طارق ديلواني
يعتبر النظام السوري درعا “مشكلة أردنية” بينما ترى عمان فيها خاصرة حدودية رخوة. لطالما ردد النظام السوري عبارة “درعا مشكلة أردنية” كلما احتد السجال مع الحكومة في عمان، بشأن مخاوفها من منطقة جنوب سوريا المحاذية للحدود الأردنية التي كانت مهد الانتفاضة الشعبية السورية.
ولطالما أرادت دمشق من هذه العبارة إحراج الأردن سياسياً ودولياً، بسبب ما تعتقد أنه دور أردني مفترض في دعم مسلحي وناشطي المعارضة السورية في المدينة، على الرغم من تكرار عمان موقفها الدائم من أنها ليست طرفاً في الأزمة وأنها تقف على الحياد، بينما تستقبل أكثر من مليون و300 ألف لاجئ سوري على أراضيها.
اليوم ومع سيطرة النظام السوري على المحافظة منذ نحو سنتين، تتعاظم مخاوف الأردن من نفوذ شبه مطلق لميليشيات “حزب الله” اللبناني والميليشيات الأخرى المدعومة إيرانياً، على المنطقة التي تشكل خاصرةً رخوة للحدود الأردنية، مما يجعلها معبراً لتهريب المخدرات والسلاح وربما تصدير الاضطرابات والقلاقل إلى البلاد.
الفرقة الرابعة تسيطر
وعلى الرغم من توتر العلاقات الأردنية السورية وعدم عودتها إلى سابق عهدها، فإن السلطات الأردنية لا تكف عن إبداء تذمرها وعدم رضاها لدى دمشق وروسيا حيال سيطرة عناصر “الفرقة الرابعة” الموالية لإيران على معبر نصيب الحدودي.
وزار وفد روسي منذ أسابيع الأردن لبحث مشكلة الجنوب السوري، واتفق الطرفان بشأن العمل على إخلاء المنطقة من الميليشيات الإيرانية التي تشكل مصدر قلق للأردن.
وصرح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بأن “هدف الأردن هو التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية يقبله السوريون ويضمن وحدة سوريا وتماسكها ويحفظ وحدة أراضيها ويعيد إليها أمنها واستقرارها ودورها ويؤدي إلى خروج القوات الأجنبية منها ويقضي على الإرهاب”.
وأكد الصفدي للمبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية، ألكساندر لافرينتيف، أهمية الاستقرار في الجنوب السوري بالنسبة للأردن، معبراً عن قلقه حيال “محاولات العصابات الإرهابية إعادة بناء قدراتها ووجودها هناك”.
ونص اتفاق أميركي ـ روسي تم التوصل إليه في عام 2018 على إبعاد الميليشيات الإيرانية من المنطقة الواقعة قرب الحدود الأردنية ـ السورية، وبمسافة 60 كيلومتراً، إلا أن ذلك لم يحدث، ما تسبب لاحقاً بإغلاق معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن الذي كان يعد رئةً اقتصادية للبلدين على حد سواء.
امتداد ديمغرافي
ويعول الأردن على نشر اللواء الثامن السوري المدعوم من روسيا في درعا لإنهاء الوجود الإيراني. ويتبع اللواء الثامن ما يسمى “الفيلق الخامس” الذي شُكل من فصائل معارضة عدة، قبلت بالتسوية مع النظام السوري برعاية روسية، وأغلب المنتمين إليه هم من أبناء درعا والمنطقة الجنوبية التي تحظى بعض عائلاتها وعشائرها بامتداد ديمغرافي في الأردن.
وتقول مصادر سياسية أردنية، إن هذا اللواء يحظى بدعم أردني أيضاً، وسمح لقادته بدخول الأردن مراراً بهدف التنسيق ما أثار حفيظة دمشق. وتسعى كل من روسيا والأردن إلى دعم هذا الفصيل بهدف منع ارتكاب خروقات في منطقة جنوب سوريا وحفاظاً على اتفاق التسوية، فضلاً عن ضمان عودة اللاجئين السوريين في الأردن طوعاً إلى مناطق آمنة في بلادهم، بخاصة وأن معظمهم من منطقة درعا.
وتبدي الأردن أيضاً قلقاً من حملة تجنيد و”تشيع” بين أهالي جنوب سوريا لمصلحة الميليشيات الإيرانية، بحسب ما أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أكد انضمام 8350 شخصاً حتى الآن، عبر استغلال ظروفهم المعيشية المتردية وانعدام فرص العمل.
علاقات متوترة
وشهدت العلاقات الأردنية – السورية توتراً لافتاً في الآونة الأخيرة، بخاصة بعد سلسلة اعتقالات طالت أردنيين عبروا إلى الجانب السوري عبر معبر نصيب – جابر الحدودي الذي أغلق منذ عام 2011 وحتى عام 2018.
ومع بدء تطبيق قانون “قيصر” الأميركي على النظام السوري، توقف التبادل التجاري بين البلدين اللذين يرتبطان بحدود طولها 375 كيلومتراً.
وكانت الحكومة الأردنية طردت السفير السوري السابق في عمان بهجت سليمان في عام 2014 بسبب “إساءاته المتكررة” للأردن. كما تسبب ملف اعتقال نحو 30 أردنياً منذ إعادة افتتاح معبر نصيب الحدودي بين الأردن وسوريا العام الماضي، في أزمة صامتة بين البلدين.
وتبادلت عمان ودمشق القرارات الاستفزازية خلال الفترة الماضية، إذ قررت الحكومة الأردنية حظر استيراد المنتجات السورية، رداً على قرار أصدرته دمشق أدى إلى توقف حركة حافلات نقل البضائع.
قلق مشروع
ورأى الكاتب السياسي ماهر أبو طير أن “الأردن لا يزال قلقاً من ملف جنوب سورية لأن المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات على الرغم من الهدوء النسبي”. وأشار إلى أن “الأردن ينظر إلى روسيا باعتبارها الطرف الضامن للنظام السوري وللأمن في سوريا، ولذلك يمرر عبرها ما يريد من رسائل ومطالب”.
ويعود القلق الأردني بحسب أبو طير إلى “رغبة الجماعات العسكرية الإيرانية وحزب الله في التموضع قرب حدود الأردن، وهو قلق مشروع نظراً إلى مخاطر ذلك على الجانب الأردني من كل النواحي، بخاصة مع انقطاع الحوار بين عمان ودمشق بشكل كامل تقريباً باستثناء ما يتم عبر الوسيط الروسي”.
وأشار أبو طير إلى “مصدر قلق أردني آخر يتمثل في مخيم الركبان للاجئين السوريين الذي يقع على الحدود السورية مع الأردن، وترفض عمان تحمل مسؤوليته والتورط فيه لأسباب عدة، من بينها أنه خارج حدودها فضلاً عن ضمه بؤرة للمسلحين السابقين وعائلاتهم”. وعبر أبو طير عن “الخشية من وجود نية مبيتة لدى النظام السوري لإعادة ترسيم جغرافيتها السكانية، عبر تحويل ملفات اللاجئين السوريين في دول الجوار ومن بينها الأردن إلى ملفات ومشكلات محلية داخلية”.
المصدر: اندبندنت عربية