تيم الحاج
بقيت للرئيس الأميركي المنتهية ولايته وفق نتائج الانتخابات الأخيرة، أيام معدودة، كي يغادر البيت الأبيض، الذي استقبله وإدارته مدة أربع سنوات خلت، عمل خلالها على عدة ملفات داخلية وخارجية، بينها ملفات معقدة في الشرق الأوسط، ولعل ترامب الرئيس الأميركي الوحيد، الذي حاول معالجة تلك الملفات بالاستناد إلى مبدأ الابتزاز السياسي والمالي المفضوح، إذ لم يتمكن الرجل من التخلص من شخصية رجل المال والأعمال، التي جُبل عليها منذ نعومة أظفاره.
لا يتسع المجال هنا لتحليل تداعيات جميع القرارات التي من الممكن أن يتخذها ترامب فيما يخص ملفات الشرق الأوسط، خلال الشهرين المقبلين، وهي تبدو حتمية، فهو يرفض الاعتراف بخسارته أمام المرشح الديمقراطي، جو بايدن، ويعمل حالياً على مناكفته، وتسديد الضربات للإدارة القادمة، عبر قرارات يصفها مراقبون بـ “غير المدروسة والاعتباطية” وأنها تأتي من باب “التخريب”.
سوريا من الشرق الأوسط.. ماذا يخبئ ترامب من مفاجئات هناك
ممكن حصر المؤشرات على نية ترامب إحداث تغيير في شكل الوجود الأميركي في سوريا، بالنظر إلى عدة تحركات وتصريحات واجتماعات قام بها ترامب وإدارته خلال الأيام التي تلت إعلان فوز بايدن بالانتخابات الأميركية.
وفي حال صدقت التوقعات وسحب الرجل قواته، فإن ذلك سيترتب عليه عدة أمور، لن تبدأ في خلط الأوراق شمال شرقي سوريا، ولن تنتهي في حصول روسيا على حصة الأسد من النفط السوري، الذي وقفت القوات الأميركية في وجه هذه الرغبة لشهور طويلة سابقة.
وكان وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، كريستوفر ميلر، أبدى خلال الشهر الجاري عزمه تسريع عودة القوات الأميركية من أفغانستان والشرق الأوسط، قائلاً في رسالته الأولى للقوات الأميركية بعد تعيينه من قبل الرئيس الأميركي، “حان وقت العودة إلى الوطن”.
وكتب ميلر في رسالة تم نشرها على موقع وزارة الدفاع الأميركية “يجب أن تنتهي كل الحروب… إنهاء الحروب يتطلب التنازلات والشراكة، كثيرون تعبوا من الحرب، وأنا واحد منهم”.
ومن مؤشرات الانسحاب، هو الحديث عن عزم ترامب توجيه ضربة عسكرية كبيرة لإيران وأذرعها في سوريا والعراق، تكون بمثابة الهدية الأخيرة التي يهديها ساكن البيت الأبيض المؤقت لصديقه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي يعلم أن الإدارة الأميركية القادمة مترددة وغير جدية في محاسبة إيران ونظام الأسد، وفق تجربة سابقة خلال فترة حكم باراك أوباما.
وفي هذا السياق، ناقش الرئيس الأميركي، مع كبار مساعديه للأمن القومي فكرة مهاجمة إيران بذريعة تطوير أنشطتها النووية، وفق صحيفة “نيويورك تايمز”، ومن بين المسؤولين الذين حضروا الاجتماع، نائبه مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ووزير الدفاع بالإنابة كريستوفر ميلر، والجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة.
وعلى وقع هذه الأنباء، عززت إيران من مواقعها في سوريا بشكل ملحوظ، إذ أجرت ميليشياتها تدريبات عسكرية ذات مستوى عالٍ، وبالتزامن مع ذلك، برز موقفان لافتان، الأول حديث أحد قادة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الذي تدعمه أميركا، عن قدرته بطرد الميليشيات الإيرانية من سوريا، والثاني هو القصف الإسرائيلي على مواقع في دمشق، تابعة لـ”فيلق القدس” الإيراني، ويدلل هذان المؤشران إلى جانب استعدادت إيران وتصريحات قادتها، إلى جدية تحضير أميركا ضربة لإيران في سوريا قبل الانسحاب.
كم بقي على رئاسة ترامب؟ وما صلاحياته في سوريا وغيرها؟
وفقاً للدستور الأميركي، يستمر الرئيس دونالد ترامب رئيساً وقائداً أعلى للقوات المسلحة الأميركية، حتى منتصف يوم العشرين من كانون الثاني المقبل، حين يتم تنصيب الرئيس الجديد.
كما يمكن للرئيس ترامب، خلال الفترة المتبقية له في الحكم، اتخاذ أي قرارات تتعلق بتمركز وانتشار القوات الأميركية في الخارج.
وبالنظر إلى السنوات الخمسين الماضية، فإن الرؤساء الأميركيين حاولوا خلال الأسابيع الأخيرة من رئاستهم إنقاذ ما خلفوه من إرث، لكنهم أُصيبوا بالفشل، فكثيرون منهم تسببوا بخلق فوضى أو قاموا بعمل إضافي دون أن ينجزوه قبل مجيء خلفهم.
