أمين العاصي
تزامنت وفاة وليد المعلّم وزير الخارجية في حكومة النظام السوري، مع مرور نصف قرن على ولادة نظام الأسدين المتهالك تحت وطأة عقوبات وحصار إقليمي ودولي منذ عام 2011، الذي شهد انطلاق الثورة السورية التي واجهها هذا النظام عسكريا من خلال جيشه وأجهزته الأمنية، وسياسيا من خلال المعلّم الذي كان بمثابة “القفاز الناعم” في وجه الضغوط الدولية.
ونعت وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة النظام السوري، اليوم الاثنين، وزيرها وليد المعلم، بعد مسيرة طويلة من العمل الدبلوماسي بدأت في السنوات الأولى من عقد الستينيات من القرن المنصرم مع تولي حزب البعث السلطة، وانتهت في عام 2020، بتحوّل سورية إلى مناطق نفوذ إقليمي ودولي.
والمعلم المولود في العاصمة السورية دمشق عام 1941، درس في المدارس الرسمية من عام 1948 ولغاية 1960 حين حصل على الشهادة الثانوية والتحق بجامعة القاهرة وتخرج عام 1963 بشهادة بكالوريوس في الاقتصاد، والتحق بوزارة الخارجية عام 1964. وخدم في بعثات بلاده الدبلوماسية في تنزانيا-السعودية-إسبانيا-إنكلترا، إلى أن عُين عام 1975 سفيراً لسورية في جمهورية رومانيا حتى عام 1980، حين عين مديراً لإدارة التوثيق والترجمة في وزارة الخارجية من عام 1980 ولغاية 1984 ثم مديراً لإدارة المكاتب الخاصة من عام 1984 حتى عام 1990.
وعُين سفيراً لدى الولايات المتحدة من عام 1990 حتى عام 1999 ثم عين معاوناً لوزير الخارجية مطلع العام 2000 وسمي نائباً لوزير الخارجية بموجب المرسوم رقم 8 تاريخ 9-1-2005 وشغل منصب وزير الخارجية منذ عام 2006 وتمت تسميته نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للخارجية والمغتربين منذ عام 2012.
كان المعلم “القفاز الناعم” الذي يواجه به النظام الضغوط الإقليمية والدولية عليه منذ عام 2011، إذ كان مدافعاً عن سياسة النظام في القتل والتشريد
ولدى المعلم الذي كان من منتسبي حزب البعث، أربعة مؤلفات (فلسطين والسلام المسلح 1970)، (سورية في مرحلة الانتداب من العام 1917 وحتى العام 1948)، (سورية من الاستقلال إلى الوحدة من العام 1948 وحتى العام 1958)، (العالم والشرق الأوسط في المنظور الأميركي).
وأثناء وجوده في واشنطن سفيرا لبلاده، تولى المعلم جانبا من عملية التفاوض مع الإسرائيليين قبل أن تفشل هذه العملية، إذ فشلت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في ردم هوّة الخلاف بين دمشق وتل أبيب.
والمعلم المعروف بهدوئه وبرودة أعصابه، تولى وزارة الخارجية في ظروف كادت أن تعصف بالنظام السوري، إذ كانت أصداء اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري تخيّم على النظام الذي اضطر إلى سحب قواته من لبنان بما يشبه الهروب بعد انتفاضة الشارع اللبناني، الذي اتهم هذا النظام بالوقوف وراء عملية الاغتيال، ضد الوجود السوري العسكري على الأراضي اللبنانية.
وحاول وليد المعلم إنهاء عزلة خانقة كان يعاني منها النظام السوري، خاصة عقب عدوان تموز في عام 2006 من قبل الإسرائيليين على لبنان. ولم يكد يخرج النظام من عزلته، حتى بدأت الثورة السورية في ربيع عام 2011، التي واجهها النظام عسكرياً من خلال جيشه وأجهزة أمنه، وسياسيا من خلال وليد المعلم الذي أطلق تصريحات في ذاك العام لا تزال محل تندر لدى السوريين.
ومن تصريحاته تلك “جمدنا حوارنا من أجل الشراكة مع أوروبا، وسننسى أن أوروبا على الخريطة، وسنتجه شرقا وجنوبا”. وفي عام 2011، كان المعلم واضحا بأن نظامه لن يسهّل مهام وفد الجامعة العربية لإيجاد حل للأزمة السورية، حيث صرّح بأنه سيغرق الوفد بـ”التفاصيل”.
وكان المعلّم مدافعاً شرساً عن النظام حتى في الجرائم التي ارتكبتها قوات الأخير بحق السوريين بأسلحة محرمة دولياً، كما حدث في منتصف عام 2013، حين قتل آلاف المدنيين في غوطة دمشق الشرقية نتيجة قصف بغازات سامة من قبل هذه القوات، ولكن المعلم قال في حينه في تصريحات صحافية، إن ما أسماها بـ “المجموعات الإرهابية” هي المسؤولة عن هذه الجريمة.
وكان المعلم قد أعلن، من العاصمة الروسية موسكو في سبتمبر/أيلول من ذاك العام عن موافقة نظامه رسمياً على الاقتراح الروسي بوضع ما يمتلك من أسلحة كيمائية تحت الرقابة الدولية لتفادي ضربة عسكرية لوحت بها الإدارة الأميركية.
وفي إبريل/نيسان عام 2017، نفى المعلم قيام قوات النظام بقصف مدينة خان شيخون في ريف ادلب بغازات سامة، رغم أن كل الدلائل كانت تؤكد ذلك، إذ قال في مؤتمر صحافي “لن ولم تُستخدم الأسلحة الكيميائية، حتى ضد الإرهابيين”، مكرراً نفس العبارة التي دأب النظام على استخدامها وهي “أن إسرائيل هي المستفيد الأساسي من هذا المجزرة”.
وفي عام 2019 ذهب وزير خارجية النظام بعيداً حين أنكر معرفته باسم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، حيث قال رداً على سؤال يتعلق بتصريحات للأخير حول سورية “مين بومبيو أنا ما بعرفو”.
ورحل المعلّم الذي بقي حتى الرمق الأخير مخلصاً لنظامه، وهو يرى فشله وفشل نظامه في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية بسبب رفضه تسهيل مهام الأمم المتحدة في إيجاد حلول سياسية للقضية السورية، وهو ما ينذر بانفجار اجتماعي عاصف في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام التي باتت تفتقر حتى لرغيف الخبز.
والمفارقة، أن المعلم توفي في اليوم الذي انقلب فيه حافظ الأسد على رفاقه في حزب البعث عام 1970، حين بدأت المرحلة التي تُوصف بـ “الأصعب” في تاريخ سورية، إذ اعتمد الأسد سياسة البطش والتنكيل لإخضاع السوريين، مع تجفيف كل شيء في الحياة السورية، خاصة على الصعيد السياسي، وهو النهج الذي استمر عليه ابنه بشار الأسد الذي تولى السلطة في منتصف عام 2000، ولا يزال يحاول تعويم نفسه رغم مقتل وتشريد ملايين السوريين، وتدمير أجزاء واسعة من البلاد نتيجة الحرب التي بدأها ضد السوريين المطالبين بالتغيير.
وكان المعلم “القفاز الناعم” الذي يواجه به النظام الضغوط الإقليمية والدولية منذ عام 2011، فقد كان مدافعاً عن سياسة النظام في القتل والتشريد، والتي أدت إلى وضع سورية برمتها على حافة التقسيم والتشظي.
المصدر: العربي الجديد