بشير البكر
تتحرك روسيا من أجل إعادة خلط الأوراق في سوريا، من خلال القفز على مسار اللجنة الدستورية، والذهاب نحو مؤتمر للاجئين في 11 و12 من الشهر الحالي. وواضح أن الهدف من هذا المؤتمر هو المرور نحو ملف إعادة الإعمار الذي يتم التعويل عليه كطوق نجاة لموسكو وطهران ودمشق في ذات الوقت. ولهذا نشطت الدبلوماسية الروسية في الأسابيع الثلاثة الأخيرة من أجل الترويج للمؤتمر وكسب التأييد له، وخصوصا من طرف دول الجوار، تركيا، الاردن، ولبنان، والتي تستقبل قرابة 7 ملايين لاجئ سوري. وتقوم الأطروحة الروسية على أن الحرب في سوريا انتهت، وبات الطريق مفتوحا أمام عودة اللاجئين، وتصوير الملايين التي تركت سوريا على أنها في صف النظام الذي حسم الحرب لصالحه.
وتسرب بعد زيارة المندوب الأممي غير بيدرسون مؤخراً إلى دمشق أنه خضع لمساومة من قبل النظام عندما التقى بوزير الخارجية وليد المعلم. وتفيد التسريبات أن النظام ربط تحديد موعد اجتماع اللجنة الدستورية بصدور موقف غربي إيجابي من مؤتمر اللاجئين. وتبين هنا أن تنصل النظام من موعد اجتماع الدستورية الذي كان مقرراً في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي هو من أجل هذا الغرض. وعكس بيدرسون جانباً من المسألة في الإحاطة التي قدمها إلى مجلس الأمن في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، وجاء صدى ذلك في ردود فعل بعض الأطراف الدولية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، وحث نائب المندوب الأميركي في مجلس الأمن ريتشارد ميلز، المجلس على “بذل كل ما في وسعه” لمنع الأسد من عرقلة الاتفاق على دستور جديد في عام 2020، وأكد ميلز أن “سوريا غير مستعدة على الإطلاق لإجراء انتخابات بطريقة حرة ونزيهة وشفافة تشمل مشاركة الشتات السوري”، داعيًا الأمم المتحدة إلى تسريع تخطيطها لضمان مصداقية الانتخابات السورية المقبلة، في سياق أعمال اللجنة الدستورية.
في حين تحدث نظيره الألماني كريستوف هيوسجن، عما وصفه بـ “تكتيكات المماطلة والعرقلة” التي يتبعها الأسد بشأن عمل اللجنة الدستورية بأنها “بغيضة فقط”، موضحًا أنه “لن يجري الاعتراف بالانتخابات إذا أجريت في ظل الظروف الحالية”. وبدوره انتقد السفير الفرنسي، نيكولا دي ريفيير، “رفض الأسد الانخراط بحسن نية” في العملية السياسية، ودعا إلى الاستعداد لبدء الانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة. وقال إن فرنسا لن تعترف بالنتائج التي لا تمتثل لهذه الأحكام، وأضاف، “لن ننخدع بمحاولات النظام لإضفاء الشرعية على نفسه”.
وتجدر الاشارة إلى أن الاحاطة كانت من بين أقوى الإحاطات التي قدمها بيدرسون، وذلك لجهة وضع النقاط على الحروف، وكان من المتوقع أن يرمي الكرة في ملعب النظام ويحمله مسؤولية فشل عمل اللجنة الدستورية، وعدم تحقيق أي إنجاز بعد قرابة عام على تشكيلها، ولكنه أراد أن يعطي للنظام وروسيا فرصة أخيرة، إلا أن هذين الطرفين استمرا بما سماه السفير الألماني بـ “تكتيكات المماطلة والعرقلة” التي باتت هي السياسة الرسمية والرد الجاهز على كل مسعى من أجل فتح نافذة أمل في جدار الخراب السوري.
حصدت موسكو نصف الفشل للمؤتمر لحظة الإعلان عنه من دون تفاهمات سياسية فعلية مع الولايات المتحدة وأوروبا. وكانت هناك تقديرات تشير إلى احتمال إلغائه أو التحايل وتغيير شكله، ولكن النظام أعلن رسمياً في السادس من الشهر الحالي عبر وكالة سانا أن المؤتمر في موعده، وصار اسمه رسمياً “المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين”. ويبدو أن إصرار روسيا على عقد المؤتمر بمن حضر رغم علمها بالفشل مسبقاً غير بعيد عن “تكتيك العرقلة”، وما تخطط له هو تعطيل اللجنة الدستورية والحيلولة دون كتابة دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي، وبالتالي تريد إجراء الانتخابات الرئاسية في منتصف العام المقبل وفق الدستور الحالي، وبالتالي التجديد لبشار الأسد في ولاية رئاسية جديدة. وهنا تكمن العقدة الكبرى والمعركة القادمة، وإذا صدقت الدول الكبرى بأنها لن تعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن ذلك يرتب عليها خوض معركة مع روسيا من حول الأسد. وفي جميع الأحوال ليس هناك ما يؤشر إلى تغيير في الموقف الأميركي والأوروبي من مسألة إعادة الاعمار، والتي تربطها هذه الأطراف بإطلاق عملية سياسية جادة تسمح بعودة طوعية وآمنة للاجئين.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا