فؤاد عبد العزيز
يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في معرض دفاعه عن مؤتمر اللاجئين المزمع عقده في دمشق يوم الأربعاء القادم، إن اللاجئين السوريين المنتشرين في شتى أصقاع العالم، أغلبهم من الشباب، وهؤلاء يخشى أن تصبح لديهم ميول متطرفة، لذلك من الأفضل تسهيل عودتهم إلى بلدهم والمساهمة في تنميتها وإعادة إعمارها.
أما بشار الأسد، فيرد عليه، أنه قبل عودة هؤلاء لا بد من القيام بتحضيرات، حيث أن المناطق التي ينتمون إليها، أغلبها مدمر ولا يوجد بها ماء ولا كهرباء ولا خبز ولا مازوت ولا مدارس.. ثم يركز على كلمة المدارس، ويقول بأن بين اللاجئين أطفال، وهؤلاء لا بد أن يدخلوا إلى المدارس.
هذه الحوارية جرت اليوم بين بوتين وبشار الأسد عبر الفيديو، وكان لافتا تسجيل هذا الجزء منها، بينما بكل تأكيد، هناك أجزاء أخرى أكثر أهمية لم يتم عرضها على وسائل الإعلام.. وأغلب الظن أن الإعلام الروسي الذي قام بعرض هذا المقطع، كان يريد أن ينقل كلام بشار الأسد الذي يلقي فيه المسؤولية على الحصار الأمريكي، بأنه هو من يمنع الحكومة من القيام بما يلزم، لتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، لأنه قبل أيام كان قد ألقى بالمسؤولية على ضياع إيداعات السوريين في المصارف اللبنانية، وهو ما أزعج موسكو، التي أوعزت لوسائل إعلامها بأن تضع العديد من إشارات الاستفهام حول هذا التصريح، متساءلة: وماذا عن الحصار الأمريكي؟.
ومن جهة ثانية، تريد موسكو أن توجه رسالة إلى الغرب، بأنها تسعى لتخليصهم من مئات آلاف اللاجئين السوريين على أراضيها، والذين يمكن أن يتحولوا بسهولة إلى مشاريع “إرهابيين”، وبالتالي ليس أمام الأوروبيين، سوى دعم هذا المؤتمر، ومساعدة النظام السوري ومده بالمال اللازم لتسهيل عودتهم، ومن ثم دعم مشروعات إعادة الإعمار، التي تقل تكلفتها عن تكلفة استضافة هؤلاء اللاجئين على أراضيها . إلى هذا الحد، تحاول روسيا، تبسيط المصيبة التي حصلت في سوريا، بأنها غير مرتبطة بالنظام السياسي القائم، وإنما الأمر متعلق ببعض “الجماعات الإرهابية”، التي أجبرت قسما كبيرا من الشعب السوري على الهرب إلى خارج البلد، وقد تم القضاء على هذه الجماعات بمساعدتها، وبالتالي لم يعد هناك ما يمنع من عودة هؤلاء اللاجئين إلى بلده.
روسيا تغفل نقطة شديدة الأهمية بالنسبة للشعب السوري، وهي أنه لو اجتمعت شياطين الإنس والجن، على إعادة تأهيل هذا النظام، فإنها لن تستطع. وحتى لو وقفت جميع دول العالم معه، ودعمته وأمدته بالمال والسلاح، فهو أصبح بالنسبة للسوريين مرفوضا، ولا سبيل للاستقرار في سوريا، قبل أن يرحل هذا النظام ورمزه بشار الأسد.
وكذلك الأمر بالنسبة للغرب الأوروبي والأمريكي، الذي شاهد جرائم الإبادة الجماعية لهذا النظام، وعاينها عن قرب من خلال اللاجئين السوريين على أراضيه، فإنه ليس سهلا عليه، أن يمد يده لبشار الأسد من جديد، حتى لو تعلق الأمر بقيمة مضافة بالنسبة إليه، وهو التخلص من السوريين على أراضيه.
باختصار، القضية السورية أعقد بكثير من النظر إليها بهذا التبسيط الشديد. وموسكو بلا شك تعلم ذلك، لكنها على ما يبدو أمام ورطة كبيرة، مع تزايد الأزمات الاقتصادية التي بدأت تضرب النظام، وإحساسها بالمسؤولية اتجاه هذا الأمر، لذلك هي تريد إغراء الغرب في تحمل الأعباء معها، وبنفس الوقت ترفض الاعتراف بأن أساس المشكلة في سوريا هي بشار الأسد ونظامه.. وهو ما يشير إلى أن المسافة لاتزال واسعة، ليس بين موسكو وبين الغرب فحسب، وإنما الأهم بينها وبين الشعب السوري، وبالذات أولئك الذين تصفهم باللاجئين.. فهؤلاء لازالوا يريدون إسقاط النظام، وربما أكثر من أي وقت مضى .
المصدر: زمان الوصل