سامي خليفة
كشف مركز “ألما” للبحوث والتعليم الإسرائيلي، في تقريرٍ جديد يحتوي على معلوماتٍ مفصّلة، أن وحدتيّ “القيادة الجنوبية” و”ملف الجولان”، التابعتين لحزب الله، أقامتا تحت رعاية فيلق القدس الإيراني، بنية تحتية عسكرية على الحدود السورية مع إسرائيل، ما يتيح للحزب إياه فتح جبهة أخرى تعادل الجبهة اللبنانية ضد الدولة العبرية.
مواقع حزب الله
يجزم التقرير الحديث الصادر عن المركز الإسرائيلي، بأن عدد مواقع حزب الله في جنوب سوريا هو أكبر بكثير مما تم الكشف عنه سابقاً، إذ أقام الحزب نحو 58 موقعاً، 28 منها للقيادة الجنوبية، و30 لملف الجولان. وهما وحدتان أساسيتان في حزب الله، تعملان تحت رعاية إيرانية. الأولى أي القيادة الجنوبية، مكونة من عناصر قدامى في الحزب منخرطين في صفوف القوات المسلحة السورية. أما الثانية المعروفة بوحدة ملف الجولان، فيدير قادة حزب الله من خلالها خلايا محلية مؤلفة من مواطنين سوريين.
واستند تقرير المركز في تحديد تلك الأماكن على مواقع معارضة سورية وأماكن فعلية تم استهدافها من قبل الجيش الإسرائيلي. مشدداً في الوقت عينه على أن تلك المواقع المتمركزة في محافظتيّ القنيطرة ودرعا تشكل أساساً نوعياً لأنشطة حزب الله، من حيث جمع المعلومات الاستخباراتية والتخطيط العملياتي، الأمر الذي يشكل تحدياً مستمراً لإسرائيل والمنطقة.
القيادة الجنوبية
من جهته، قال الرائد (احتياط) تال بيري، رئيس قسم البحوث في مركز “ألما”، والذي يعمل على زيادة المعرفة الجيوسياسية حول الشرق الأوسط، إن كلا وحدتيّ حزب الله هاتين تعملان لخلق فرص جديدة لمهاجمة أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية خلال الفترات الروتينية وكذلك فترات التصعيد الأمني.
أمضى بيري 20 عاماً من حياته كضابط استخبارات في الجيش الإسرائيلي متخصص بشؤون لبنان وسوريا. ويصف في التقرير كيف تم تشكيل القيادة الجنوبية لحزب الله، قائلاً: “هدفها الأولي كان تسهيل استعادة سيطرة الجيش السوري على جنوب سوريا. لذا، دربت الجيش السوري وساعدته على استعادة أراضٍ من التنظيمات الجهادية التي سيطرت منذ عام 2012 على كامل مساحة جنوب سوريا تقريباً”.
وحسب بيري، فإن القيادة الجنوبية هي وحدة مكونة من عناصر حزب الله، تعمل على تدريب وإرشاد الجيش السوري، مع التركيز على الفيلق الأول في جنوب سوريا. مضيفاً أن مركزه حصل على شريط فيديو يظهر وحدة عسكرية سورية تتدرب مع قائدها الذي ظهر وهو يشكر عنصر من حزب الله واقفاً بجانبه على المساعدة.
كان للقيادة الجنوبية، التي يقودها منير علي نعيم شعيتو، مهمة أساسية وهي إنشاء بنى تحتية لحزب الله في المنطقة وجمع معلومات عن الجيش الإسرائيلي، فضلاً عن تدريب الفيلق الأول لجيش النظام السوري للحرب مع إسرائيل. واليوم مع اكتمال سيطرة الأسد على جنوب سوريا، بدأت القيادة الجنوبية التعامل مع هدفها الثاني، وهو أن تصبح عملياتية نيابةً عن ما يُسمى “محور المقاومة” في حال اندلاع حرب مع إسرائيل. لذلك انكبت على إعداد خطط عملياتية وجمعت معلومات استخبارية تحسباً للحرب المقبلة.
وتشير تقديرات المركز الإسرائيلي إلى أن كل قاعدة للجيش السوري في المنطقة، تقوم بجمع معلومات استخباراتية بصرية وإلكترونية، يوجد بها عنصر من قيادة المنطقة الجنوبية لتمرير المعلومات إلى الخارج.
دور الأسد
ورداً على التساؤلات عما إذا كان بشار الأسد يوافق على عمليات حزب الله، قال بيري إن نظام دمشق ليس له رأي يُذكر في الأمر، بعدما أنقذته إيران وحزب الله من الهاوية. مضيفاً “من هو الأسد؟ لقد أدلى الإيرانيون بتصريح واضح حول هذا الأمر في أواخر أيار المنصرم خلال يوم القدس، عندما أطلقوا رسم كاريكاتوري للمرشد الأعلى علي خامنئي وجميع وكلاء إيران وهم يؤدون الصلاة في القدس. في الرسم الكاريكاتوري يمكنك أن ترى في الصف الأول أمين عام حزب الله حسن نصر الله، وزعيم الجهاد الإسلامي الفلسطيني زياد نخالة، وإسماعيل هنية رئيس الجناح السياسي لحركة حماس، ثم الحوثيين، حتى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. وإذا ما دققت بالنظر عشرة أو أحد عشر صفاً خلف خامنئي فبالكاد يمكنك التعرف على الأسد الذي لم يُحسب أو يُعطَ أي أهميةٍ تُذكر”.
