أحمد العربي
مجد يعقوب كاتبة فلسطينية ولدت وعاشت في مخيم اليرموك الفلسطيني الذي يقع في ضواحي مدينة دمشق. تتناول في كتابها هذا التحدث عن فلسطين تاريخيا، وما حصل فيها ومع شعبها بالعصر الحديث، وصولا الى مرحلة الاستعمار الانكليزي ووعد بلفور وتدفق اليهود الى فلسطين وثورات الشعب الفلسطيني المتتالية ردا على ذلك. ثم خروج الإنكليز وقرار مجلس الأمن تقسيم فلسطين دولتين فلسطينية ويهودية، وإعلان دولة إسرائيل، وحرب ١٩٤٨م بعدها بين الكيان الصهيوني الوليد وعدد من الدول العربية، ولجوء الفلسطينيين من فلسطين إلى الدول العربية المجاورة والعالم. واستقرار البعض منهم في سورية وبعضهم في أطراف دمشق، حيث حددت الدولة أكبر مركز لهم في سورية هناك سمي مخيم اليرموك. وتتحدث عن المخيم وواقعه حتى الثورة السورية في آذار عام ٢٠١١م. وما حصل اتجاهه من النظام والثوار والقوى المسلحة بتنوعها، وما كان رد فعل الفلسطينيين داخله. ثم تطور الوضع للوصول الى تشرد أغلب الفلسطينيين منه ثانية الى خارجه وخارج سورية للبعض منهم. كما تقدم شهادات للكثير من الفلسطينيين حول ما حصل معهم في الجزء الأخير من الكتاب.
الفصل الأول: شعب متجذر في أرضه.
عادت الكاتبة إلى آلاف السنين الماضية متحدثة عن العمران والحضارة في فلسطين التاريخية، وأنها كانت مأهولة منذ القديم جدا، وحصلت فوقها صراعات، وكان شعبها يتابع عيشه مواجها كل غريب حاول الدخول لها والسيطرة عليها. وأن فلسطين المكان الذي ولد وعاش به السيد المسيح عليه السلام. وهي المكان الذي جاء إليه اليهود من مصر واستقروا به. وتحدثت عن مرحلة ما قبل الإسلام والصراع بين الفرس والروم على فلسطين وفيها. وكيف أصبحت جزء من الخلافة الإسلامية عندما فُتحت القدس في عهد عمر بن الخطاب، الذي سلمه رجال الدين المسيحي مفاتيحها. وكيف عاش على أرضها شعبها من المسلمين والمسيحيين واليهود متعايشين. طوال فترات الخلافة الأموية والعباسية والمماليك والفاطميين. تحدثت الكاتبة أيضا عن الحملات الصليبية التي جاءت تحت دعوى إنقاذ بيت المقدس من المسلمين، واستمرار بعض اماراتهم مئتين سنة وكيف تحررت أخيرا من الصليبيّن على يد صلاح الدين الأيوبي ومن جاء بعده. وكيف أصبحت فلسطين بعد ذلك
جزء من الدولة العثمانية لمئات من السنين حتى العصر الحديث. محافظة على هويتها الفلسطينية العربية الإسلامية. مع تعايش كل من يعيش فيها من مسلمين ومسيحيين ويهود جنبا الى جنب.
الفصل الثاني: إخراج الشعب الفلسطيني من أرضه وتهجيره.
تتحدث الكاتبة في هذا الفصل عن العصر الحديث منذ ما قبل القرن العشرين. حيث أصبح الرأسماليين الأوروبيين يفكرون ويعملون على استعمار بلادنا العربية ومنها فلسطين، وكانت فاتحة ذلك محاولة نابليون بونابرت في احتلال مصر، وفشله في احتلال فلسطين وعودته الى فرنسا وسقوط مشروعه بعد ذلك. لكن الغرب تحدث عن خلق كيان في المنطقة العربية يعمل لصالح الغرب الاستعماري. وكانت فكرة زرع كيان يهودي في فلسطين قد اختمرت في عقل هرتزل رئيس المؤتمر الصهيوني العالمي. الذي حاول مع السلطان العثماني عبد الحميد أن يحصل على حق مجيء يهود العالم الى فلسطين وبناء دولة لهم. لكنه فشل ورفض السلطان عبد الحميد ذلك. واستطاع هرتزل الحصول على وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا بإعطاء فلسطين لليهود ليبنوا دولتهم، كان ذلك عام ١٩١٧م. وما أن انتهت الحرب العالمية الأولى وانهزم العثمانيين واحتل الفرنسيين والانكليز بلاد المشرق العربي. وكانت فلسطين من حصة الإنكليز حتى أعطوا لليهود ومنظمتهم الصهيونية حق الهجرة إلى فلسطين تحت الانتداب الإنكليزي. واقترنت الهجرة مع شراء للأراضي الفلسطينية بأسعار باهظة. شجعت البعض على البيع. لكن الفلسطينيين أدركوا أن هناك مخططا لإحضار يهود العالم الى فلسطين. وأنهم سيرحّلون الفلسطينيين منها، حسب مقولة صهيونية “فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض” وهم اليهود. أدرك الشعب الفلسطيني وقواه الحية ذلك فبادروا إلى منع البيع، والثورة على الانكليز في سنوات متتالية، كان منهم الشيخ عز الدين القسام قائد ثورة ١٩٣٢م. كذلك مفتي القدس عبد القادر الحسيني. كانت ثورات الفلسطينيين ضعيفة في مواجهة الإنكليز والصهاينة المدعومين من كل الدول الغربية المستعمرة. جلب السلاح للصهاينة المستوطنين وتنظيم عملهم وتدريبهم عسكريا، تحت عين الإنكليز. تخطيط للمستقبل وبناء دولتهم، جلب مجيء من المستوطنين، واستمرار شراء الأراضي. أما الفلسطينيين فقد كانوا دون أي مساعدة ودعم. تتوج تخطيط اليهود والصهاينة بالوصول الى انسحاب الإنكليز ودعمهم للصهاينة ليحتلوا فلسطين، شرّدوا شعبها، وأعلنوا دولتهم الصهيونية.
لقد سعت الدول الغربية أن تشرعن دولة لليهود عبر قرار دولي ١٨١ بتقسيم فلسطين لدولتين يهودية وفلسطينية. رفضها الفلسطينيين والدول العربية. وتشكل جيش الإنقاذ لتحرير فلسطين ودخلت الدول العربية التي مازال بعضها تحت الاحتلال او خارجا من الاحتلال حديثا، وهزموا جميعا. وأدت هذه الحرب عام ١٩٤٨م الى تشكيل دولة الصهاينة اسرائيل واعترف بها الكثير من دول العالم. احتلت إسرائيل أرضا داخل فلسطين أكبر مما قرر مجلس الأمن في قرار التقسيم. سكت العالم عن ذلك. كما سكت عن التهجير والتشريد والمذابح والمجازر التي حصلت بحق الفلسطينيين، التي أدت للجوء مليون الى مليون ونصف فلسطيني إلى دول الجوار العربي والعالم كله.
وصل الى سورية عدد كبير زاد عن نصف مليون نسمة من الفلسطينيين المهجّرين، توزعوا على المدن السورية كلها تقريبا. استقر أغلبهم في دمشق. عملت الدولة السورية وقتها على مساعدتهم في اعطائهم أراض للبناء عليها. وكانت أرض مخيم اليرموك بجوار دمشق المكان الذي ضم الفلسطينيين منذ النكبة. وتشكلت منظمة الأونروا الدولية لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين. بدأ الفلسطينيين بالعمار في الأراضي الممنوحة لهم، وبدؤوا يسعون في كسب رزقهم. كانوا يعيشون يقين العودة في أقرب وقت، لكن الوقت مضى وهم أصبحوا ابناء للمكان الجديد مخيم اليرموك. الذي نقلوا اليه اسماء مدنهم وبلداتهم، وعاشوا فيه حميمية عيشهم داخل فلسطين.
أصبح اهل مخيم اليرموك مع الزمن شريكا بكل متغيرات القضية الفلسطينية، فيه تواجد الكثير من قادة الفدائيين. منه خرج الثوار لتحرير فلسطين. واليه عادوا شهداء. فيه تواجدت فتح كبرى منظمات الثورة الفلسطينية ورمزها ابو عمار. والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والقيادة العامة. كبرت ونمت وشاركت في تكوين الوجدان الفلسطيني وربطه بقضيته وجعلها حية في ذاته كل الوقت. عايش فلسطيني مخيم اليرموك كل المتغيرات في الثورة الفلسطينية، انطلاقتها. وحرب أيلول الأسود ضد الفدائيين في الأردن، وانتقال العمل الفدائي إلى لبنان، وحصار بيروت واحتلالها من الصهاينة عام ١٩٨٢م. واخراج ابو عمار والثوار منها الى تونس وبلاد المنافي.
عايش الفلسطينيين تطور العمل السياسي والعسكري، والدخول في لعبة السياسة وعودة ابو عمار داخل فلسطين. ولادة حركتي الجهاد الإسلامي وحماس وتغلغلهم في النسيج الفلسطيني ايضا. كل ذلك عايشه الفلسطينيون في المخيم. استمروا يحملون يقين العودة والعمل لذلك. كانوا يؤمنون بالعلم ودوره، يعلمون أولادهم، أصبح منهم المعلمين والأطباء والمهندسين والمفكرين بكثافة تجاوزت عددهم كنسبة وتناسب مع أهل البلاد التي جاؤوا إليها. رغم كل ظروف اللجوء والتشرد.
مرّت العلاقة بين الفلسطينيين والنظام السوري بأدوار مختلفة. كان النظام قد زرع انصاره في بعض التنظيمات وجعلها تسير وفق رؤيته ومصلحته. كما اختلف ابو عمار مع الأسد الأب وانعكس هذا على حركة فتح. وتم دعم حركتي الجهاد وحماس من النظام في فترات مختلفة.
لم يميز النظام بين الفلسطيني والسوري بالمعاملة نظريا. لم يحصل الفلسطيني على الجنسية السورية.
الفصل الثالث: مخيم اليرموك التاريخ والمحنة.
تحدثت الكاتبة في هذا الفصل عن واقع الحياة المجتمعية والسياسية التي عاشها الفلسطينيين كما ذكرنا سابقا. وكيف تحرك السوريين اعتبارا من منتصف آذار عبر التظاهر. لقد كانت الكاتبة حريصة في التكلم عن الفلسطينيين بمعزل عن السوريين داخل المخيم. وأنهم كانوا حياديين اتجاه ما حصل في سورية. بعضهم مع النظام والبعض مع المتظاهرين. وكيف بدأ ما يحصل في سورية بالتأثير داخل المخيم، وحصول حراك بدأ يتنامى، وأن الفلسطينيين، أصبحوا ضحيته مع بداية تشكل الجيش الحر خارج المخيم في الحجر الأسود وغيره، وتغلغلهم الى المخيم والوصول الى خروج المخيم عن سيطرة النظام، ولجوء النظام الى قصف المخيم، الذي ادى الى سقوط ضحايا من المدنيين. وحاصر النظام المخيم، وتم الإيحاء بأن النظام سيقوم باجتياحه، مما أدى إلى نزوح أغلب سكانه من الفلسطينيين والسوريين البالغ عددهم حوالي نصف مليون انسان، وبقي فيه حوالي العشرين ألف إنسان، عاشوا أهوال الصراع بين النظام والمجموعات المسلحة التي تنوعت مسمياتها وادوارها، والبعض منها سلب ونهب واساء. كما ظهرت جبهة النصرة وأصبحت هي المسيطرة أخيرا.
وتحدثت الكاتبة عن جحيم الحصار ونقص الغذاء وكيف حاول الفلسطينيين المقاومة بالتضامن فيما بينهم، وكيف حاولوا فتح مدارس بديلة عن المدارس التي أُغلقت، وإعادة دورة الحياة في اوائل الاحداث. لكن استمرار الصراع ونزوح أغلب الفلسطينيين والسوريين من المخيم وظروف حصاره جعل امكانية العيش به شبه مستحيلة.
