في أربع بلاد مختلفة تشتت عائلتي ولا أستطيع التواصل مع والدتي وإخوتي إلا من خلال برامج الاتصال، حالي كحال معظم السوريين الذين كانت غاية أحلامهم النجاة من آلة القتل سريعًا إلى حالة الموت البطيء التي نعيش قهرها في بلاد اللجوء. فمن البلاد الإقليمية التي لا يفصل الأخ عن أخيه سوى بضعة كيلو مترات إلى البلاد العربية وغير العربية توافقت جميعا على اعتقال حرية السوريين وحرمانهم من أهم وأبسط حقوقهم في لقاء أبنائهم وأهليهم.. في السعودية تعيش الأم وفي مصر أو تركيا لها أبناء تعاني سنين فراقهم، وجميع هذه الدول تمارس قوانين الاستبداد والقهر واللاإنسانية بحق من لجأ إليها بحثًا عن الأمان والمأوى، ليُفتح بابًا جديدًا لتجارة الحقوق والمعاناة. إلى أزمة الجوازات والفيز المزورة في غالبها، غير مبالين بمصائر الناس التي لا تستطيع حتى العودة لسابق عهدها مع معاناة الشوق، إلى مأوى الاعتقال داخل المطارات، فالدولة التي توجهت إليها تتعامل بالأوراق والدولة التي خرجت منها أنهت وجودهم ولن تفتح بابها مرة أخرى. السيدة (أ- م) التي تجاوزت الستين وجدت نفسها وحيدة بعد إنهاء عقد زوج ابنتها في الخليج لأكثر من سنتين رغم دفع الأموال الطائلة للحصول على فيزا إلى تركيا لتعيش مع ابنتها، هذه ليلتها الثالثة في مطار أتاتورك في اسطنبول، فلا يمكنها الدخول ولا يمكنها العودة، وفيزا العبور بآلاف الدولارات لم تعدو تجارة خسيسة يمارسها أراذل التجار وأقبحهم. الأكثر غرابة حين نجد من هذه الشعوب من يتذمر بل ويتساءل: لم لا يعود السوريون إلى بلدهم، وما الذي أتى بهم ليشاركونا أموالنا وأعمالنا، ومن الأحزاب التي تشير إلى الوجود السوري كعبء تسبب بجميع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
وابتداءً ليس المقال سوى للإضاءة على مصيبة يعانيها السوريون علّها تجد صدى عند الإنسانيين والمنطقيين من أصحاب القرار والقلم الحر والمؤسسات الحقوقية والإعلامية في سبيل الضغط العلمي والمستمر لتغيير هذه القوانين المجحفة والقاسية بحق شعب بأكمله. فالسوريون اليوم يتملكهم الشعور بالاعتقال داخل هذه البلاد وداخل مخيمات الذل وكأنها لعناتٌ تُصَب على من سولت له نفسه بالثورة على نظم الاستبداد والظلم.