بعد إنقاذ الأسد، رسخ كل من إيران وحزب الله موطئ قدمهما في سوريا، وهدفهما المركزي هو القدرة على مهاجمة إسرائيل نيابةً عن المحور بأسره. تحقيقاً لهذه الغاية، حاولت إيران تهريب العديد من الأسلحة والأفراد إلى سوريا، وبناء قواعد للهجوم، وهو جهدٌ أعاقته حتى الآن حملة الضربات الجوية الإسرائيلية.
ويعلق بيري في تقريره على هذه النقطة بالقول “نظام الأسد هو برنامجهم. لقد دعاهم إلى سوريا، ما الذي يمكن أن يكون أفضل لهم من ما حصل؟ اليوم وبعد أن أصبحوا هنا، ليس للأسد رأيٌ كبير فيما يمكنهم فعله”. مستطرداً بالشرح أن بعض شرائح القوات المسلحة السورية لا تؤيد هيمنة إيران وحزب الله، إلا أنها لا تملك الكثير من الخيارات في هذا الشأن.
ملف الجولان
تعمل الوحدة الثانية لحزب الله في جنوب سوريا، المعروفة بملف الجولان، تحت قيادة علي موسى دقدوق، ومقرّه في دمشق وبيروت. ومن مهامه جمع معلومات استخبارية عن إسرائيل والتحركات العسكرية في الجولان.
وعند التطرق لهذه الوحدة يوضح بيري: “تتكون هذه الوحدة من سوريين محليين وسكان المنطقة، بعضهم من المتمردين السابقين وبعضهم من جيش الأسد السابق فيما البعض الآخر عبارة عن أعضاء سابقين في الميليشيات الموالية للأسد. إنهم يعملون تحت قيادة حزب الله، والضابط القائد هو ناشط بارز في حزب الله، ويمرر التعليمات إلى القادة المحليين وقادة الخلايا. ونجد أن القادة المحليين في كثيرٍ من المناطق، هم من السوريين”.
تنتشر خلايا هذه الوحدة في جميع أنحاء مرتفعات الجولان، مع التركيز على الحدود مع إسرائيل، ويقول بيري إن دورها هو جمع المعلومات الاستخباراتية قبل شن الهجمات، مثل زرع القنابل وهجمات القناصة وإطلاق الصواريخ المضادة للدبابات. ويضيف “لديهم صواريخ مضادة للدبابات من جميع الأنواع. افتراضنا العملي أن هذا يشمل بعض الصواريخ المتطورة للغاية”.
مصادر دقيقة
وحول كيفية جمع مركز “ألما” للبحوث لتقريره المفصل الذي بين أيدينا، يقول بيري إن جميع المعلومات تستند إلى مواد مفتوحة المصدر. وتابع “نحن نعرف ما الذي نبحث عنه؛ وهذا يشكل نصف عملنا. وأنوه هنا أن بعضنا أعضاء سابقون في مؤسسة الدفاع. نقوم بتنشيط عمال البيانات المحترفين الذين يقومون بدورهم بمسح البيانات من خلال المصادر المفتوحة بحثاً عن المعلومات الصحيحة، ومعظمها من مصادر عربية. وفي هذا التقرير تحديداً، نعتمد بشكلٍ كبير على قوى المعارضة السورية التي تستمد معلوماتها من الأرض”.
يراقب مركز “ألما” الأحداث على الأرض، بما في ذلك المراقبة الروتينية والمباشرة. وينبع تفرد المركز جزئياً من حقيقة أن موظفيه يعيشون بالقرب من الحدود السورية واللبنانية ويتنقلون في جميع أنحاء المنطقة كجزء من حياتهم اليومية.
في الموازاة، يعلق بيري على دقة عمل مركزه بالقول “أصدرنا خريطة ذكية بها طبقات متعددة من البيانات تُظهر 58 موقعاً لوحدتيّ حزب الله. كما تُظهر الخريطة أيضاً المكان الذي قيل إن الجيش الإسرائيلي ضربه في الماضي”.
أحد هذه المواقع، الذي تم قصفه في الليلة السابقة لنشر التقرير، ظهر بالفعل على خريطة “ألما” كموقع عدو. وهنا يوضح بيري: “يمكننا أن نشير إلى الخريطة لنرى من كان القائد هناك، وأي خلية كانت موجودة، وكلها تستند إلى قاعدة بياناتنا. إن تفرد عملنا يكمن في الكشف عن نطاق الانتشار. ولا شك أن وجود ثمانية وخمسين موقعاً هو انتشار كبير جداً”.
يمكن لمثل هذه الخلايا أن تلدغ إسرائيل خلال الأوقات الروتينية. أما أثناء النزاعات، إذا كان الجيش الإسرائيلي يخطط لدخول سوريا أو حتى إذا ركز كل جهوده على لبنان، فإن الخلايا ستهاجم الجنود والمركبات العسكرية الإسرائيلية وتستهدف المدنيين الإسرائيليين في شمال إسرائيل. وشدد بيري على أن “الجيش الإسرائيلي سيتغلب عليها، لكنها ستلحق به الضرر”. خاتماً بالقول أنه في حالة حدوث تصعيد، سيحتاج الجيش الإسرائيلي إلى تخصيص موارد للتعامل معها.
المصدر: المدن