هذا ما دونته الكاتبة عن ما حصل في مخيم اليرموك ولم تذكر التطورات بعد ذلك.
الفصل الرابع: المخيم في عيون أبنائه ومحبيه.
حشدت الكاتبة في هذا الفصل شهادات الكثير من أبناء المخيم من المفكرين والصحافيين والفنانين والكتاب. كتبوا شهادتهم عن المخيم ومشاعرهم اتْجاهه وما حصل معهم وفيه. وهم د. احمد البرقاوي، سعيد البرغوثي، ناديا وماريا عيلبوني، جواد عقل، نبيل سالم، خالد ابو عيسى، محمود السرساوي، علي بدران فاطمة جابر.
كما قدمت شهادات لآخرين غير فلسطينيين عاشوا في المخيم وتحدثوا عنه. وهم ظبية خميس، حسن مدن، محمد طلبي.
لقد توزعت الشهادات بين التغني بالمخيم والتعايش فيه وذكريات العيش والتعلم والنضال والوعي… الخ. كان الأغلب يتحدث عمّا حصل في سورية بحيادية، والقليل أظهر هواه الداعم للنظام ولما فعله في سورية وبحق شعبها وبحق المخيم وأهله. والبعض أعلن انتماؤه للثورة السورية وأنهم جزء منها كفلسطينيين يعيشون ما عاشه السوريين سلبا وايجابا، ذاكرا تنسيقيات الثورة السورية بين الفلسطينيين في المخيم. ومشاركة الكثير منهم في الجيش الحر مع الثوار السوريين. أظهروا تبرؤهم من القاعدة والنصرة، اعتبروهم أدوات النظام. يخدمونه بوعي أو من غير وعي. وكان أبرزهم الفنان التشيلي الحكم النعيمي.
هنا ينتهي الكتاب. في التعقيب عليه نقول:
أولا: لا بد لنا من التحدث من وجهة نظرنا
عن واقع المخيم بعد حصول ثورة الشعب السوري في آذار عام ٢٠١١م. حيث قام الشعب السوري عبر التظاهر السلمي بمطالبة النظام بحقوقه المهضومة وطالب بالإصلاحات، متأثرا بالربيع العربي. وردّا على ما فعل النظام من تعذيب وحشي وقتل بحق أطفال درعا، وسرعان ما وصل الحراك الثوري، الذي أصبح يطالب بإسقاط النظام ومحاسبته على جرائمه وبناء الدولة الديمقراطية العادلة الى جميع انحاء سورية. لم يكن مخيم اليرموك الذي تمدد وتوسع وأصبح يحوي إضافة للفلسطينيين الكثير من السوريين. أصبح رئة اقتصادية وموقعا اجتماعيا للسوريين والفلسطينيين معا. خاصة وأنه كان حيويا فكريا وسياسيا لأن تنظيماته الفدائية لم تتوقف عن التواجد وبفاعلية في المخيم وبين أهله. لذلك سرعان ما وصل المد الثوري الى المخيم وكان بين الناشطين الثوريين فلسطينيين وسوريين من أبناء المخيم، يرون أن مطالب الثورة تعنيهم. وأن اغلب ابناء المخيم هم بحكم الولادة والعيش والمعاناة اليومية يعيشون كل مظالم الشعب السوري، على قدم المساواة. لذلك شاركوا بالتظاهر والثورة رويدا رويدا. وما أن مضت أشهر حتى امتد العمل إلى داخل المخيم. حصل التظاهر وقام النظام بالرد بالعنف المسلح وسقط الشهداء. ثم تدحرجت كرة العنف؛ النظام يحاصر المخيم، يقصف ويقتل دون أي حساب لأي مدني لا علاقة له بما يحدث. نشأ الجيش الحر وتوسع الى المخيم. ووصل الى مرحلة أصبح فيها هو المسيطر على المخيم. مما دفع النظام لينسحب من المخيم ويحاصره ويمنع عنه أسباب الحياة. حاول الناس في المخيم تسيّر امورهم في السنوات الاولى طعام وحاجات وتعليم وتنظيم امور الحياة في ظروف بالغة الصعوبة. لكن النظام بدأ في تدمير المخيم فوق أهله وتجويعهم وتهديدهم بالقتل والاجتياح. مما دفع أهل المخيم من السوريين والفلسطينيين للهروب منه مرة الى اخرى الى جميع المنافي. فمن أصل أكثر من نصف مليون انسان والبعض يقول مليون غادروا وبقي فيه ما بين عشرين إلى خمسين ألف إنسان. رضوا أن يكونوا جزء من جحيم الموت جوعا وتحت القصف والاعتقال والنهب والصراع بين جميع الأطراف. وزاد الحال سوءا، ظهور مجموعات مسلّحة حُسبت على الثوار والجيش الحر كانت أقرب لعصابات السرقة والنهب، البعض منها ارتبط بالنظام. والبعض من المنظمات الفلسطينية التابعة للنظام ومن شبيحته ايضا. كما ظهرت المجموعات المسلحة المتسترة بالإسلام مثل القاعدة والنصرة. وكانت سلوكياتها تضر الثورة وتعطي للنظام ذريعة لضرب المخيم وحصار أهله وتجويعهم. حتى دعوى أنه يحارب الإرهابيين.
ثانيا: كنا نحتاج أن تأتي شهادة من اهلنا الفلسطينيين عن ما حصل في الثورة السورية في مخيم اليرموك بين الفلسطينيين والسوريين الذين كانوا يعيشون به جميعا. ولو أنّ الخط العام للكتاب يظهر اصرار الكاتبة على التعبير عن الحياد تجاه ما حصل في سورية ابّان ثورتها وبعد مضي سنوات حتى طبع الكتاب عام ٢٠١٦م. وإننا نقول هنا من موقع المنتمين للثورة السورية، وتأكيدا على الحقائق التي كنا نعيشها نحن السوريين والفلسطينيين في سورية.
أن النظام المستبد السوري كان ومنذ انقلاب الأسد الأب عام ١٩٧٠م. وتربعه حاكما مطلقا على رقاب الشعب السوري. راعيا للفساد والظلم والمحسوبية والقمع ونهب البلد، مرتبطا مع القوى الدولية ضد مصلحة الشعب. ولتحقيق مصالحه العائلية والطائفية عبر هيمنته على الجيش والأمن.
بالنسبة للقضية الفلسطينية موضوعنا هنا. كان النظام قد اخترق الثورة الفلسطينية وأنشأ منظمات تابعة له تعمل لمصلحته وتدْعي أنها تعمل لمصلحة الثورة الفلسطينية. وهم منظمة الصاعقة والقيادة العامة بقيادة أحمد جبريل. كما كان النظام يعمل للتدخل في عمل المنظمات الأخرى للهيمنة عليها وبكل الوسائل بما فيها الاغتيال. ومارس دورا تخريبيا ضد الفدائيين في لبنان. حيث دخل النظام السوري الى لبنان بالتوافق مع أمريكا وبرضى اسرائيلي عام ١٩٧٥م داعما القوى الانعزالية ضد القوى الوطنية اللبنانية المتحالفة مع قوى الثورة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات أبو عمار وكمال جنبلاط. واستفتح دخوله لبنان بمجزرة في المخيم الفلسطيني تل الزعتر. ثم اغتال كمال جنبلاط، القائد الوطني اللبناني. حاصر العمل الفدائي في لبنان. وقضى على القوى الوطنية اللبنانية مثل حركة المرابطون. وساعد في تأسيس حركة أمل الشيعية ومن ثم دعم حزب الله، وتناغم مع الاسرائيليين عبر فيليب حبيب الوسيط الأمريكي في احتلال لبنان والوصول الى بيروت، والصمت عن مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين. مما أدى أخيرا الى خروج ابو عمار والثورة الفلسطينية من لبنان منذ ١٩٨٢م. استمر النظام يتاجر بالقضية الفلسطينية عربيا ودوليا ويحصل على المال والدعم الدائم. وهو واقعيا كان الأداة التي أنهت الثورة الفلسطينية. ولولا الانتفاضة داخل فلسطين لما عاد أبو عمار إلى فلسطين واستمر يناضل حتى استشهد.
