التأكيد على أن خط الهدنة هو خط مؤقت لا يلغي حقوق الطرفين في إعادة ترسيم الحدود بينهما أو في مطالب أخرى .إلا بعد التوصل إلى تسوية نهائية للقضية الفلسطينية .
ونذكر من نسي أن الخط الأزرق الذي رسمه الصهيوني تيري رود لارسن ” والذي ضم خلفه مناطق تعود لثلاثة عشر قرية لبنانية احتلت بعد عام 1978 مع ذلك لم يعتبر حدا نهائيا أو رسميا للحدود بل كان تثبيتا لزعم حكومة “إسرائيل ” أن ما قامت به عام الفين هو تطبيق للقرارين 425 و426 . بما يفهم منه أن لا خط الهدنة ولا الخط الأزرق يعتبر خطا للحدود الدولية , وبما يستدعي بالتالي التأكيد على أن أي بحث أو أي ترسيم للحدود الدولية الآن وقبل التوصل لحل نهائي للصراع الدائر في الشرق الأوسط يشكل مصادرة مسبقة للتسوية النهائية ولحقوق العرب سيتم من خلاله فرض تسوية غير عادلة سيتم فيها سرقة أراضي وانتزاع حقوق للعرب .
لذلك وكيلا يقال أننا سنحرم اللبنانيين من حقهم في استثمار الغاز في البلوكين رقم ثمان وتسع , أن المطلوب من المفاوضين اليوم ( وبخاصة من حزب الله الذي مازال يزعم أنه يتمسك بهذه الحقوق ويملك السلاح القادر على فرضها على المفاوض اللبناني ) سوى الإشارة في أي اتفاق على الحدود . ما يتضمن اعتبار هذه الحدود حدود اً مؤقتة تمليها اعتبارات اقتصادية لا تلغي الحقوق الجغرافية أو الإنسانية أو السياسية في فلسطين المحتلة أو أية مطالب أخرى للفلسطينيين والعرب واللبنانيين في فلسطين .
و :استنادا لميثاق الأمم المتحدة وجميع المواثيق الإنسانية والقرارات الدولية وبخاصة القرارين 242 و338 والقرارين 425 و426 نجد أنه لا يجوز مطلقا الاحتفاظ بالأراضي التي تم احتلالها بالقوة نتيجة حربي عام 1948 وعام 1967 أو العدوان الذي تم على لبنان عام 1978 بمعنى أنه يجب على أي مفاوض لبناني أن يطالب الأمم المتحدة كراعي لهذه المفاوضات أن تطالب ما تسمى إسرائيل بالانسحاب عن كل المناطق التي احتلها والتي تقع خلف الخط الأزرق الذي رسمه الصهيوني “تيري رود لارسون ” عام 2000.(5)
و: أما إذا بحثنا في مسألة ترسيم الحدود بين لبنان مع سوريا وفلسطين وبخاصة فيما يتعلق بمزارع شبعا (6) . فنجد أنه لابد من لفت النظر لما تنص عليه القوانين الدولية بما يتعلق بترسم الحدود في المناطق الجبلية الفاصلة بين أي بلدين (حسب ما ذكر الدكتورياسين زكريا ) فإن خط الحدود يجب أن يتخذ من قمم الجبال أساسا لرسم خط وهمي للحدود . بما يعني أن كل المناطق الواقعة غرب جبال حرمون وبخاصة جبل الشيخ يفترض أن تعتير تابعة للبنان بما يعني أن الاراضي التي احتلتها “إسرئيل ” في مزارع شبعا وكفر شوبا هي اراض لبنانية وليست سورية . فطالما أن تلك المزارع التي احتلتها إسرائيل بعد عام 1967 وماتزال تعتبرها أراضي سورية لن تنسحب عنها إلا في إطار تسوية مع سوريا يبدوا أنها ستطول .
وبما أن القوات الصهيونية استخدمت أراضي تلك المزارع من قبل العدو للسيطرة الاستراتيجية والعسكرية والأمنية على مساحة واسعة من جنوب لبنان وعدم تنازل الحكومة السورية عنها يصب في مصلحة “إسرائيل ” وتفوقها العسكري . لذلك كان يفترض بالحكومة السورية إذا كانت حكومة وطنية , أو شريفة أو تهمها مصلحة لبنان وشعبه وحليفها حزب الله , أن تعلن رسميا أنها أراضي لبنانية بما يسهل على الطرف اللبناني المطالبة باسترجاعها . (حتى لو كانت سورية حسب اتفاق سابق ) يفترض المنطق الوطني أن تتنازل عنها طالما أن ذلك سيكون لمصلحة لبنان .وهنا أذكر بما قاله وزير خارجية سوريا ” خليل مردم بيك ” عام 1942 أثناء ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا “إننا مستعدين للتنازل عن أي أراضي من سوريا للبنان إذا كان ذلك يصب في مصلحة الشعب اللبناني ” .
(1) القرى التابعة للبنان الكبير والتي تم ضمها لفلسطين وتم طرد سكانها منها عام 1926 إلى لبنان هي : برختا . خلة غزالة , رمتا , ربعا , مراح الملول , فشكول , قفوة , قرن , كفر دودة , زبدين , جورة العقاب , مغر شبيعة .
(2) القرى السبع التي تم ضمها لفلسطين وتم طرد سكانها منها هي :تربيخا , صلحا , المالكية , النبي يوشع , قدس , هونين , أبل القمح .
(3) نشرت في صحيفة الكفاح العربي عام 2000 هوية لوالد شاب فلسطيني من قرية الصالحية التابعة لقضاء صفد صادرة عن حكومة دولة جبل لبنان الكبير وبتوقيع الجنرال غورو بما يؤكد على أن تلك المناطق كانت تابعة إداريا للبنان الكبير .
(4) فقط من يعرف تفاصيل اتفاقية بوليه نوكامب هم الخارجية الفرنسية والخارجية البريطانية والحركة الصهيونية وعصبة الأمم . وبما أن الدكتور ياسين زكريا الحاصل على شهادة الكتوراة من باريس عام 1950 فلقد اتيح له الإطلاع على تلك الاتفاقية وعلى بنودها وعلى كل التغيرات التي لحقت بها وضمها إلى كتابه المتعلق بالحدود السورية استنادا للقانون الدولي . وهذه الدراسة موجودة لدي بالفرنسية والعربية بعد أن قام الدكتور بترجمة الجزء الأكبر منها .
(5) اسماء القرى والمناطق العائدة للبنان والتي ضمها لارسن لما تسمى إسرائيل خلف الخط الأزرق : جزء من الناقورة وأجزاء من علما الشعب, مروحين , الرميش , يارون , مارون اراس , يارين , بليدة , ميس الجبل , العديسة , كفر كلا , الوزانة .
(6) سبع مزارع مهجورة تمتد على السفح الغربي لجبل الشيخ من الطرف المقابل لعرنة في سوريا بعمق 14كم على طول 24 كم .
لابد من أن نقر ونعترف بأن الحدود التي رسمت بين الدول العربية قاطبة وخاصة بين كلا من فلسطين وسوريا ولبنان ومصر كانت تراعي منذ البداية مطالب الحركة الصهيونية غير المشروعة وغير المقبولة .وبأن أي حديث أو نقاش أو حوار عن حدود مع من يزعم أنه يمثل أو ينطق باسم هذا الكيان الغاصب والمحتل هو قبول بالاستعمار والعدوان والعبودية والاستعباد والخنوع والركوع .