مصطفى محمد
يبدو النظام السوري جاداً هذه المرة، في الموافقة على إقرار دفع البدل النقدي لإعفاء السوريين في الداخل من الخدمة الإلزامية، بعد أن كان القرار حكراً على المغتربين، وهو ما لا يبدو مستغرباً نتيجة اشتداد الأزمة الاقتصادية وبحثه عن الحلول، إلى جانب برود الجبهات العسكرية.
ومن خلال إثارة النقاش عن دفع البدل الداخلي في مجلس الشعب ووسائل الإعلام، يحاول النظام التقليل من التحفظات في صفوف جيشه، من خلال ربط هذا القرار غير المسبوق بالحديث عن رفع أجور وتعويضات العسكريين.
كذلك، تصب المُبالغة بأرقام العائدات المالية التي ستُرفد بها الخزينة العامة في حال إقرار القرار، في إطار الوعود التي يقدمها النظام لمواليه بتحسين الوضع المعيشي.
ونقلت وسائل إعلام موالية، عن عضو مجلس الشعب مجيب الرحمن دندن زعمه أن العائدات المالية المتوقعة من دفع بدل الخدمة النقدي “الداخلي”، قد تتراوح بين 1.2 إلى 3 مليارات دولار أميركي سنوياً، وأضاف أن “الظروف الاستثنائية توجب على الدولة أن تبحث عن موارد للخزينة بعيداً عن جيوب الفقراء، ومنها البدل الداخلي”.
بدوره، أكد وزير المالية في حكومة النظام كمان ياغي أن وزارته تؤيد البدل الداخلي للخدمة الإلزامية في حال استشيرت بذلك، مشيراً خلال مشاركته بجلسة لمجلس الشعب الثلاثاء، إلى أن الموضوع قيد الدراسة وقد يظهر شيء ما عنه قريباً.
وليست هذه المرة الأولى التي يُثار فيها الحديث في أروقة النظام عن البدل النقدي الداخلي، إذ تم تداول ذلك في عامي 2015 و2017، غير أن المعطيات العسكرية، وحاجة النظام إلى الجنود في حينها، دفعاه إلى التراجع عن ذلك.
ومع البرود العسكري الحاصل اليوم، وحديث روسيا سابقاٌ عن انتهاء المعارك بين النظام السوري والمعارضة، بات بمقدور النظام الاستغناء عن عدد من المطلوبين للخدمة العسكرية، مقابل تحصيل مبالغ مالية، تساعده على مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تضرب مناطق سيطرته.
هذا ما يؤكده الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد أديب عليوي الذي يرى أن النظام اليوم يبحث عن أي وسيلة للحصول على الأموال، ويضيف ل”المدن”، أن “سلوك النظام مؤخراً، يعكس حالة الإفلاس التي تضرب بنيته الاقتصادية”.
ويقول عليوي: “يتوارى الآلاف من المطلوبين للخدمة العسكرية عن أنظار النظام وأجهزته الأمنية والعسكرية، ومنهم قسم كبير من الميسورين والمحسوبين على أزلام النظام، ومن هنا، يحاول الاستفادة من هؤلاء، بتحصيل المال، بدلاً عن تركهم هكذا”.
ويبقى السؤال هل يستطيع النظام التخلي عن خدمات عدد كبير من المطلوبين للخدمة؟، يجيب مصدر سياسي من الساحل للسوري ل”المدن”: “في الآونة الأخيرة زاد الإقبال على التطوع في جيش النظام، لأسباب واضحة، على رأسها الفقر، وعدم توفر فرص العمل”.
وعلاوة على الفقر، هناك توجه كبير من أبناء الطائفة العلوية إلى الالتحاق بالكليات العسكرية، كما يؤكد المصدر، لافتاً إلى حالة الاصطفاف الطائفي السائدة في سوريا، التي لم تعد خافية على أحد، ما يعني أن الاستعاضة بالمتطوعين عن قسم من المجندين، ممكنة.
أما القيادي في “الجيش السوري الحر” النقيب عبد السلام عبد الرزاق، فيعتبر أن القرار -في حال صدوره- سيكون موجهاً لشريحة مجتمعية محددة، قائلاً ل”المدن”: “غالبية المسؤولين والأثرياء في مناطق سيطرة النظام، يهربون أبناءهم إلى خارج البلاد، خوفاً عليهم من الخدمة العسكرية، وهو ما خلف نقمة شعبية في الأوساط الشعبية الموالية”.
ويضيف أن السماح لهؤلاء بدفع البدل النقدي للإعفاء من الخدمة، يخفف حدة الغضب الشعبي أولاً، وثانياً يصب في صالح النظام، واقتصاده المتداعي، منهياً بقوله: “لكن لا يعني ذلك، أن النظام لا يحتاج الجنود، وهو يعاني من نقص واضح، وخصوصاً إذا نظرنا إلى حاجته المتزايدة للجنود في البادية”.
ومن المرجح وفق مصادر النظام، أن يحدد المبلغ النقدي للبدل الداخلي بالدولار الأميركي، وغالباً ستكون قيمته مقاربة للبدل النقدي للمغتربين التي تبلغ نحو 8 آلاف دولار لمن أمضى مدة أربع سنوات في دولة عربية أو أجنبية، و2500 دولار للسوري المولود في الخارج، والذي بلغ سن الخدمة الإلزامية، وهو لا يزال مغترباً.
المصدر: المدن