أما عن تعامل النظام السوري مع فلسطينيي الداخل السوري. فقد اعتبرهم نظريا مثل السوريين. لكن واقعيا لم يعطهم الجنسية تحت دعوى الحفاظ على فلسطينيتهم. وتركهم دون اي مكتسبات، مجرد قوى عاملة دنيا. كما استثمر المنظمات الفلسطينية. حارب فتح لأنها منظمة أبو عمار؛ الذي شكل الشخصية القائدة فلسطينيا. وهذا ما لا يريده النظام. ومنع أي نشاط عسكري ضد الصهاينة عبر الجولان المحتل. ودعم منظمة الصاعقة والقيادة العامة الفلسطينيتين كأدوات في يده تعملان لمصلحته. حيث ارسلهم لقتال أبو عمار عندما عاد الى طرابلس لبنان عام ١٩٨٣م وأجبروه على العودة إلى المنفى مرة اخرى. كما دعم حركة الجهاد الاسلامي وحماس بالتناغم مع إيران لأجل أهداف مصلحية للنظامين السوري والإيراني.
هذا عن النظام ودوره تجاه القضية الفلسطينية.
أما عن الشعب السوري بقواه الوطنية الديمقراطية المعارضة فقد تعاملت مع القضية الفلسطينية بصفتها قضيتهم وفضحت النظام السوري المستبد. تقاربت مع أبو عمار وبقية المنظمات الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، كل القوى المعارضة السورية تقريبا. أما على مستوى الشعب السوري فقد كانت قضية فلسطين شعب مشرد وأرض مغتصبة، مزروعة في وجدانه، متمثلة في تعامله الأخوي مع الفلسطينيين في كل مناطق تواجدهم داخل سورية.
أما بالنسبة للفلسطينيين داخل سورية كانوا جزء من نسيجه الاجتماعي والسياسي والثقافي وقواه العاملة وانعكس عليهم كل ما يعيشه الشعب السوري من استبداد النظام وظلمه واستغلاله وطائفيته وبطشه. لذلك عندما قامت الثورة السورية عام ٢٠١١م. كان الفلسطينيين في كل مناطق تواجدهم جزء أصيل من الثورة. ولهم دورهم في كل المخيمات في جميع المدن السورية، خاصة في مرحلتها السلمية. لذلك اعتمد النظام العنف المطلق بالقتل والاعتقال والقصف والتدمير والتهجير على كل السوريين في كل المناطق ومثلهم الفلسطينيين في كل مناطق تواجدهم.
أخيرا: نؤكد أن الثورة السورية ثورة كل الشعب السوري والفلسطينيين المتواجدين معهم في سورية هم من الشعب السوري بهذا المعنى: مظلومية وثوار قولا وفعلا. نعتز بذلك ولا نخفيه ولا نتستر عليه.
كانت القضية الفلسطينية في وجداننا نحن السوريين ومازالت وستبقى لأنها قضية حق.
كما هي قضية الشعب السوري التي زادت مظلوميتها وكوارثها التي فعلها النظام وحلفائه ومرتزقته عبر تسع سنوات من عمر الثورة، تجاوزت ما أصاب أهلنا الفلسطينيين من كوارث عبر قرن من الزمان.
يجمعنا نحن الفلسطينيين والسوريين جرح واحد وحقوق واحدة. تحرير فلسطين والجولان من عدو مغتصب وتحرير سورية من نظام مستبد قاتل ومستعمرين كثر داعمين له.
مطالبنا بإسقاط النظام المستبد المجرم ومحاسبته وتحرير سورية من المحتلين، وبناء الدولة الديمقراطية العادلة لكل أبناء سورية بجميع مكوناتها ومنهم الفلسطينيين المتواجدين في سورية. حق لا تنازل عنه. معركتنا واحدة ونصرنا القادم واحد.