الباحث في الشأن الأميركي، عبد الرحمن السراج، يعتقد أن هناك رغبة حقيقية لدى الرئيس ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا والعراق، ورأى أن هذه الرغبة تجسدت في إعلان نيته الانسحاب من سوريا، وتراجعه لاحقاً بسبب ضغوط من وزارة الدفاع وعدد من الأطراف الدولية ذات المصلحة في وجود الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا.
وربما يقدم ترامب، وفق السراج، الذي تحدث لموقع تلفزيون سوريا، على سحب بعض القوات من سوريا والعراق قبل انتهاء فترته، ولكن لا يُرجّح أن يسحب كل القوات من العراق على الأقل.
ولفت إلى أنه ليست هناك قيود قانونية أو تشريعية على صلاحيات الرئيس ترامب في هذه المرحلة (قبل حلف اليمين من قبل بايدين)، وأنه (ترامب) ما زال رئيس الولايات المتحدة الأميركية والقائد الأعلى للجيش الأميركي.
في المقابل، توقع السراج أن يحافظ بايدن على علاقة وزارة الدفاع الأميركية مع “قسد” في شمال شرقي سوريا، وأن يعيد بعض برامج دعم المعارضة السورية، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستضع سوريا أو الشرق الأوسط ضمن أولوليات سياستها الخارجية، خاصة بعد إلحاق ترامب الضرر بعلاقات أكثر أهمية للولايات المتحدة مثل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، وفق قوله.
“قسد” والأسد وروسيا حينما تصلح بينهما بعد مغادرة أميركا
لا توجد أرقام دقيقة لعدد القوات الأميركية في سوريا، إلا أن مصادر عدة تشير إلى أن عددها يتراوح بين 800 و2000 جندي أميركي في شمال شرقي سوريا.
وسبق أن أعلن ترامب في تشرين الأول 2019 سحب قواته، وبالفعل بدأت بذلك، في أعقاب العملية التركية شمال شرقي سوريا، ودخلت عوضاً عنها قوات روسية وأخرى تابعة لنظام الأسد، وفق اتفاق بين النظام و”قسد” لوقف زحف الجيش التركي والجيش السوري الوطني.
لكن القوات الأميركية عادت لتنتشر في مواقع قرب حقول النفط، بعد ذلك، وباتت الآن تشكل حاجزاً منيعاً أمام روسيا شمال شرقي سوريا، حيث تؤكد أميركا أن بقاءها في سوريا أصبح يتمحور حول قتل تنظيم “الدولة” ومنع وصول النفط إليه وإلى الميليشيات الإيرانية ونظام الأسد.
وأمام التوقعات الجديدة التي تتحدث عن رغبة ترامب بإعادة الكرة والانسحاب من سوريا، تطل عدة تساؤلات حول مصير المنطقة، ومصير اللاعبين فيها، خاصة “قسد” وروسيا ونظام الأسد، وتركيا التي تراقب “وحدات حماية الشعب” وتنتظر اللحظة المناسبة للإنهاء على وجودها في شمال شرقي سوريا.
الباحث محمد حسان، المهتم بمنطقة شمال شرقي سوريا، والمطلع على “قسد” وتحركات تنظيم “الدولة”، قال لموقع تلفزيون سوريا، إن تبعات كبيرة ستحدث في حال حدث الانسحاب الأميركي من شمال شرقي سوريا.
ويعتقد حسان أن “قسد” ستواجه خياراً واحداً لا ثاني له، وهو التوجه نحو نظام الأسد والاستعانه به كي يحميها من تركيا، كما جرى أثناء معركة “نبع السلام” شرقي نهر الفرات في تشرين الأول 2019.
ورأى أن هذا الخيار متاح، بالاستناد إلى قنوات التواصل الموجودة بالأساس بين الطرفين، إذ تجمعهما زيارات متبادلة، على الرغم من تحفظ “قسد” على مطالبة النظام لها، بحل نفسها والاستسلام لرغباته.
وقال حسان، إن “قسد” لديها قناعة تامة تقول تُفضل من خلالها تسليم مناطقها لنظام الأسد وروسيا على أن تسمح لتركيا بالسيطرة عليها، مستشهداً بالاتفاق الذي جرى بين النظام و”قسد” خلال عملية “نبع السلام”، والذي تمكن من خلاله النظام من دخول مناطق شمال شرقي سوريا هو وروسيا والانتشار فيها بكثافة، وإقامة عدة قواعد عسكرية.
أما روسيا فهي مهتمة جداً بمناطق شمال شرقي سوريا، وفق حسان، الذي أكد أن لدى موسكو القدرة على تغطيتها بعد انسحاب أميركا، مع تقديم ميزات “الإدراة الذاتية”.
ولفت إلى أن تركيا قد تدخل بعض مناطق شمال شرقي سوريا، لكن وفق اتفاق مع الروس، وقد يقابله نفوذ روسي أكبر في إدلب، وفق توقعه.
حسان أشار إلى أن هناك عنصر آخر مهم في المنطقة قد يتأثر بالانسحاب الأميركي، والذي أطلق عليه “القوة الناعمة”، وهو العشائر العربية، حيث رأى أن العشائر ستتجنب المواجهة مع النظام والروس، لأنها لا تملك خياراً آخر، وستتجه إلى التفاوض مع الجانب الروسي، للحصول على مميزات على غرار اتفاق فصائل المعارضة مع النظام في درعا.
وأكد أن بقاء الوضع على ما هو عليه وحالة التهديد بانسحاب أميركا، ستزيد من فرصة تنظيم “الدولة” للوجود أكثر في المنطقة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا